علاقة إيران بحركات الإسلام السياسي: جدل السياسة والتمذهب .. بقلم هشام منور
منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران في إسقاط نظام الشاه وتأسيس دولة قائمة على النظام الجمهوري، وتغيير اسم إيران إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم تنقطع علاقاتها بحركات الإسلام السياسي في العالم العربي بالذات ..
والإسلامي بوجه عام، ورغم ما يقال عن تأثر الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الراحل (الخميني) بفكر حركات الإسلام السياسي السنية في العالم العربي، وبالذات حركة الإخوان المسلمين، والتي كانت تتمتع حينها بشعبية ونفوذ سياسي إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات، ومصالحته مع التيار الإسلامي لمواجهة خصومه اليساريين، فإن علاقة الثورة الإسلامية في إيران بحركات الإسلام السياسي في العالم العربي المحسوب ديمغرافياً على المذهب السني تميزت بكثير من التعقيد والجدل على المستوى السياسي والمذهبي، دون أن يمنع ذلك من وجود استثناءات قليلة لا تنفي القاعدة بقدر ما تؤكدها.
تشابك جوانب العلاقة وتعقدها، في بعض المراحل والأحيان، لم يكن ليخفى عن الغرب الذي لطالما لعب على وتر الخلافات المذهبية والدينية والطائفية لضرب اللحمة الداخلية للعالم الإسلامي أو العربي. وعمل الغرب، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية على دقّ أسافين الخلاف والتباعد بين إيران من جهة وبقية العالم العربي، في معظمه، من جهة أخرى بذرائع دينية ومذهبية مغلفة بلبوس سياسي لإبعاد شبهة استغلال الدين من قبل الأنظمة العربية من جهة، والاعتماد على النزعة الدينية الشعبوية لدى عامة العرب وتأجيج المشاعر المذهبية ضد ما اعتبروه عدواً خارجياً يمثل "حاجة" وطنية لإعادة نبش مفهوم الانتماء الوطني بدلاً من "إسرائيل" التي تربطها ببعض دول الاعتدال العربي معاهدات سلام وعلاقات سرية طيبة بالنسبة لبعضها الأخرى.
فمن التقارير التي تحاول تسليط الضوء، بزعمها، على طبيعة العلاقات بين إيران والحركات الإسلامية في العالم العربي، وبالذات في مصر، تقرير صادر عن (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، أعدها مركز مستقبل الديمقراطية والإسلام في العالم الإسلامي، التابع للمعهد، يصف العلاقات المصرية – الإيرانية بأنها «معقدة»، والسبب في ذلك، من وجهة نظره، الاختلاف العقائدي والديني بين إيران التي يحكمها الشيعة ويدين غالبيتها بالإسلام الشيعي، مقابل مصر التي تعد مركز الإسلام السني.
وبحسب التقرير، فإن مصر وإيران تعدان موطنين لأهم التيارات الإسلامية الحديثة، حيث الشيعة السياسية في إيران، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. واعتبر التقرير أن إيران تعد نموذجاً ومصدر إلهام لجماعة الإخوان المسلمين لاستطاعتها إقامة دولة إسلامية في طهران، فضلا ًعن التاريخ الطويل من التعاون بينهما في إطار روح الوحدة الإسلامية، إلا أن الاختلافات الفكرية بينهما تعقد العلاقة بين الإسلام الشيعي وجماعة الإخوان المسلمين بما يجعل توحيد المثل العليا الإسلامية أمراً يصعب تنفيذه في الممارسة السياسية.
يشير التقرير إلى أن جماعة الإخوان خلال حكم مبارك اضطرت إلى إخفاء طموحاتها فيما يخص القومية الإسلامية، خاصة بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وتفاقم توتر العلاقات بين السنة والشيعة من السكان في منطقة الشرق الأوسط. وأن كلاً من الجمهورية الإيرانية الإسلامية منذ تأسيسها، والإخوان المسلمون» في مصر يحاولان إيجاد سبلاً للتعاون في إطار نضالهما الإسلامي المشترك ضد الغرب والنظام السياسي الإقليمي السائد. وأنه على الرغم من الفوائد السياسية، والحقيقة القائلة بأن كلاً من جماعة الإخوان المسلمين والشيعة يريان أن وحدة المسلمين شرط لتطبيق الشريعة، فإن صعوبة الوحدة الإسلامية تعد تبريراً لبقاء نموذجي "الدين" السني والشيعي، اللذين لا يجدان أرضية مشتركة للتلاقي حولها من منظور الفقه الإسلامي التقليدي، نظراً لاختلاف المذهبين في كثير من مفاهيم المعتقدات والممارسات الإسلامية. وهو ما قد يكون خللاً في التقرير، إذ إن من المعروف أن هناك تشابهاً فقهياً معقولاً بين المذهبين، وأن بقاء المذهبين حتى يومنا هذا ليس مرده فشل دعوات الوحدة بينهما بقدر ما يمكن رده الظروف السياسية التي استخدمت كلاً منهما لخدمة مآربها.
التقرير يؤكد أن انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 أخاف الأنظمة العربية من قدرة الإسلام الشيعي على تغيير السياسات الإقليمية، خاصة بعد إسقاط نظام الشاه الموالى للغرب والإطاحة بالحكومة العلمانية في ذلك الوقت، هذا الأمر كان كفيلاً بترحيب الإخوان المسلمين في مصر في البداية بالثورة الإيرانية على الرغم من الاختلاف المذهبي. الغريب في الأمر أن التقرير يزعم أنه على الرغم من الخصومة التاريخية ذات الجذور السياسية والدينية بين الشيعة والسنة، فإن التيارات المختلفة المتبنية الإحياء الإسلامي الحديث، بما فيها الإخوان المسلمين في مصر والشيعة في إيران، تسعى للتغلب على تقاليد مجتمعاتها وإقامة علاقات أكثر متانة بين الفرعين لتحقيق وحدة الإسلام السياسية، خاصة أن الظروف الحالية زادت من تواجد أرضية مشتركة للتقارب الفكري والتعاون بين طوائف الفريقين. وكأن الغاية من التقرير استنفار خصوم الطرفين داخلياً، وتوحيد العداء لهما خارجياً بسبب ما يقوم به كل من إيران والإخوان المسلمون من محاولات التقريب المذهبي والوحدة الإسلامية!.
وفي غمز من قبل الجذور الفكرية للإخوان المسلمين يرصد التقرير أن الأصول الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين تعود إلى رجل الدين "الفارسي" (سعيد جمال أسد آبادي) المعروف في العالم السني باسم «جمال الدين الأفغاني»، ليصبح من المخططين للنهضة الدينية التي اجتاحت العالم السني نهاية القرن التاسع عشر. فبعد هجرة الأفغاني إلى مصر عام 1871، بدأ ينشر مبادئ حركته الإصلاحية ويؤثر في جيل جديد من علماء الدين والمفكرين المصريين وعلى رأسهم الإمام (محمد عبده) ومن خلفه تلميذه (رشيد رضا) الذي تشبع برؤى محمد عبده تجاه القيم الاجتماعية والسياسية في القرآن الكريم ليصبح واحداً من المنظّرين الأوائل للدولة الإسلامية، وأحد أهم المؤثرين في فكر (حسن البنا)؛ ليصبح (رشيد رضا) مع الوقت الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين.
ما من شك أن الخلاف المذهبي والسياسي الرسمي بين إيران وحركات الإسلام السياسي في العالم العربي قد ألقى بظلاله على طبيعة العلاقة بينهما، سيما في وقت الأزمات السياسية والعسكرية، الحرب الإيرانية العراقية على سبيل المثال، بيد أن سعي الجانبين لتجاوز تعقيدات هذه العلاقة لم يمكن إنكاره أو التقليل منه، ولعل الاقتراب من قضايا الأمة الرئيسية، وفي مقدمتها مقاومة الغازي والمحتل، والتوافق على دعم قضية فلسطين حتى النهاية، في ظل تهاون الأنظمة الرسمية عن ذلك، قد يذلل مما قد يتوهم من وجود خلافات بين الجانبين، وهي خلافات ينفخ في أوارها كل من لا مصلحة له في خير الأمة وتقدمها بلا شك.