مجموعة (لا وقت إلا للحياة) رحلة في البحث في حقائق الوجود
تأخذنا مجموعة “لا وقت إلا للحياة” للشاعر نزار بريك هنيدي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في رحلة ضمن عوالم أقرب
إلى الرؤى الباحثة بين عالمي الحقيقة والخيال ويرسم الشاعر مسار الرحلة في خضم موج الحياة كرسالة مودعة داخل قارورة تتقاذفها الأمواج.
يقول هنيدي: ونشيدنا ما زال مطويا ببطن زجاجة.. تلهو بها الأمواج.. من تيه لتيه.. ثم يستسلم الشاعر للقدر الغبي في خطاه المنفلتة فيقول.. لا تنتظرني عند منعطف الطريق.. فلم أكن يوما أسيرا.. للطريق.. قدماي زوبعتان لا أفق يضمهما.. ولا ليل يضيق عليهما ويداي لا تتلمسان من المعالم.. غير ما نثرته أجنحة البريق.
ولا يلبث هنيدي أن يعلن السخط من الواقع المأزوم.. مهدي على جمر.. ومن جمر بنيت سفيني وشرعت في الرحيل.. موج البحر جمر… والمدى جمر.
ويغذ الشاعر السير في الرحلة حتى يصل إلى افق من الفجوات فيعود إلى النشأة الأولى مخاطبا الطفولة التي ما بارحته.. يا أيها الطفل الذي ما زال يقبع داخلي.. مستنفرا روحي التي جعلت كياني مهجعك.. لا تنتظرني عند منعطف الطريق.. فإنني أخشى التردد إن وقفت لأسمعك.
وينساق الشاعر لعرض الانكسارات التي صب عصارتها على الورق محاولا أن يفتح ثغرة في نهاية الطريق المسدود في أفق الحياة فتدخله هذه الحالة فيما يشبه القلق الوجودي الواضح من خلاله قوله.. يا أيها الطفل الذي ما زال يقبع داخلي.. ليشير لي إلى درب النجاة.. لا وقت إلا للحياة.
وتتنوع أصوات الشاعر في هذه المجموعة الشعرية فنراه يحاكي أبا العلاء المعري في قصيدة تأملية بعنوان "إمام العقل" يبدؤها بوجدانيات البحث عن الذات لفهم بعض الحقائق التي تناولها المعري في محاكاة سؤال العارف أو المتأمل لحقيقة طالما عالجها الشعر الفلسفي.. أنت يا شيخنا من رأى كل شيء.. أنت من قلت لي لا تصدق سوى العقل.
لكن هنيدي يمضي لاستنباط كنه معاني المعري فيغوص أكثر.. قلت لي لا تقدس قديما ولا تنتهج نهج من حملوا صحف الأولين.. فمن أين للميت أن يتحكم في أي حي.
ويقيم الشاعر هنيدي جسرا في محاولة لربط الحاضر بالماضي لكي يبوح بما لا يباح فيأتي الإسقاط لديه مستعاداً من لحظات الانعتاق إلى الحرية عبر الشكوى وعلى الرغم من أنه لم يجيء شاكيا كما يقول في إحدى قصائده انه بعد أن صار بين يديه تفجر ما كان يحبسه في داخله هذا النفي للتهمة يكشف حقيقة شعور الشاعر بها وهو يصر على المقاومة بالشعر والفكر لجيش الظلام في سبيل أن تسود راية العقل.
ويعنون الشاعر أحد فصول مجموعته الشعرية بـ "معارضات" يحاكي فيها شعراء العرب في الماضي كي يولد صورة جديدة أو ليغرف من واقع معاش فهاهو يقول لامرئ القيس معارضا "بكى صاحبي".. أما أنا فما لحقت قيصرا.. ولم أكن أحاول الملك.. وما أردت عذرا بعد موت.. كل الذي حاولته.. أن أحفظ الجوهر في تخييل صورة.. وفي إيقاع صوت.
ويقول لطرفة بن العبد محاكما فيه الوجودية والتجاهل أو التغابي.. ستبدي لك الأيام ما كنت تعرف.. وتلقي بك الأقدار.. فيما ستأنف.. فعش مثلما تهوى ولا تنتظر غدا.. فليس سوى الأوهام في الغد تعرف.
ويستنكر الواقع معارضا سوداوية الأعشى بواقع أشد مرارة.. ودع فإنك في العينين مرتحل.. ولا تطق رجوعا أيها الرجل.. فإن غرقت فقد نلت المنى غرقا.. وإن رجعت فقد ضلت بك السبل.
ولعل هنيدي أراد محاكاة ابن سينا في حقيقة الإنسان وتداول الدهر الذي يتأفف منه فيقول.. هيطت على سطح الورق.. ورقاء أرهقها الأفق.. فسألتها عن رحلة الإنسان.. أغضت ثم قالت في نزق.. طين تقلبه يد الأيام كي يشوى على لهب القلق.. ويعود مجلوا إلى الأصل الذي منه انبثق.
مجموعة "لا وقت إلا للحياة" صادرة عن سلسلة الشعر في منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق وجاءت في 120 صفحة متضمنة معاني جديرة أن تعاش لأنها رحلة في البحث عن حقائق الوجود.