عباس الجمعة كتب لزهرة سورية : التدخل الحارجي بشؤون الدول .. والقضية الفلسطينية
بعد سبات طويل ، اتخذت الجامعة العربية عبر مجلس وزرائها قرارا بالذهاب الى الامم المتحدة حول سوريا ولا ندري أين سيسير تسونامي التغيير في العالم العربي ،
بينما الشعب الفلسطيني يتعرض لعدوان واستيطان اجرامي يومي اضافى الى سياسة الاعتقالات التي اصبحت تشكل اخطر حلقة من حلقات ابادة الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه الوطنية المشروعة .
بالامس استطاعت هذه الانظمة المجتمعة ان تتناغم مع الموقف الامريكي الاستعماري للتدخل الخارجي في شؤون الدول وتبني بعض شعارات القوى المنتفضة باعتبارها مالكة المال والخبرة والقدرة المنافقة المراوغة، والى تبني شعارات متطرفة وأفعال تخريبية غير مبررة، علما ان الشعوب العربية خرجت بثوراتها من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانهاء الفساد والاستبداد .
وهنا اقف لاتوجه بالسؤال لماذا لم تقف الجامعة العربية امام ما يعانية الشعب الفلسطيني من هجمة استعمارية صهيونية تستهدف الشجر والحجر والبشر وما يتهدد القدس ، ولماذا لم تقف مع الشعب البحرني الذي يقتل ويقمع يوميا ، ولماذا لم تقف امام ما يجري في مصر واليمن وليبيا امام حالة الفوضى الخلاقة التي ارادتها الادارة الامريكية منذ احتلال العراق حتى تتمكن من نهب خيرات وثروات الشعوب العربية ، لماذا عدم الوضوح والتمرد الغير واعي والغير مدرك لما يريده الاستعمار في دولنا، فبالنسبة للطبقة السياسية المهيمنة على السلطة السياسية ، اجبرها التطور العالمي للعلم والتكنولوجيا وبحكم ارتباطها بالعالم الرأسمالي الأول ان تنهار ولم تستطع ان تحجب المفاهيم والأفكار وأساليب الحياة الحداثية في حياة الناس اليومية.. وهذا يتطلب بالضرورة ترك كرسي الحكم لبديلها الثوري لإدارة شؤون البلاد عِبرَ ألممارسات الديمقراطية آلياتٍ وثقافة وإزاحة كل ما هو متخلف ومعيق لهذا التحول الهام.
نعم ان الإنسان العربي أصبح يعيش افتراضيا وسط عالم الحرية والانفتاح ولكنه مكبل بقيود حكام جدد مما ولد لديه ردة فعل كبيرة دفعته للتمرد وكسر القيود من اجل التخلص من ارتهاناتها ،لذلك نرى امريكا بردود افعالها واقوالها في حالة ارتباك لا تحسد عليها ، فهي تاره تدعي تأييدها لمطالب الشعوب بالحرية والديمقراطية وتاره تدعم بالباطن انظمة لا تريد لها السقوط ، فتدعوا تلك الانظمة للاصلاح من خلال فرض ارادتها عليها باعتبارها دول صديقة ، ومن هنا نقول انه ولى العهد الذي كان الإنسان يقتل او يقبر في غياهب السجون دون ان يعرف مصيره احد، حيث اختزال أساليب ووسائل التواصل في الإرادة والفكر في إنضاج نوايا التمرد وتحويلها الى فعل مؤثر في الشارع .
ان رغبة التغيير يتبناها طرفين طرف يعمل من اجل بناء مستقبل ديمقراطي متنور ، وطرف آخر يسعى الى استعادة ماض مفقود يرى أهمية وجود طوباوية تدفع الجماهير على مواصلة الكفاح وتمده بالعزم للسير قدما لتحقيق أهدافه ولكنه يرى ان في هذا النضال ضد الواقع الرأسمالي المرير طريقان يختلف احدهما عن الآخر اختلافا جذريا حيث يرى محقا .
ان هذا الامر يتطلب وعيا شعبيا داعما ومساندا ومتفهما لتوجهات التغيير، وقبل ذلك مالك الإرادة والقوة في إيصال هذه القوى المؤمنة بعملية التغيير عبر صناديق الاقتراع وعدم التفريط فيها لصالح القوى الطفيلية واللا وطنية المتخلفة، وهذا بدوره يتطلب في جزء كبير منه ان تكون لهذه القوى بمستوى مسؤوليتها وتمتلك القدرة على الإقناع عبر البرامج الواضحة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، تمتلك عقلا سياسيا مقتدرا ومتمكنا من اتخاذ القرارات والخطط الناجحة والفاعلة المتبناة من قبل قاعدتها الشعبية العريضة ، المستفيدة الاولى من التحولات والإجراءات السياسية والاقتصادية والثقافية في البلد المعني…. لبناء دولة الحداثة والمؤسسات الديمقراطية حتى يكون ربيعنا العربي كما نتمنى ان يكون عطره عبقا، وثماره وفيرة ، وأشجاره ظليلة، وفضاءه مشمس فسيح.
وغني عن القول نؤكد ان المشروع الامريكي الاستعماري له هدف اساسي وهو تقسيم العرب كأمة، وتقسيم الشعب إلى أديان وطوائف. تحت راية الدين الخفاقة يتلاقى حكّام التخلف العربي ، ويمكن للدول التي ليست دولاً أن تقرر مصائر شعوب أسهمت في صنع التاريخ، وهذا ما رأيناه من خلال قراءتنا لقرار مجلس وزراء الخارجية العرب حول الأزمة السورية مما يؤكد انه المسار الأشد خطورة، الذي يعيد الى الأذهان السيناريو الليبي بحذافيره، عندما استدعى التدخل الدولي بشكله العسكري الذي يعني المزيد من الخراب والدمار والدم في سوريا، من خلال مطالبة مجلس الامن الدولي بإصدار قرار بتشكيل «قوات حفظ سلام عربية ـ اممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار»، في خطوة مفاجئة تقفز فوق الفيتو الروسي الصيني المؤكد على مثل هذا القرار، وتمهد لتشكيل مثل هذه القوات من دون غطاء الامم المتحدة ومن خارج مؤسساتها، وهذا يعتبر الأمر الاخطر ، بعد ان تمت مصادرة إرادة التغيير في الوطن العربي، وتم تشويه معنى الثورات العربية بتمكين القوى الأكثر عداءً للتغيير من ادّعاء «أبوتها»، ومن حرفها عن مسارها الأصلي في محاولة لجعلها فتنة بين المسلمين ومن ثم بين المسلمين والمسيحين .
وليس أمراً بغير دلالة أن يكون أصحاب الجلالة والعظمة والسمو هم الذين يصادرون الآن موقع قيادة التغيير في الطريق إلى الربيع العربي المرتجى.
لقد صارت جامعة الدول العربية مجرد «محلل شرعي» للتدخل الدولي، باسم مجلس الأمن فإذا ما رفض اتهمته بخيانة الأمانة والتنكر لمهمته النبيلة في حماية الربيع العربي على الطريقة الليبية.
ونحن نقول لقد وصلت الازمة السورية الى منعطف خطير جدا فاما الانفراج واما الانفجار، بعد فشل الحلول الامنية.. ما يحتم على الطرفين: المعارضة والنظام الجلوس إلى طاولة الحوار كوسيلة وحيدة لانقاذ البلاد والعباد من كارثة محققة من خلال الوصول الى وفاق وطني قادر على انقاذ سوريا.. وارساء قواعد التغيير الحقيقي وتجذير الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة.. وصولا الى الدولة المدنية الحديثة، لبناء سوريا الجديدة.
وفي ظل هذه الاوضاع نلحظ ان مواقف جامعة الدول العربية إزاء القضايا العربية، تضعها في حالة الاستفهام، نتيجة حقيقة التباينات التي تعتري مواقف الجامعة تجاه قضية عربية وأخرى، خاصة انها تضعنا امام حالة من الدهشة والاستغراب حول ذلك، أين كانت جامعة الدول العربية من القضية الفلسطينية؛ قضية العرب المركزية؟ وأين هي من الشأن العراقي قبل الغزو الأنجلو ـ أميركي وبعده؟ وأين هي من السودان ومشاريع تقسيمه التي كانت تمر عبر دهاليزها السياسية ودهاليز أعضائها؟ واينما هي مما يجري الان بعد الثورات من اليمن والبحرين وليبيا ومصر ، ولماذا ظهرت فجأة بهذه الحدة وهذه الصرامة تجاه قضايا عربية غير قضيتها المركزية.
لا بد للمواطن العربي الحريص على قضايا أمته وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تجاوزت الاربعة والستين سنة، أن تستوقفه تلك المواقف، فالشعب الفلسطيني يعد آخر شعب يعاني من أشرس وأعتى وآخر احتلال عرفه التاريخ، هو سبب نكبة الشعب الفلسطيني والمنطقة وشعوبها وسبب كوارثها، احتلال صهيوني لا تزال المنطقة تدفع فاتورته، وما يجري الآن وما يعد له في الخفاء من مؤامرات بتعاون امريكي واستعماري مكشوف ومفضوح، يقف وراءه الاحتلال الصهيوني ورعاته وحلفاؤه من المنظمات الصهيونية والقوى الاستعمارية التي لا تزال جامعة الدول العربية تجد ضالتها في هذه القوى لحل مشاكلها.
ليس هناك مفارقة أقرب إلى استثارة فكر المواطن العربي وإثارة انتباهه من ما جرى من اجتماعات في جامعة الدول العربية أمس الأول بالقاهرة والتي تناولت أهم قضيتين عربيتين ساخنتين هما: الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي اتخذت فيه الجامعة قرارات صارمة وحازمة، حين تُردد على مسامع المواطن العربي يقع في خلده أن كل الشرور في المنطقة وراءها النظام السوري الذي بدا من شدة القرارات، وتصميم الجامعة على الوقوف طرفًا إلى جانب المعارضة في مواجهته، وأنه سبب نكسات الأمة العربية، وفي نفس الوقت نجد أن الموقف من القضية الفلسطينية اختلف اختلافًا جذريًّا في حدَّته وشدَّته ونبرته، بل إن الاجتماع المخصص لمناقشة القضية الفلسطينية لم يخرج بقرارات على غرار تلك التي كانت حول الأزمة السورية، وإنما هي عبارة عن دعوات وجهتها الجامعة للدول الأعضاء "لتوفير شبكة أمان مالية بمبلغ مئة مليون دولار شهريًّا للسلطة الوطنية الفلسطينية"، والدعوة "لانعقاد مؤتمر دولي خاص بالقضية الفلسطينية". طبعًا الأسباب واضحة لا تحتاج إلى عناء لاستنباطها من اختلاف طريقة التعاطي بين القضيتين.
إن وقفتنا مع الشعب السوري الشقيق وقواه الوطنية والديمقراطية وقضاياه العادلة، وتلبية مطالب الحراك الشعبي من اجل خروج سوريا من هذا المأزق هو مطلب كل القوى المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية ، وانطلاقاً من خطورة الوضع المستجد ومن ازدياد احتمالات التدخل العسكري الإمبريالي- الإسرائيلي ، فهذا يتطلب من المعارضة التقدمية والديمقراطية في سوريا وقفة تاريخية لتوحيد مواقفها وقواها والشروع فورا في تحصين الوضع الداخلي السوري ، وتنفيذ البنود الاصلاحية المطلوبة، بدءا بالإسهام في وضع حد فوري للحلول الأمنية، وفي إطلاق سراح المعتقلين، ومواجهة كل أشكال العدوان الخارجي والفتنة الداخلية التي تتجه باتجاه الحرب الأهلية المذهبية،وكل ذلك يتطلب الاسراع في في الحوار بين المعارضة والنظام وعقد مؤتمر وطني الهدف منه إعلان جبهة مقاومة وطنية في وجه التدخل الخارجي ووضع برنامج عملي لتنفيذ التغيير الديمقراطي الجذري المطلوب.
حيث نرى نفاق الادراة الامريكية بوقوفها مع ثورات الشعوب ليتسنى لها ترتيب الاوراق ومواصلة الامساك بزمام الامور من خلال حكام جدد تدفع بهم، حيث اعتمدت واشنطن في تقارير بهدف تدمير العراق ، ومن لحظتها وهي تسعى لاعادة ترتيب الاوضاع في الوطن العربي، وامريكا المدركة لغضب جماهير العربية على قياداتها، وحتى لا تفلت الامور من يديها ، دخلت على خطوط كثيرة وامسكت بتلابيبها وذرفت الدموع على الديمقراطية المسلوبة وللحقوق المهضومة للشعوب، وهي التي كانت سببا في الخراب والدمار والفقر والقمع، وطوال سنوات طويلة لم تحرك ساكنا، امريكا نفسها تمارس الان لعبة شيطانية، وزجت بنفسها في التظاهرات والتجمعات ترفع شعارات الجماهير متباكية على حالها، وهي في الحقيقة تمتطي صهوة هذا التحول والامساك باحجار الشطرنج التي لا يهمها المد والدعم والاسناد الامريكي للوصول الى دفة الحكم، وهنا يطرح تساؤل نفسه، ما هي الفائدة ان يتغير نظام ليمسك بالبلد نظام على نفس الشاكلة بدعم ورضى امريكيين.
ان ما تشهده المنطقة هو تغيير بفعل فوضى خلاقة تمهيدا لاجراء ترتيبات في المنطقة تقودها امريكا، وفق شرق اوسط جديد ، وهذا ما يجب ان تحذر منه الجماهير الغاضبة، وتفوت فرصة السرقة على الولايات المتحدة، هذا اذا انتبهت واستطاعت واسرعت في ذلك.
وعليه ان الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية في ظل غياب الحل السياسي العربي المشمول بالقرارات الصارمة لا يمكن حمله إلا على أنه تجميل للموقف تجاه سوريا وتسهيل تمريره. فماذا يعني عقد مؤتمر دولي في ظل تجاهل مبادرة السلام العربية العتيدة والاكتفاء بالإشارة إليها، وفي ظل الهيمنة الأميركية على العملية السلمية مع الكيان الصهيوني، وماذا تعني مئة مليون دولار للسلطة الفلسطينية ،قد لا تستلمها تحت سلسلة ذرائع ، مقابل السخاء المفرط في دعم المعارضة المسلحة السورية.
وفي ظل هذه الاوضاع ننشد الى ما تعانيه الشعوب العربية ، ولكن في نفس الوقت الى واقعنا الفلسطيني الذي هو الاساس وهذا يتطلب وقف التشكيك من قبل قيادات من حركتي فتح وحماس باتفاق الدوحة او في اتفاق المصالحة وتشكيل اللجان الذي انبثقت عنه في القاهرة ، وهذا يستدعي التوقف والتدقيق،لان ذلك يصب في مصلحة العدو الصهيوني، الذي جعل من استمرار الخلافات والانقسام الفلسطيني رافعة لتصفية القضية الفلسطينية، ورافعة لتنفيذ خططه ومخططاته التوسعية التهويدية.
ان خطورة الاوضاع في فلسطين المحتلة تستدعي الخروج من دائرة المحاصصة ودائرة الحزبية والفئوية.. والنهوض باوضاعنا من خلال اتمام المصالحة، وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتصدى بشجاعة للمشروع الصهيوني الاستئصالي الذي يهدد بشطب القضية الفلسطينية، ونفي الشعب الفلسطيني من وطن آبائه واجداده.