باسل قس نصر الله يكتب لزهرة سورية الأولاد…يريدون…إرجاع الطابة
نُمير، ابن اخي، ولدٌ صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره، سريع البديهة، وهو الآن طالب في الصف الخامس.
عند بداية ما درج على تسميته بالربيع العربي، نقلت لنا الأقنية الفضائية مشاهد من المظاهرات والاحتجاجات في عدة عواصم عربية، وكانت أشهر الشعارات التي يتم ترديدها هي:"الشعب يريد تغيير النظام"
حتى اصبحت الجملة على كفاية من الشهرة، الى درجة استخدامها في كعناوين مسرحية او دعايات او غيرها.
أعود الى ابن اخي نمير، عندما كان في الصف الرابع، حيث انتهت في أحد الأيام، الحصة الدراسية في مدرسته الامل بحلب، فخرج هو ورفاقه الى الباحة ليلعب بالطابة، وككل الأطفال، كانت الطابة تنسيهم كل ما يحيط بهم، حتى قُرِع الجرس، وبدأ الاولاد يصطفون في ارتال ليدخلوا الى الصفوف، وكان ابن اخي الصغير من المتأخرين، يسير متثاقلاً، وهندامه (ملخبط)، حاملاً الطابة التي يزيد حجمها على حجم رأسه.
أنبته المعلمة وصادرت الطابة منه ودعته للالتحاق بأولاد صفه، فمضى متثاقلاً حزيناً
أنا واثق تماماً أن نمير، الذي كانت ترتسم على وجهه مسحة من الحزن، لم ينتبه خلال الدرس الى ما تعطيه المعلمة، وكان جلّ اهتمامه في الطابة التي صادرتها منه.
فتح دفتره وخط بقلمه بضع كلمات، وارتمست حينها على وجهه مسحة الفرح المشوبة بالدهاء، انتهت الحصتان الدراسيتان، وبدأ الاولاد يخرجون الى الباحة مجدداً، وكان نمير يجمع رفاقه ويتفق معهم، ثم اتجه الجميع الى ادارة المدرسة، ضمن مسيرة طلابية لم يتجاوز عددها اربعة طلاب وهم يصرخون ببراءة في نفس الوقت الذي رفع نمير دفتره الذي كتب عليه
"الاولاد يريدون الطابة"
وتم تكرير الصيحات عدة مرات، فما كان من الادارة الا ان اعطتهم الطابة ليسكتوا، وحتى لا تُفهم صيحاتهم بشكل خاطىء.
لا شك أن مشاهد المظاهرات والاحتجاجات التي نقلتها الأقنية الفضائية، كان لها تأثير كبير على الجميع، وهي كانت من القوة، ان اطفالاً أصبحوا يقلدونها لأجل تحقيق مطالب لهم.
وفي المقابل تسأل فيروز جدها (نصري شمس الدين) في إحدى مسرحياتها مع الرحابنة وتقول له: "جدي، لماذا كل بيان انقلاب يبدأ بالجملة "بعد الاتكال على الله والشعب"؟ فيجيبها الجد (وسأكتبها بالعامية) "لأن الله والشعب بيطولوا بالهن كتير"
وبين فيروز وجدها من طرف ومطالبة الاولاد بارجاع الطابة من طرف آخر، تلعب الأقنية الفضائية على وتر الإثارة اللفظية، وتسقط دول وحكومات ورؤساء، بطابة الثلج المتدحرجة من قمم الأقنية الفضائية المشبوهة وصفحات الأنترنيت الصفراء، الى ببغاوات الكلمات المكررة.
اسمع اليوم عن عمليات الخطف والاغتصاب.
اسمع عن جنون هيستيري، ودعاة للتعقل ضمن نهر من الدماء.
اسمع عن مؤتمرات وطنية وارى الكثير من الشخصيات الكرتونية، والفلسفة الخنفشارية.
ارى الكثير ممن يعتقدون ان السحري في ايديهم، وأنهم لو كانوا في سلطة الحكم لـ "جابوا الديب من ديلو"
وارى سحنات الوقار المختلط مع بعض حمرة الخدود، والبيبي جونسون، والبريانتين بعد صباغات الشعر المضحكة على رؤوس تتدلى منها كرافاتات الايف سان لوران .
الكثير منهم يحللون ويناقشون ويفتحون اوراقهم الذي كتبها لهم الآخرين، وينفخون أنفسهم كالبالون.
وننسى الوطن الجريح والحرائق التي تشتعل فيه.
كلنا ساهمنا في اشعال النار، عندما أغلقنا عيوننا على الفساد وعندما ارتهنا الى مدن غريبة نبعث برسائل الموت منها.
كلنا ساهمنا في ذبح الوطن، عندما نسينا مشاكل تراكمت على مر السنين، وجلسنا نرمي الاخطاء على غيرنا .
كلنا ملامُ، (ولا استثني نفسي) عندما كان علينا ان نتكلم بصدق فصمتنا نتيجة خلفيات وحسابات سياسية ومصلحية.
نُمير (ابن اخي وصديقي الفيسبوكي – من كلمة الفيس بوك) اجمع رفاقك مرة ثانية وثالثة وعاشرة والف، والعبوا بالطابة لأنها أفضل بكثير مما نفعله نحن باللعب في الوطن.