إرهاب أمريكي فضائي؟! .. بقلم هشام منور

منذ أعلنت إدارة بوش الجمهورية عام 2001م حربها على ما سمته حينها (بالإرهاب) الدولي إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وشنّ جيوشها حروباً ( استباقية ) على أعدائها الافتراضيين في كل من أفغانستان والعراق ..

ولم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الوقت في القضاء على "الإرهاب"، وفق التصنيف الأمريكي، الذي تناسل في العالم وتمدد وباتت مهمة "شرطي" العالم ملاحقة "ظل" عدو وهمي، أو بعبارة أدق، اغتنام حالة الاحتقان والتوتر والتوجس من انبثاق أي معارضة للنهج الأمريكي في بلد ما خشية أن تبادر الحشود العسكرية الأمريكية إلى اقتحام ذلك البلد بذريعة مكافحة الإرهاب. 

أما آخر ما تفتقت عنه العقلية الأمريكية المهجوسة بمخاوف الأمن واستقصاء كوامن الإرهاب، فهو إرهاب المنابر الإعلامية التي تتخذ من الفضاء الخارجي منفذاً لمعارضة السياسات الأمريكية بعد أن ضاقت بها سبل معارضتها ومواجهتها على سطح الأرض. فقد صوت مجلس النواب الأمريكي مؤخراً على مشروع قانون يرمي إلى معاقبة فضائيات عربية متهمة بما سمته "التحريض" ضد واشنطن، بسبب انتهاج أغلبها لنهج مقاومة الاحتلال. وقد صوت 395 نائبًا أمريكيًا على قرار يطالب باعتبار بعض مالكي الأقمار الصناعية في الشرق الأوسط بأنهم يشرفون على منظمات "إرهابية" لقيامهم ببثّ قنوات معادية للولايات المتحدة بحسب مشروع القرار. 

مشروع القرار نصّ أن الدول المشمولة والمعنية به هي الجزائر والبحرين ومصر والعراق والضفة الغربية وغزة والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان وقطر والسعودية وسوريا وتونس والإمارات واليمن، بالإضافة إلى "إسرائيل" وإيران؟!. وكأن مشروع القرار قد حاول أن ينزع عنه صفة التحيز والانحياز ضد صيغة القرار من خلال إدماج حليفة الولايات المتحدة "إسرائيل" في الدول المعنية بالقرار. 

اللافت في الأمر أن مشروع القرار نصّ على وجه الخصوص قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس والتي تبث من غزة، وأشار بشكل محدد إلى عرضٍ للعرائس عرضته قناة الأقصى في مارس 2008 أظهر طفلاً فلسطينيًا يطعن الرئيس الأمريكي. بالإضافة إلى قناة الزوراء العراقية المملوكة لعضو البرلمان العراقي السابق مشعان الجبوري، والتي تبث عمليات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد قامت في يناير 2008 بحظر جميع المعاملات المالية بين أي شخص أمريكي وبين قناة "الزوراء" أو مالكها مشعان الجبوري؛ حيث اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية القناة بـ"تهديد سلام واستقرار العراق والحكومة العراقية". بحسب زعمها. 

وأشار القرار أيضاً إلى قناة "الرافدين" العراقية التي تُبث من مصر، وقال: إنها تابعة لهيئة علماء المسلمين، والتي وصفها بأنها "منظمة معادية للولايات المتحدة في العراق". بالإضافة إلى قناة المنار التابعة لحزب الله. وقد برر مقدمو القرار اندفاعهم لإرهاب من يناهض سياساتهم الإمبريالية في الشرق الأوسط بـ"نشر وبث التحريض على العنف ضد الولايات المتحدة ومواطنيها بشكل متكرر"، على حد تعبير النائب الجمهوري (جس بيليراكيس) الذي تكفل بتقديم القرار. 

كما حث القرار، الذي يحمل رقم 1308 في مجلس النواب، "الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحلفاء الولايات المتحدة والدول المسؤولة الأخرى على توجيه إدانة رسمية وعلنية للمسؤولين عن الحض على العنف ضد الأمريكيين والولايات المتحدة". ودعا القرار الرئيس الأمريكي إلى تصنيف قناة "الأقصى" الفلسطينية منظمةً إرهابيةً عالمية، وكذلك تصنيف الأقمار الصناعية التي تقوم بتقديم الخدمة للقنوات أو الأشخاص الذين تصنفهم الولايات المتحدة منظماتٍ "إرهابية" عالمية بنفس التصنيف. وأشار التقرير بشكل خاص إلى القمر الصناعي المصري (نايل سات)، والقمر الصناعي العربي (عرب سات). 

والحال أن نص القرار على نماذج القنوات المعنية به يؤكد على الغاية من إقراره، وهو تكميم أفواه المنتقدين للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، إذ تعتبر تلك القنوات في مقدمة القنوات التي تلتزم نهجاً مقاوماً لتلك السياسات وتعبر عن الرأي العام السائد في الدول العربية والإسلامية، وبالذات في دول مثل العراق وفلسطين وأفغانستان. والغريب أنه في الوقت الذي التزم فيه الرئيس الأمريكي الجديد أوباما سياسة تغييرية جديدة تجاه العالم بوجه عام، والإسلامي منه بوجه خاص، وحرص على الابتعاد عن سياسات سلفه التي شوهت صورة الولايات المتحدة في العالم، لا يكاد أوباما يبذل أي جهد يذكر لذلك، على الرغم من كون مجلس النواب الأمريكي مهيمناً عليه من قبل نواب حزبه الديمقراطي، وهو ما أضحى يشكك في جدية الرئيس الأمريكي وسياساته "التغييرية" على حد سواء.