( سلطة ) الاغتيالات الفلسطينية .. بقلم هشام منور
لا تزال تداعيات اغتيال القيادي الكبير ( المبحوح ) تتفاعل، ولا تزال كرة الثلج تتدحرج “كاسحة” أمامها جميع المعطيات الأمنية والتآمرية التي أودت بحياة الشهيد المبحوح في أحد فنادق دبي حتى وصلت إلى حد استدعاء سفراء ( إسرائيل ) في كل من بريطانيا وإيرلندا وفرنسا
وذلك بعدما سببته تلك الجريمة من "إحراجات" لتلك الدول إثر كشف التحقيقات استخدام جوازات سفر عائدة إليها في عملية الاغتيال المشؤومة.
الجديد الذي أميط النقاب عنه هو تأكيد حسّ الشعب الفلسطيني المرتفع بتورط أجهزة الموساد الإسرائيلية في عملية الاغتيال قبل أن يعلن عن ذلك رسمياً، وبنسبة تتجاوز التسعة والتسعين بالمئة، كما صرحت الأجهزة الأمنية الإماراتية نفسها. بيد أن المؤلم (والمتوقع في الوقت نفسه) أن تكشف التحقيقات عن تورط أشخاص محسوبين على سلطة رام الله في عملية الاغتيال في تغييب سافر لأي معنى من معاني الأخوة والإنسانية، وتغاض لأي مبدأ من مبادئ الحسّ الوطني الذي يلهج رجالات السلطة "بالمزاودة" فيه في كل مناسبة.
فبعض المتورطين في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس (محمود المبحوح) كانا يعملان في دبي في مؤسسة عقارية تابعة لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد ابرز رجالات السلطة (محمد دحلان). وتم التعرف على هوية الفلسطينيين اللذين شاركا مع المجموعة التي نفذت الاغتيال والمكونة من 11 عميلاً، ويتبعان لجهاز الموساد، وهما أحمد حسنين، وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية، وأنور شحيبر، وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، وكانا يعملان ضمن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، إلى أن هربا من هناك بعد عام 2007.
وكان الشخصان المتورطان جزءاً من الخلية التابعة لجهاز الموساد التي نفذت الاغتيال، والتقيا قائد الخلية التي أعلن قائد شرطة دبي الكشف عنها. ولم يكتف (دحلان) بتوريط هذين الشخصين، بل عمد إلى التدخل لدى السلطات في دبي للإفراج عن عميلي الموساد، إلا أن السلطات الرسمية في دبي رفضت هذه الوساطات.
عملية الاغتيال التي جرت الشهر الماضي لم تكن المحاولة الأولى لخلية الموساد، بل سبقتها محاولتان من قبل الخلية نفسها كشفت عنها السلطات الإماراتية. فقد قام أعضاء من الفريق الذي كشفت هويته بالمجيء إلى دبي قبل نحو شهرين بالتزامن مع زيارة سابقة قام بها المبحوح إلى دبي لغرض تجاري، إلا أن قتلته لم يوفقوا في تصفيته حينها.
وتشير المعلومات أنه عندما استقل المبحوح إحدى الطائرات المتجهة إلى العاصمة الصينية بكين من مطار دبي الدولي، فإن بعضاً من قتلته قد رافقوه على الرحلة نفسها، وأعدوا لتصفيته هناك في أحد الفنادق، إلا أن المحاولة الثانية لم تنجح أيضاً، حيث قرروا تأجيلها، إلى أن عاد المبحوح إلى دبي بعد شهرين، وتبعه القتلة الذين نجحوا أخيراً في اغتياله داخل غرفته في الفندق.
لم تكن نتائج التحقيقات التي قامت بها شرطة دبي حول ملابسات اغتيال المبحوح مفاجئة لكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني، في ظل الظروف والملابسات التي اكتنفتها، وعلى ضوء المكانة الكبيرة التي كان يحتلها الشهيد المغتال. بيد أن عنصر المفاجأة يكمن في الكشف عن تورط رجالات من سلطة الفساد في رام الله في عملية اغتيال واحد من أهم المقاومين للاحتلال الإسرائيلي، وحرصهم تالياً على إخفاء ملامح الجريمة والتنصل منها بإلصاقها لجهاز الموساد، فسعي "إسرائيل" لتصفية أعدائها أمر "مفهوم" و"متعقل" في ظل الحرب الدائرة على أرض فلسطين، والتي تشنها على كل من يرفض احتلالها ومحاولات إذلالها للشعب الفلسطيني، أما أن يشارك في هذه العملية القذرة من هو محسوب على قيادات الشعب الفلسطيني، وينصب نفسه حامياً ومدافعاً عن حقوقه، فهذا أمر يضاف إلى سلسلة الفضائح المالية والجنسية التي هزت عرش سلطة رام الله خلال فترة وجيزة، ما لم تكن أسوأها على الإطلاق.