هل قراءتنا للتاريخ العربي عربية؟ بقلم : مأمون شحادة
هل أصبحت «قراءة التاريخ» لدينا (نحن العرب) بتعقيداتها وجدليتها، ترتكز على مفهوم رؤية وقراءة الآخر؟ أم إن عرّاب الثقافة الخجولة خجول، وضعيف أمام تفسيراته المكانية والزمانية؟
وهل يحتمل ذلك التاريخ اتجاها يشير إلى صراع الزمن مع الجغرافيا ؟ وفق هذه التساؤلات، هل ربح المفكر العربي معركته زمنياً وجغرافياً في تعريف تاريخه العربي؟
الجواب واضح وبسيط، وهو أننا خسرنا عامل الزمن، واستبدلناه بصراع ايديولوجي بعيد عن القراءات النقدية، ولم يتبق لنا منه إلا التمجيد والهيام، فلو أننا استطعنا تعريفه زمنياً وجغرافياً، لَما وصلنا إلى هذه الحالة، حيث لم يتبق لنا من عوامله إلا «تقسيمات» طائفية وحزبية وقبلية، أدت إلى إهدار العامل الزمني وتفنن في ضياع الرقعة الجغرافية.
إن المرآة التي لا يستطاع من خلالها رؤية الوجه الحقيقي لتفسير وقراءة التاريخ، إنما هي صورة مخيالية ثقافية تبين مدى الالتفاف والانزواء بين جدران قراءات الـ«آخر»، لتكون حكماً علينا، ونحن نعرف أن الحال العربية متخمة بكثير من الإشكاليات وصراع الأضداد، وتحتاج إلى قراءة واقعية وعقلانية ونقدية تاريخية، تتناسب مع وضعية المجتمع المنوي معالجته.
فإشكالياتنا لا يمكن معالجتها بنظريات لا تراعي وضعيتنا العربية، فأهل مكة أدرى بشعابها، وعلينا أن نعرف أن الغرب حينما كان يعالج مشكلاته الداخلية، كان في الوقت حينه يصدرها للبلاد المنوي استعمارها. أما نحن العرب فكنا دائما ومازلنا في موقف المدافع، ما بين الكراهية والإعجاب بالـ«آخر» .
فكلمة تاريخ يجب ألا نتناولها هكذا، إنما يجب استدراكها وتفسيرها وفق عوامل تراعي وضعية التاريخ المنوي تفسيره، وليس رمي التعريفات والاصطلاحات والتفسيرات جزافاً بما يتطابق مع تعريفات الآخر.
فقبل أن نقرأ التاريخ بعقلية فوكوياما، وهنتنغتون، وآكسيل هونّيث، وروسو، وآدم سميث، وجورغ، وهيغل وغيرهم، يجب أن نقرأه بعقولنا نحن، لأن التعريفات العلمية يمكن أن تأخذ من أي مكان. أما الثقافة فلا، لأنها من خصوصيات المجتمع، فالعِلم ليس له وطن. أما الثقافة فلها وطن وجذور، بشرط ألا تقوم تلك الثقافة بتوظيف عامل «اللغة» في بناء تاريخ فوق التاريخ، وفق تقمص ايديولوجي يصبغ القراءة بالطائفية والحزبية والقبلية.
فالتاريخ ليس كالتعريفات الرياضية، والطبية، والهندسية المستوردة، وليس من الفطنة تعريفه بالانسلاخ عن الواقع، بل نقده وجعله دعامة لنا من الخلف، فالمنظور الأميركي (مثلاً) المبني على تعريفات هنتنغتون وفوكوياما تجاه العالم العربي، أخطأ مساره التاريخي بإغفاله عامل التراكم الديمقراطي للحال الاميركية، وتوهم أن مفهوم الديمقراطية عصاً سحرية يمكن تطبيقها في أي مجتمع، بعيداً عن المنظور التاريخي الخاص بالمجتمعات.
صحيح أن مجتمعنا العربي، قد ورث البطركية الأبوية التي لازمت التاريخ العربي، ومازال متأثراً بها، لأنها من ضمن الثقافة المتعارف عليها آنذاك، فليس هذا مبرراً لاستخدام تعريفات لم يتعود عليها مجتمعنا لعلاج تلك الظاهرة، وما تعريفات روسو وادم سميث وغيرهما إلا مرآة استطاعت أن تعطي الوجه الحقيقي بما يتلاءم ومجتمعاتهم فقط، ولكن هل نمتلك نحن العرب مرآة نستطيع من خلالها أن نعطي الوجه الحقيقي بما يتلاءم ومجتمعاتنا؟
هنا يجب أن نتوقف في محطة معاصرة استطاعت أن تقرأ التاريخ بنظرة فاحصة ومعمقة لعلاج الإشكالية من الداخل، بدلاً من قياس حالنا بالـ«آخر»، لأن الحقيقة العربية لا تقاس إلا عربياً. فعلى سبيل المثال فإن د.محمد عابد الجابري أبدع في تشريح التاريخ العربي فكرياً، مبيناً أن إعادة بناء التاريخ يجب أن تكون بصورة فلسفية، وليس إعادة بناء الوعي بصورة تاريخية.
أما د.محمد جابر الأنصاري، فإنه هيكل التاريخ سوسيولوجياً مبيناً معالم التأزم السياسي عند العرب، مشترطاً أن درس الجغرافيا في الحالة العربية، يجب أن يسبق درس التاريخ، أو أن يصبح «فاتحة» كتابه، شريطة تجاوز رتابة المعلومة الجغرافية في الحالة العربية إلى فراداتها ومغزاها الخاص. أما الدكتور محمد غانم الرميحي فقد أبدع في الجمع بين تشريح التاريخ العربي فكرياً وهيكلته سوسيولوجياً، مبيناً تعريفاً واضحاً لفهم التاريخ العربي بطريقة معرفية وفق منهج جذري مبني على قاعدة الاجتماع السياسي، ومترافقاً بقراءة نقدية معاصرة للموروثات التاريخية التراتبية.
أمام هذه «الترويكا» الثلاثية، والتي تضع لنا مصدراً واضحاً لفهم معنى التاريخ العربي وكيفية قراءته بصورة معرفية، بنقد «الذات والواقع والتاريخ»، أليس الحري بنا أن نقتبس «منهم» قراءة لتاريخنا «نحن»، بدلاً من الاقتباس مقارنة بالـ«آخر»؟ في الوقت الذي يجب فيه ألا نتناسى إتقان اللغة التي نفهم فيها الـ«آخر».
اذا العرب عبوا الدنيا
من الأرض للمريخ
بدي قص اييييي…دي
اذا بنباع بالنهار
كتاب تاريخ
وأصلا الدنيارمضان
والشعب دوبو
بالسوس والبطيخ