ترشيحات الأوسكار 2011
مع اقتراب احتفال السينما الأهم والأقدم في العالم الذي تكرّر فيه هوليوود إعلان سطوتها المطلقة على هذه الصناعة في الدورة رقم 83 من جوائز الأوسكار الشهيرة،
وصدور قائمة الترشيحات النهائية لمختلف الفئات التي تتنافس ضمنها إنتاجات العام الفائت، يمكن تلمّس معالم مزاج سينمائي مغاير هذه المرة يُقرَأ على مستويين أساسيين:
الأول: عدم وجود نَفَس سياسي صارخ وتوجّه أيديولوجي واضح كما جرت العادة، وجوائز العام المنصرم خير شاهد على تغليب التوجّه السياسي على الفني عندما مُنِح فيلم متواضع مثل «خزانة الألم» لكاثرين بيغلو الجوائز الرئيسية على حساب تحفة سينمائية هي «أفاتار» جيمس كاميرون، فقط لأنّه يتماشى مع سياسة «التبييض» و«الغسيل السياسي» التي رافقت مجيء أوباما إلى الحكم. هي إحدى السنوات القليلة التي تبتعد فيها اللوبيات والتيارات المتحكّمة بالأوسكار عن تمرير رسائل سياسية أو أيديولوجية معينة لمئات ملايين المهتمين والمتابعين في حوالي 200 دولة تنقل وقائع الأمسية الكبيرة على الهواء مباشرةً.
الثاني: هو غلبة السطحية الفكرية على معظم هذه الأفلام. في العام الفائت، ابتعدت هوليوود عن دور السينما الطبيعي في التصدّي لمشاكل العالم وأزماته الكبرى. الأفلام التي تنطّحت لمهام من هذا النوع معدودة على الأصابع، ومن المستغرب أنّها غير حاضرة يوم 27 شباط/ فبراير الجاري. هكذا، لا يوجد ذكر لـ «وال ستريت» أوليفر ستون الذي شمت بسخرية من فشل الرأسمالية وأزمتها الاقتصادية العالمية، أو حتى لـ «جزيرة شاتر» مارتن سكورسيزي الذي حاول سد فجوة كبيرة في الأفلام النفسية الجادة والعميقة.
إذاً، هي ترشيحات الفن من أجل الفن بالمجمل. وهذا ليس سيئاً بالنظر للمستوى الفني اللافت الذي تحمله الأفلام العشرة المرشحة، وهو العدد الذي يتكرر للعام الثاني على التوالي بعد الدورة السابقة ودورة عام 1943، عندما فاز شريط «كازابلانكا» لمايكل كورتيز بعد منافسة مع 9 أفلام أخرى. سبب الزيادة عائد بالأصل إلى تراجع الإقبال الجماهيري على متابعة الحفل، والذي وصل إلى أدنى مستوياته عام 2008. عدد أعضاء «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة»، التي تُعرَف جوائزها عالمياً باسم الأوسكار، ثبت بدوره تحت حاجز الـ 6000 عضو منذ عام 2007، ولم يرتفع الرقم بسبب إضراب الكتّاب الشهير عام 2008. 5835 عضواً من مختلف التخصصات والمهن السينمائية، منهم 1311 من مجال التمثيل المسيطر على الحصة الأكبر، سيحددون هوية الفائزين ضمن الفئات الـ 24 التي تتوزّع عليها أشهر جوائز سينمائية في العالم.
كيف تتم عملية الترشيح؟
على الفيلم أن يلبّي شروط الترشيح الثلاثة لتتم مشاهدته من قبل أعضاء الأكاديمية:
1 – أن يكون الفيلم قد عُرض في صالات ولاية كاليفورنيا خلال السنة السابقة.
2 – ألا تقل مدته عن 40 دقيقة ليتنافس مع الأفلام الطويلة، وإلا صنّف مع الأفلام القصيرة.
3 – أن يكون مصوراً على فيلم 35 ملم أو 70 ملم.
يشاهد أعضاء الأكاديمية الأفلام في صالات السينما مع الجمهور العادي، لأن إيرادات الفيلم وصموده في شباك التذاكر أو الـ Box Office وانطباعات المتفرجين في الصالة تدخل أيضاً في عملية التقييم، ولو بشكل محدود. بعدها تمرّ الأفلام بعشرات من عمليات الغربلة والتصفية واختصار القوائم، إلى أن تصدر الترشيحات النهائية الموزّعة على 24 فئة مختلفة.
يقدم حفل هذا العام الأمريكيان الشابان جيمس فرانكو (مرشّح أيضاً عن فئة أفضل ممثل دور أول) وآنا هاثواي. وسيقام، كالعادة، في مسرح كوداك الشهير وسط هوليوود.
أفضل فيلم
يأتي في مقدّمة الأفلام المرشحة هذا العام فيلم «خطاب الملك» للبريطاني توم هوبر، وهو ثالث أفلامه الروائية الطويلة بعد فيلم قصير في البدايات وعدد من التجارب التلفزيونية، الذي تصدّر القائمة بـ 12 ترشيحاً. تلاه «عزم حقيقي» للأخوين كوين بـ 10 ترشيحات، ثم 8 ترشيحات لكل من «الشبكة الاجتماعية» لدافيد فينشر و«زرع الأفكار» أو «الإحلال» لكريستوفر نولان.
يتناول «خطاب الملك» (لم تتجاوز ميزانيته 10 مليون دولار) فترة تولي الملك جورج السادس (كولن فيرث)، والد الملكة إليزابيث، مقاليد الحكم في بريطانيا على أبواب الحرب العالمية الثانية، من جانب شخصي هو مشكلة التلعثم والتأتأة التي يعاني منها مع موضة الخطابات الإذاعية المباشرة من الملك لشعبه. يلجأ دوق يورك (قبل أن يصبح ملكاً) إلى معالج أسترالي غريب الأساليب يُدعى ليونيل لوغ (جيفري راش)، لتنمو علاقة خاصة بينهما ضمن تطوّرات متلاحقة على الصعيد العام. المستوى الفني للفيلم لافت فعلاً. الأداء استثنائي لكلا البطلين. ضبط الإيقاع والصورة والألوان مدروس بعناية. ما يؤخَذ على الفيلم أنّه أبسط من اللازم فكرياً. بمعنى أنّ المشاهد يتوّقع رؤية كواليس العائلة الملكية وفترة حكم الملك الجديد بشكل أعمق مما ظهر.
«عزم حقيقي» للأخوين كوين جاء مخيباً للآمال بشكل مفاجئ. الاقتباس الثاني لرواية تشارلز بورتيس الصادرة عام 1968 بنفس العنوان، بعد نسخة عام 1969 التي قام ببطولتها جون واين، لم يأتِ بالجديد رغم محاولة الأخوين إسقاط القصة على واقع أمريكا كأمة قامت على العنصرية ولغة العصابات وغياب العدالة الاجتماعية والقانونية على حد سواء. أداء جيف بريدجز وشخصيته هنا لا تختلف كثيراً عن مغني الكاونتري المدمن على الكحول الذي قدمه العام الفائت في «قلب مجنون»، والذي نال عنه أوسكار أفضل ممثل. مات ديمون ظهر باهتاً متوقعاً على غير العادة، وكذلك جوش برولين في صورة نمطية كاريكاتيرية عن المجرم الذي لا يرحم. الوحيدة التي قدّمت أداءً لافتاً هي الصغيرة هايلي ستاينفيلد التي تبلغ من العمر 15 عاماً في دور الطفلة ماتي روز الساعية للانتقام لمقتل أبيها. صحيح أنّ روح الأخوين كوين المعتادة حاضرة في الشريط (ضبط محكم للإيقاع وأداء الممثلين، اهتمام دقيق بالتفاصيل..)، إلا أنّ الطرح الكلاسيكي للفيلم لم يؤهله للإتيان بالقيمة المضافة التي يتأمّلها الجميع في أفلام صاحبَي «لا وطن للعجائز» و«رجل جدي».
في «الشبكة الاجتماعية»، ينتقل دافيد فينشر من نوادي القتال في «نادي القتال» 1999 إلى نوادي الجامعات الحصرية، حيث الأعضاء المنتقين بعناية والفتيات المثيرات. مع فشله الاجتماعي والعاطفي ورفضه من قبل النوادي والفتيات، يسخّر مارك زوكربيرغ، الطالب في جامعة هارفارد، عبقريته في البرمجة والإنترنت لصبّ جام غضبه على المحيطين به. هنا تولد فكرة موقع تواصل اجتماعي نعرفه اليوم باسم «فايس بوك». يوظّف زوكربيرغ جهود أصدقائه وشركائه في البداية لخدمة أهدافه فقط. هوس فريد من نوعه ومثابرة لا تهدأ للإثبات للآخرين أنّهم ارتكبوا جريمة حياتهم عندما أساؤوا لهذا الشاب الذي تحوّل إلى أصغر ملياردير في العالم. هل استغلّ مارك زوكربيرغ جهود الآخرين وسرق أفكارهم لخدمته؟ هل غدر بالجميع ليبقى وحده في الواجهة؟ كلها أسئلة دفعت بالشاب الحقيقي إلى رفض الفيلم والتحريض ضده وعدم إبداء الرغبة، أمام الإعلام على الأقل، بمشاهدته أصلاً. الممثل الشاب جيسي آيزنبيرغ قدّم أداءً استثنائياً لشخصية زوكربيرغ، والمفارقة الغريبة أنّ هناك شبهاً بينه وبين مارك الحقيقي في الشكل والاسم.
في «زرع الأفكار»، يواصل الإنكليزي كريستوفر نولان لعبته المفضلة في إبهار الجميع بعد 10 سنوات كاملة استغرقها في كتابة النص. سرد معقّد يتحدّى ذكاء المتفرّج وقدرته على تركيب «البازل» السينمائي المشغول بتفاصيل بصرية دقيقة. موسيقى هانز زيمر المميزة التي تضفي زخماً خاصاً على مناخ الفيلم. مراعاة المعادل النفسي الملائم لمسير الشخصيات، مع أسلوب لغزي محكم يجيده نولان دائماً. البطولة هنا للنص والإخراج، فلا مجال لكثير من الأدوات التمثيلية المختلفة.
بقية الأفلام المرشحة جاءت كما يلي: «البجعة السوداء» لدارين أرونوفسكي، وهو فيلم جيد فنياً ولكنّه ضاع وسط الكثير من الاستعراض والفذلكة الزائدة. «الملاكم» لدافيد أو. راسل، وهو سيرة ذاتية رفيعة المستوى عن الملاكم ميكي وارد وأخيه ديكي إيكلند. كريستيان بيل (ديكي) في أفضل حالاته بأداء لافت مع الممثلة ميليسا ليو بدور الأم/ مديرة الأعمال.
قصة حقيقية أخرى نراها في «127 ساعة». جديد الإنكليزي داني بويل، الذي عرفناه سابقاً في «المليونير المتشرد»، عن متسلق الجبال آرون رالستون الذي بقي عالقاً في المرتفعات لخمسة أيام متواصلة.
مفاجأة الترشيحات السعيدة تمّثلت في الفيلم العائلي المميز «الأطفال بخير» لليسا كولودينكو. قصة اجتماعية بسيطة وعميقة في آن. أداء مؤثر للجميع، وخصوصاً آنيت بينينغ ومارك روفالو.
يُعدّ الجزء الثالث من السلسلة الشهيرة «قصة لعبة» ثالث فيلم أنيميشن في التاريخ يترشح لأوسكار أفضل فيلم بعد الموسيقي «الحسناء والوحش» 1991 و«أعلى» 2009. ويبقى الترشيح الأخير للفيلم الدرامي «صلب الشتاء» لديبرا غرانيك.
والعرب حاضرون أيضاً
شهد حفل 2006 أول وصول للعرب إلى منافسات أوسكار أفضل فيلم أجنبي بالفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» لهاني أبو أسعد. تلاه «بلديّون» رشيد بو شارب الذي مثّل الجزائر في دورة 2007. هذا العام يعود بو شارب إلى المنافسة بفيلمه الجديد «الخارجون عن القانون» الذي حصد أهم جوائز الدورة الأخيرة من مهرجان دمشق السينمائي.
يستكمل بو شارب في هذا الفيلم قراءته لمظالم التاريخ الفرنسي – المغاربي بعد «بلديّون». في «بلديّون» انتصر بو شارب لقضية المجنّدين المغاربة في الجيوش الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، الذين أصبحوا يتقاضون رواتب تقاعدية أقل من رفاق السلاح الفرنسيين، ما دفع بالرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك إلى إصدار مرسوم رئاسي لإنهاء ذلك الإجحاف.
في «الخارجون عن القانون» يبدأ بو شارب من مجازر سطيف الشهيرة التي أودت بـ 45 ألف مدني جزائري في أيار 1945 على يد القوات الفرنسية، للدخول في حياة ثلاثة أشقاء جزائريين تفرّقهم الحرب ليلتقوا في باريس لاحقاً. ينتقد الفيلم أيضاً النهج المتشدد لجبهة التحرير الجزائرية في تعاملها مع الأحزاب الأخرى، وعمليات التصفية الواسعة التي قامت بها، كما يذكر بطولات الشعب وتضحياته وصولاً إلى التحرير بعيداً عن الخطابية والمباشرة. فنياً، الفيلم منفذ بحرفية كبيرة ومهنية عالية. الكاميرا سلسة والحوار بسيط ومعبّر في آن. أداء الممثلين أكثر من جيد.
أربعة أفلام تنافس ممثل العرب الوحيد: «بيوتيفول» (المكسيك) الذي يبدو الأوفر حظاً نظراً لمستواه الرفيع حقيقةً، «أسنان الكلب» (اليونان)، «في عالم أفضل» (الدانمارك) و«حوادث عارضة» (كندا).
أفضل ممثل دور أول
خافيير بارديم عن «بيوتيفل» لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو: ثالث ترشيح لبارديم الحائز على أوسكار أفضل ممثل مساعد عن «لا وطن للعجائز» منذ عامين.
جيف بريدجز عن «عزم حقيقي»: سادس ترشيح لبريدجز الفائز بأوسكار العام الماضي عن «قلب مجنون».
كولن فيرث عن «خطاب الملك»: للعام الثاني على التوالي بعد «رجل وحيد».
جيسي أيزينبيرغ عن «الشبكة الاجتماعية» وجيمس فرانكو عن «127 ساعة»: أول ترشيح.
أفضل ممثلة دور أول
آنيت بينينغ عن «الأطفال بخير»: الترشيح الرابع في مسيرتها المهنية.
نيكول كيدمان عن «جحر الأرنب»: الترشيح الثالث للحائزة على أوسكار أفضل ممثلة عن «الساعات» عام 2003.
جنيفر لورانس عن «صلب الشتاء»: الترشيح الأول.
ميشيل ويليامز عن «عيد حب أزرق»: الترشيح الثاني بعد «جبل بروكباك».
ناتالي بورتمان عن «البجعة السوداء».
أفضل ممثل دور مساعد
كريستيان بيل عن «الملاكم»: الترشيح الأول بعد العديد من الأدوار المميزة.
جيفري راش: رابع ترشيح للممثل الأسترالي الحائز على أوسكار أفضل ممثل عن «تألق» عام 1996.
جيريمي راينر عن «البلدة»: للعام الثاني على التوالي بعد «خزانة الألم».
مارك روفالو عن «الأطفال بخير» وجون هاوكس عن «صلب الشتاء»: أول ترشيح.
أفضل ممثلة دور مساعد
إيمي آدامز عن «الملاكم»: الترشيح الثالث للممثلة الإيطالية.
هيلينا بونهام كارتر عن «خطاب الملك»: ثاني ترشيح منذ عام 1997.
ميليسا ليو عن «الملاكم»: الترشيح الثاني بعد «نهر متجمد» عام 2008.
هايلي ستاينفيلد عن «عزم حقيقي» وجاكي ويفر عن «مملكة الحيوان»: أول ترشيح.