التجربة التركية .. بقلم مؤمن بسيسو
تجربة حزب ( العدالة والتنمية ) الحاكم في تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان رائعة ومفيدة للغاية، وأحرى أن تشكل حالة إلهام واقتداء على مستوى الوطن الفلسطيني، والوطن العربي قاطبة ..
حزب "العدالة والتنمية" ليس كما يتصور البعض حزبا إسلاميا، أو ذو مرجعية دينية، فالحزب يسير بعيدا عن الاعتبار الأيديولوجي في إطار العضوية وتحشيد الأنصار، ويحوي ضمن صفوفه إسلاميين واشتراكيين وعلمانيين ومستقلين، جمعتهم إرادة العمل المشترك لخدمة الشعب التركي، وإعلاء القيم والمثل العليا في أروقة المجتمع ومؤسسات الدولة التركية.
تأسس "العدالة والتنمية" على وعي وبصيرة، وشق طريقه في فضاء السياسة التركية بناء على رؤية منهجية ثاقبة لتطلعات واحتياجات المجتمع التركي، ليتمكن في غضون فترة وجيزة من الاستحواذ على الحياة السياسية في تركيا، ودخول كل بيت فيها، وأسر لبّ شرائح المجتمع التركي على اختلاف تلاوينها الفكرية وأصولها المذهبية ومشاربها الأيديولوجية.
أول ما يلفت النظر في التجربة التركية أنها تعمل في ضوء البرامج العملية التفصيلية بعيدا عن الشعارات والعنتريات والتنطّع الكلامي الذي أدمنته ساحاتنا العربية.
ركز "العدالة والتنمية" كثيرا على التعليم، واهتم تماما بتوفير الحقوق الصحية والاقتصادية للشعب التركي، وحوّل تركيا إلى واحة غنّاء تشهد بحال الحريات العامة وحقوق الإنسان فيها، وأحدث ثورة تنموية قفزت بالمؤشر الاقتصادي التركي من المرتبة الـ (27) إلى المرتبة الـ (17) عالميا، ووضع الاهتمام بالمرأة في صدارة أجندته السياسية والاجتماعية، واعتنى بالشباب كل العناية، حتى بدا وكأن معظم كوادر الحزب من الشباب.
يتبنى الحزب منظومة قيمية تشكل خليطا بين الثقافة التركية والثقافة الغربية في إطار الالتزام بالقيم الإنسانية العليا، فالديمقراطية كآلية وأداة بكل تجلياتها، وقيم العدالة، والمساواة، ونصرة الفقراء والمظلومين، تمثل القاعدة الصلبة والأرضية الخصبة التي ينطلق منها "العدالة والتنمية" لإصلاح وتطوير الواقع التركي، وتلبية رغبات واحتياجات المجتمع التركي.
والسؤال الذي يفرض ذاته موضوعيا في سياق استعراضنا للتجربة التركية هو: هل يمكن لنا، كفلسطينيين وعرب، الاستفادة من هذه التجربة، واستنشاق رحيق خبرتها الفواحة التي وضعت تركيا على الخارطة الإقليمية والدولية كدولة رائدة وذات احترام وتقدير على المستوى العالمي؟
الإجابة قطعية الإيجاب نظريا، قطعية السلب عمليا، فنحن نبدع في صياغة الألفاظ التي تقرّبنا إلى شعوبنا على مستوى الكلمة والشعار، فيما يخفي واقعنا أجندة أخرى وحسابات مغايرة.
نحن أحوج ما نكون، كفلسطينيين وعرب، للتأسي بمضامين التجربة التركية الرائدة، رغم الفروقات والتباينات الموضوعية بين دولة وأخرى، وشعب وآخر، فهناك مشتركات لا تسقط، وقيم عليا لا تتغير على الإطلاق.