صحيفة بلدنا : بعد ثلاثة أشهر على التجربة ( المناهج الجديدة ) انطلق القطار .. ولم تكتمل السكة !!
تأتي المناهج التي اعتمدتها وزارة التربية بدءاً من العام الدراسي الحالي كتجربة تعليمية جديدة لتطوير الواقع التعليمي ومواكبة آخر المستجدات والتقنيات التي طالت هذا القطاع المهم في ظل تقدم العلوم والمعارف وتكنولوجيا المعلومات في العالم ..
ولكن مع مرور حوالي نصف عام دراسي على هذه التجربة، تباينت آراء الأوساط التربوية والاجتماعية تجاهها، فهناك من أيدها انطلاقاً من أهمية تحديث المناهج ومسايرة تغيرات الحياة، وبعض آخر أبدى تحفظات حيال هذه الخطوة لما تركته من ضغوط وأعباء على المدرسين والطلاب لصعوبة وخصوصية المقررات الدراسية الجديدة التي اعتبروها مبهمة وصعبة في كثير من جوانبها وتتطلب كفاءات دراسية أعلى، فضلاً عن أن بعضهم اعتبر أن مستواها العلمي يفوق مستوى الطلاب وملكاتهم الفكرية ..
انتقادات في حلب… وطلاب يغردون خارج السرب ..!!
لم يكن المنهاج الجديد صاحب الحظ في المديح في محافظة حلب، فعلى الرغم من ضرورة وجوده، ولاسيما بعد الاعتراضات التي تحدثت عن قدم المنهاج القديم وعدم مواءمته طرق التدريس العالمية، ومواكبته أموراً تعليمية أكثر حداثة والمطالبة بتغييره، إلا أن المنهاج الجديد لم يرق للكثير من الفئات التي تعنى بالعملية التربوية وخصوصاً الأهل والأستاذ والطالب نفسه، فأحد الآباء تحدث عن وجود صعوبة بالغة في فهمه للمنهاج لمساعدة أولاده، على الرغم من أنه يحمل شهادة جامعية، وأم تحدثت عن مستوى التدريس المنخفض في المدارس وعزت السبب إلى أن المنهاج الجديد بحاجة إلى كادر تدريسي جديد ..
آراء كثيرة تقاربت في نقدها لصعوبة المنهاج وتباعدت في معرفة الأسباب التي تحدد جودة المناهج الجديدة وأفضليتها على المنهاج القديم، ومن الأهل والطلبة إلى الأساتذة الذين دخلوا كما غيرهم في ملاحظاتهم الكثيرة للمناهج الجديدة بعد مرور نصف عام دراسي، فالأستاذ محمد مقدود رأى أن المنهاج الجديد هو جيد وأفضل بكثير من القديم، ولكن إذا تجاوز عدة مشكلات أهمها توافر الوسائل المساعدة، يقول : «إن المناهج بحاجة إلى وسائل، وهي قامت على ذلك، فالمناهج وجدت، لكن الوسائل التي من المفترض أن تكون موجودة في المساعدة للعملية التعليمية غابت تماماً، كما أن أساس المناهج يقوم على تقسيم الطلاب إلى مجموعات وهو مالا يمكن فعله بسبب ضيق القاعة الصفية والعدد الزائد من الطلبة في الصف، وبمعنى آخر، يجب أن يكون في الصف 20 طالباً لتقسيمهم إلى مجموعات، لكن أغلب الصفوف الدراسية مليئة بـ50 طالباً، وهنا لا يستطيع الأستاذ تقسيم الطلاب إلى مجموعات، ويردف الأستاذ، أن المنهاج الجديد جيد؛ كونه تمكن من تحريك الطالب ودفعه إلى التفكير وهو ما افتقده المنهاج القديم، حين كان الأستاذ هو المحور والطالب هو المتلقي ..
لا يخفي الأستاذ أن المنهاج الجديد بافتقاده الوسائل وضعف الإمكانية، سوف يؤدي إلى شرخ بين الطلبة، وهو ما يحدث حالياً؛ فالطلاب المميزون هم بنسبة 30 % والطلاب الذين يغردون خارج السرب هم بنسبة 70 % ..
وبهذا يكون المنهاج الجديد أدى إلى نتائج جيدة مع نسبة معينة وتجاهل النسبة الكبرى، وبيّن الأستاذ مقدود أن دورة الإعداد التي استمرت لأيام كانت غير كافية للمعلمين، ومثل هذه الدورات من المفترض أن تستمر على سبيل المثال بين 3إلى 4 أشهر، فالمدرس لدينا عمل ذاتيا وهو لا يلام، كما أن حالة المنهاج الجديد ستعيد الدورات الخاصة بشكل مبطن …
المناهج الجديدة صعبة وتحتاج إلى قدرات تدريسية ودراسية عالية ..
وفي حماة، اختلفت وجهات النظر حول المنهاج الجديد، حيث رأى حسام (مدرس) أن المناهج الجديدة لم تضف إلى المناهج التي كانت سائدة سابقاً من حيث المضمون، بل اعتمدت وسائل وتقنيات تعليمية سعت إلى استثارة أفكار وخيال الطلاب وزيادة واستثمار قدراتهم الذهنية بشكل أفضل، مشيراً إلى التفاعل والتجاوب الكبيرين اللذين حققتهما معهم من خلال اعتيادهم على دراستها واستيعابها بشكل تدريجي ..
واعتبر ماهر (مدرس) أيضاً، أن المناهج الجديدة شكلت عبئاً على المدرسين قبل الطلاب، نظراً لما تضمنته من معلومات وأمثلة توضيحية ينبغي على المدرس إدراكها وامتلاك المهارات الكافية للقدرة على تدريسها وإيصالها إلى الطلاب على نحو أمثل، لاسيما وأن معظم مدرسينا اعتادوا أساليب تدريس تقليدية، كما أن الدورات التي خضعوا لها بداية العام الدراسي غير كافية، داعياً إلى تعميق التأهيل التربوي والتركيز على الجوانب العلمية والتطبيقية وعدم الاكتفاء بالجوانب النظرية ..
أما غيداء، فقد وجدت صعوبة في تدريس ابنها، حيث قالت «أصبحت أعاني من تعليم ابني الذي يدرس حالياً في الصف الخامس وفي كثير من الأحيان لا أجد في نفسي القدرة على تعليمه أو الشرح له، رغم أنني أحمل الشهادة الثانوية نظراً للتعقيدات البالغة التي تكتنف بعض الدروس، لاسيما في تمارين مادتي الرياضيات والفيزياء» ..
ورأى أحمد أن هناك كثافة في أعداد المقررات الدراسية المفروضة على الطالب، بدءاً من الحلقة الأولى للتعليم الأساسي، الأمر الذي يشتت تفكيره، منوهاً إلى أنه كان من الأجدر تهيئة الطالب بشكل كاف قبل إقحامه بمواد متنوعة كالمعتمدة في الصف الأول ومنها اللغات والعلوم والرياضيات والموسيقا.
أخيراً، لاشك في أن وزارة التربية تسعى من خلال تعديلها الأخير للمناهج الدراسية المقررة على مختلف الصفوف إلى إرساء منظومة تعليمية أكثر تطوراً من شأنها تخريج أجيال على قدر كبير من الوعي والمعرفة وقادرة على متابعة التحصيل العلمي في الجامعات، ولكن ذلك لايمنع من وجود بعض الثغرات التي من الممكن تجاوزها خلال السنوات القادمة.
في دير الزور .. المناهج تصطدم بإمكانات المدرسة والمعلم والطالب..!!
بعد نحو نصف عام دراسي، وبعد التجربة على أرض الواقع، يتفق الكثير من المعلمين والمدرسين في دير الزور على أن المنهاج الجديد لايتوافق أبداً مع إمكانات وقدرات مدارسنا وطلابنا، خاصة في ريف المحافظة، وتتفاقم الأوضاع أكثر في مدارس البادية التي تعاني من صعوبات تعليمية كبيرة مع المنهاج القديم، فكيف هو الحال مع المنهاج الحديث الذي يتطلب وسائل تعليمية مساعدة، وقدرات ممتازة للتلميذ والمعلم..؟ بينما الواقع على الأرض يعاكس الصورة تماماً ..
يوسف دغيشم (مدير إحدى المدارس)، يقول إنه رغم الجهود المبذولة، فإن هناك حالة من الضياع إن صح التعبير، سواء للمعلم أن التلميذ أم الأهل، مضيفاً أن الحال بالنسبة إلى المراحل المتقدمة يبقى أفضل حالاً من الصف الأول، لأن التغيير جذري، وهناك سلبية واضحة أيضا تتعلق بالمصطلحات الصعبة والغريبة التي تزيد من صعوبة المنهاج على الطالب والمعلم والأهل ..
سامر صبحي (مدرس) بدوره أشار إلى أن المعلم والمدرس نفسه لم يقتنع ويفهم المنهاج حتى الآن، فكيف يمكن إيصاله إلى الطالب، وهناك أيضاً بعض الملاحظات العامة على المنهاج بشكل عام، منها الأخطاء المطبعية، وترتيب الدروس، والإطالة، والحشو الزائد، فالدرس يحتاج إلى ساعة ونصف الساعة فعلياً، بينما الحصة المدرسية 45 دقيقة فقط، علاوة على فقدان المواد الأولية المساعدة في كثير من المدارس، إن لم يكن أغلبها ..
المدرس المساعد (هاني الحافز)، قال إن الأسئلة والمنهاج أصعب من المستوى العمري، ودليل ذلك أن الآباء والأمهات أنفسهم يعجزون عن حل الكثير من الإجابات، فكيف هو الحال بالنسبة إلى الطالب والأهل. المعلمة «سحر» وهي تدرس في إحدى مدارس ريف دير الزور القريبة من المدينة، اشتركت مع زملائها في كافة الطروحات، خاصة ماتعلق منها بالصعوبة أو الإطالة، وتضيف؛ أن الطالب يتعلم الصورة أكثر من الكلمة، لذلك سوف تقل المقدرات اللغوية عنده مع قلة قراءته أو كتابته، ويحصل هذا في المراحل الأولى من التعليم التي يكون فيها الطالب بحاجة إلى استخدام القلم بيده، وتعلم القراءة والكتابة.
التذمر صفة سيطرت على آراء أغلب الأهالي الذين وقفوا عاجزين أمام تدريس أولادهم، ومنهم من لجأ إلى تخصيص المزيد من الوقت مع أولادهم لرفع مستوى استيعابهم للمنهاج الحديث، وأشاروا إلى أن الوصول إلى مرحلة الفهم التام مستحيلة، وطموحهم هي نسبة الـ 60 أو الـ 70 في المئة في حدها الأقصى، إذا كان مستوى الطالب وقدراته ممتازة، أما إذا كان من أصحاب القدرات المتوسطة أو العادية، فإن المشكلة تزداد وتتفاقم، وفي هذا الإطار يحاول بعض الآباء الحصول على دليل المعلم من أجل تجاوز حالة عدم الفهم التي تصادفهم في كل يوم عند تدريس أولادهم ..
طرطوس تسأل : كيف نلبس العقد وكل حلقاته فرطت؟؟
قطار وضع في الخدمة دون سكة، وكأن وجود القطار هو المهم وليس أن يقوم بالخدمة على أكمل وجه، هكذا يمكن توصيف حالة المناهج الجديدة في طرطوس، فالقطار لم يسر والسكة تحتاج إلى إصلاح ..
يبدو أن الأساتذة بقوا الحلقة الأضعف في السلسلة والمسؤول الأول عن عدم ظهور نتائج جيدة للمناهج، حيث تبين أن المدرس لم يستطع أن يلحق بالأسلوب التعليمي الجديد، وقد اتصف بعضهم، حسب قول الأهالي في طرطوس باللامبالاة أو عدم الكفاءة، حتى إن أحد الموجهين الاختصاصيين يستغرب – على حد قوله- أن تكون تلك الآنسة بالفعل خريجة جامعية في فرع التربية أو غيره، حيث يصطدم بمستوى إعطائها المحرج أو المتدني أحياناً، وإن كان الأمر بالعكس لدى بعض المدرسات والمدرسين، ولكن يتساءل: ما ذنب الطلاب الذين يتتلمذون لدى تلك المدرّسة أو المدرّس ؟!
لافتاً إلى أن ما قدم للموجه أثناء التدريب المركزي تقلص عندما قدمه الموجه إلى المدرس، وبدوره المدرس قلّص ما أخذه عند تقديمه إلى الطلاب ، وبالتالي ما يطبق اليوم هو بتر للوضع الحقيقي غير المكتمل المعالم ..
إذاً عجز الكثيرون عن التعامل مع هذه المناهج ، حيث بقيت الطريقة كالسنوات السابقة مع مناهج جديدة وربما بوجود إرباك لم يكن سابقاً، ويظهر الأمر كما وصفه طلاب الصف العاشر، حيث بقيت الطرق القديمة مستخدمة مع المناهج الجديدة، وعند سؤال الأساتذة عن السبب يؤكدون أن فترة التدريب كانت متواضعة وقليلة جداً بالنسبة إلى المطلوب، وإن لم يكن المدرس متفرغاً نفسياً وجسدياً وإن لم يتعب بنفسه على نفسه، لن تتحقق الأهداف المنشودة من المناهج الجديدة ..
ولكن إن كان هناك ضعف لدى معظم المدرسين، فهناك غياب تام للأدوات المفترض وجودها مع الأسلوب التدريسي الحديث، فلا أجهزة إسقاط أو كمبيوترات ولا غيره، في المقابل أمام كل ذلك يقف الازدحام الذي بات غير مقبول في الصفوف كحائط سد للمدرس وطريقة التدريس المفترضة ..
من ناحية أخرى، لا تزال المدارس عاجزة عن سد الحاجة، فإن كان الازدحام هماً، فالدوام النصفي همّ أكبر. وكما يؤكد عدد من مدرسي طرطوس، فإن تقسيم الصف إلى زمر وطريقة الشرح المطلوبة لا يكفيها الزمن المخصص لذلك، ما يؤدي إلى السرعة في الإعطاء من ناحية وعدم إنهاء المنهاج من ناحية أخرى، حيث أكد عدد من طالبات الصف العاشر أن بعض المدرسين يؤكدون لهن أن بعض مواد المنهاج لن تنتهي، كمادة التاريخ التي أصبحت أضخم بينما الوقت المخصص لها لا يزال نفسه وبنفس الأسلوب المقدم من قبل المدرسين ..
بناءعلى هذه المعطيات كيف تريد وزارة التربية أن نلبس العقد وكل حلقاته فرطت؟؟ الحصص الخصوصية لم تتوقف، بل زادت نتيجة هذه المناهج. هذا ما أكده عدد من الأمهات في طرطوس بسبب عدم القدرة على الفهم من قبل الطلاب وبسبب تراجع أداء المدرس وقلة الوقت أمام ضخامة المطلوب، وتراجع العلامات دليل واضح .. وتمنين لو أنه كان من الممكن فسح المجال لتدريب الأساتذة أولاً، وتحضير الأهل ثانياً ..
