كلام لا علاقة له بالأمور السياسية….(8) بقلم العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
ستجد أيضاً في أوروبا وأمريكا من يَكذب على شعبه ولو كان ممن يشغل منصب الرئيس أو رئيس الوزراء. وأكاذيب الرئيسان بوش وبلير المعروفة, إنما كانت بهدف تحقيق مصالح الامبريالية في بلدانهم ودول العالم.
وستجد في أوروبا محقق كذاب كديتلف ميليس يفبرك تحقيقات مزيفة وكاذبة ومزيفة لخدمة دول حليفة لبلاده.
وستجد أيضاً محاكم دول أوروبية أو محاكم دولية تصدر أحكام جائرة وغير عادلة كي تخدم بها مصالح بلدانها أو حلفاء حكوماتها كما قضى القضاة السكوتلنديين بحكم جائر على المقر احي بأدلة واهنة وغير صحيحة. وستجد في أوروبا دوائر رسمية سياسية أو مالية أو اقتصادية أو حتى مراكز دراسات وبحوث يتعاونون مع العملاء كي يسخروهم لخدمة مصالح الامبريالية والصهيونية وقوى الاستعمار. وستجد في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية رؤساء إرهابيين ومجرمين ويحملون الشهادات الجامعية كجورج بوش وطوني بلير يضللون شعوبهم ويجرون بلادهم لخوض غمار حروب عبثية ظناً منهم أنهم إنما يخدمون مصالح بلادهم ومصالح الامبريالية بشركاتها ومصانعها المتعددة من البنوك إلى النفط والسلاح بهذه الطرق الإرهابية والملتوية والكاذبة والتي تتفوق في وحشيتها وإرهابها على ما سبقها من وحشية وإرهاب الفاشيين والنازيين.
ولكنك لن تجد قطعاً من يتآمر على بلاده, أو من يرتشي للتآمر على بلاده,أو من يطعن بالظهر حركات المقاومة الوطنية في بلاده,أو من يسعى لنزع سلاح قوى المقاومة الوطنية في بلاده ,أو من يسعى للإضرار بمصالح بلاده.أو من يلجأ للتعاون مع أعداء بلاده لينصبوه حاكماً على بلاده كي يتحكم برقاب العباد. أو من يسعى ليقود معارضة في عواصم أخرى للتآمر على بلاده, وتدمير أو هتك أمن بلاده,أو تهجير وتشتيت شعبه, وتدمير بناه الأثرية والحضارية وسرقة مخزوناته وموارده الظاهرة والمستترة التي لم تستخرج بعد.كما أنك لن تجد من يسخر القضاء لتضليل شعبه ليحظى بثقة الأعداء,أو بثقة رؤساء دول تحتل قواتهم العسكرية بلاده.وبالتأكيد لن تسمع في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية عن وجود شخصيات أوروبية أو أميركية تقود معارضات ضد دولها في عواصم غير عاصمة بلاده.لأنه يعلم علم اليقين أن من يقود معارضة لنظام بلاده أن قيادة مثل هذه المعارضات من خارج بلاده سيعرضه لعقبات جمة قد تلحق به الكثير من الخزي والعار. من أهمها:
1. أنه سيكون مجبراً على مراعاة وخدمة مصالح مثل هذه الدول على مصالح بلاده وحتى تفضيل وإعلاء مصالحها على مصالح بلاده,إن سمحوا له أصلاً بتجميع معارضة وقيادتها من بلدانهم.
2. وأنه سيكون مقيد اليدين واللسان والحركة.وطليق اللسان فقط بما يضر ويؤذي بلاده وشعبه.
3. وأنه سيدفع ثمناً باهظاً حين تتحسن العلاقات بين العاصمة التي يقود منها معارضته وعاصمة بلاده.
4. وأن شعبه سينظر إليه على أنه جبان,أو خائن. وهذه صفات لا يستسيغها لبه وشرفه وضميره.
5. وأن تجربة الرئيس شارل ديغول حين قاد معارضة بلاده جسدها بدرس هام يتم تعليمه لكل أوربي.
فالرئيس ديغول كان برتبة عقيد حين سقط خط ماجينو واحتل الألمان بلاده واستسلمت القيادتين السياسية والعسكرية الفرنسية لقادة الجيش الألماني. وآلم وأحزن هذا الموقف العقيد شارل ديغول حينها.ولم يهضم أن تبتلع ألمانيا بلاده بكل مجدها وتاريخها العريق وتضحيات ونضال شعبها و قيم الثورة الفرنسية. ففر مع فلول القوات البريطانية المهزومة التي راحت تنسحب بشكل عشوائي نحو السواحل البريطانية وقلب تشرشل يكاد يتصدع خوفا على مصيرها البائس والحزين والأليم فيما لو قصفتها القوات الألمانية بالطيران والمدفعية وأحرقت سفنها.وحين وصلت هذه القوات بأمان إلى الشواطئ البريطانية وصل معها ديغول واستقبله رئيس الوزراء البريطاني تشرشل مع باقي قادة القوات البريطانية المنسحبة. وأتفق وإياه على أن يقود العقيد شارل ديغول كافة فصائل لمعارضة وقوى المقاومة الفرنسية من لندن. وذلك من خلال تشكيل حكومة فرنسا الحرة لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي لتعود فرنسا كما كانت حرة. وكانت تجربة مرة ومريرة ومعقدة خاضها الرئيس الفرنسي شارل ديغول طيلة مدة الحرب العالمية الثانية. حيث كان هدف الرئيسان البريطاني والأميركي الضغط على ديغول ليكون محور نضاله هو تحرير فرنسا تاركاً مسؤولية احتلال مستعمرات بلاده ودفعها للتمرد على حكومة فيشي من مسؤولية القوات البريطانية والأميركية. إلا أن وطنية وذكاء الرئيس ديغول كانت تدفعه لرفض مثل هذه الاقتراحات لأنه يعرف أن هدفهم سرقة مستعمرات فرنسا لإلحاقها ببريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على أنها غنائم حرب.ولذلك أصر على أن يكون محور اهتمامه ونضاله ومعارضته وحتى مقاومته هو تحرير بلاده وتحرير مستعمرات بلاده من حكومة فيشي لتكون خاضعة لرجاله,وبقي واقفاً لهم بالمرصاد كي يمنعهما من تحقيق أي هدف يلحق الضرر بوطنه وشعبه ومصالح بلاده.
وحتى حين تحررت بلاده حاول كل تشرشل والرئيس الأميركي فصل جزء من بلاده لتكون دولة مستقلة تحت أسم دولة فلورنسا لإرضاء بعض فصائل المعارضة,إلا أنه جابههما بكل قوة وهدد وتوعد وأجبرهما على أن تبقى فرنسا دولة واحدة كما كانت.وأن تتبع لها كامل مستعمراتها السابقة. ولكن تبين له أن الرئيسان الأمريكي والبريطاني حين اتفقا على إقامة الأمم المتحدة لم يدرجا فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي,بحجج وذرائع واهية. وهنا ثار الرئيس ديغول وأجبر كلا الرئيسان رغم أنفهما على تعديل الميثاق في الربع الساعة الأخيرة من صدوره لاعتبار فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي لها نفس حقوق باقي الأعضاء الدائمين ولها حق الفيتو ومع ذلك لم يسلم الرئيس شارل ديغول من شرور حلفائه حين راحت قواتهم تؤلب الشعوب في المستعمرات الفرنسية التي احتلتهما قواتهما كي تطرد الفرنسيين لتضمها لحظيرتهما. وعندها كان موقف ديغول وشرطه الوحيد في مثل هذه الحالات أن تنسحب كافة القوات المحتلة بشكل متزامن,وتترك هذه المستعمرات لشأنها كي يُفوت الفرصة على حلفائه بعد أن طعنوا بالظهر بلاده.
أما بعض الشعوب فلم تتعلم شيئاً يذكر من دروسها السابقة. أو من تجربة امرؤ القيس, أو من تجربة حكام الأندلس الذين سقطت على أيديهم دولة الأندلس . ولا من تجربة الثورة العربية حين غدر الحلفاء الفرنسيين والبريطانيين بالشريف حسين والأمير فيصل ومزقوا الوطن العربي وجزؤه باتفاقية سايكس بيكو.و زادوا الطين بلة حين أصدر وزير خارجية صاحبة الجلالة بلفور وعده المشؤوم بمنح اليهود وطن بديل في فلسطين. ولا بمصير المناضل الشهيد المهدي بن بركة. ولا بمصير الشاه الذي طرده مصدق وأعادته وكالة المخابرات المركزية إلى طهران شاهاً من جديد على إيران بعد أن أستُعبد واستُعبدت معه إيران. أو حين كررت ما بات يعرف بفصائل المعارضة العراقية الخطأ والخطيئة بدعم الغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني لدولة العراق.
فالأوربيين تعلموا من تجربة شارل ديغول درساً لن ينسوه.ومازال هذا الدرس حجر عثرة في وجه تحسين العلاقات البريطانية الفرنسية بسبب عمق الجرح الذي خلفه تصرف تشرشل,ولم يزل حتى الآن وصمة عار في جبين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية نتيجة تعاملهما السيئ مع فرنسا وديغول إبان الاحتلال النازي لها.والذي مابرحت فرنسا ترد عليه بأشكال متعددة كانسحابها من حلف الناتو إلى مشروعها الفرنكفوني.
ثم من ينسى الدرس الذي جسده العماد ميشال عون حين قلد شارل ديغول ورفض منطق الرؤساء الأمريكيين والفرنسيين.وعاد إلى لبنان وهو مؤمن بأن العدو الرئيسي للبنان هو إسرائيل ,وأن حق المقاومة حق مشروع, وأن سلاحها مشروع ولا يجوز نزعه في ظل وجود محتل وعدو بتربص بلبنان وينتهك سمائه وأرضه. وأن عروبة لبنان هي الأساس. وأن تعزيز مكانة لبنان إنما يكون بتعزيز أواصر العلاقات الأخوية بين سوريا ولبنان والحفاظ على علاقاته العربية ,وضرورة أن تكون العلاقات السورية اللبنانية مميزة.وهذا ما جر عليه غضب وعداء إسرائيل والإدارات الأمريكية وبعض الأنظمة والحكومات الغربية والعربية, وبعض رجال الدين وجاك شيراك.
وما زلنا ويا للأسف الشديد نشهد تشكل وتنامي معارضات من قبل بعض الشخصيات العربية في روما وباريس ولندن وواشنطن.ومازلنا نرى شخصيات يسعون لتدمير أوطانهم أو تسهيل مهمة احتلالها من جديد من قبل القوى الاستعمارية بذرائع كاذبة ومضللة. وكم يشعر المرء بالحزن والأسى حين يتبجح أحدهم بأنه ضحك على رؤساء أوروبيين وأمريكيين حين سخرهم لتحرير بلاده وأجبرهم على غزو بلاده. وأنه بهذا الغزو والاحتلال إنما نشر الحرية والديمقراطية في ربوع بلاده.أو أن كل ما يسعى ويهدف إليه إنما هو إسقاط نظام بلاده كي ينعم شعبه بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. أو أنه يعادي نظم الوصاية,أو أنه يعادي سوريا ليضمن حرية واستقلال بلاده.أو أن يخدع شعبه بتبرير الاحتلال لبلاده أو لنزع سلاح مقاومتها الوطنية ,أو أن يبرر مباركته ودعمه ومساندته وتأييده لعدوان إسرائيل الغاشم على بلاده أو على لبنان وقطاع غزة بذريعة أن هدفه إنما هو توحيد الكلمة والصف ومنع ازدواجية السلطة,أو وجود سلاح غير سلاح سلطته الشرعية. أو أن يسوح بطائرته في بقاع الأرض ليقنعنا بأنه شخصية كبيرة ومحترمة وذو نفوذ كبير في عواصم عربية وغربية وحتى في نيويورك وواشنطن, وأنه صاحب كلمة مسموعة,وأنه قادر على التعامل مع كافة الغرباء والأعداء في كافة أصقاع الأرض وبكل اللغات باستثناء تركيا أو إيران أو سوريا أو حماس أو حزب الله أو فصائل المقاومة الوطنية في العراق. أو أن يظهر لنا ضغينته وحقده على الرئيس بشار الأسد حفظه الله ورعاه والسيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون وخالد مشعل و إسماعيل هنية ووئام وهاب,أو على أبناء جلدته.
ولهذه الأسباب كنا نسمع النقد اللاذع يصدر من واشنطن ولندن من قبل كل من الرئيس كارتر وكلينتون ومايكل مور والجنرال باول والنائب البريطاني جورج غلاوي وكيسنجر وأولبرايت لكل من إدارتي بوش وبلير.