أميركا… سوريا… القاعدة
لا احد يستبعد ان تتداول وسائل الاعلام، بعد حين، مثل هذا الخبر: «قامت طائرة اميركية من دون طيار بقصف لتنظيم القاعدة في جبل الزاوية او في تلال الزبداني».
عجيب امر الولايات المتحدة. مراسل تلفزيوني روسي يكشف لنا ان السفير الروسي في واشنطن وضع امام المسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية وثائق وصور تظهر، وبصورة قاطعة، ان هناك دولاً صديقة للولايات المتحدة تتولى تأمين كل الاحتياجات اللوجيستية للجماعات المتطرفة من اجل الدخول الى سوريا والتمركز في مناطق معينة، وان ركزت الوثائق، بوجه خاص، على تركيا التي تستعمل الجيش السوري الحر، بتركيبته الفولكلورية، واجهة، مجرد واجهة، فيما القنوات مفتوحة امام تلك الجماعات التي بعضها يأتي حتى من بلدان في آسيا الوسطى والقوقاز…
الروس يأخذون على الاجهزة السورية نومها على الخلايا النائمة، فقد سبق وتم تنبيه هذه الاجهزة الى ان تنظيم القاعدة ينشط، تحت مسميات مختلفة، في الانحاء السورية. لكن الجواب كان يعكس دائماً اعتداداً غير واقعي بالنفس، الى ان وقعت الواقعة، وبدا للسوريين ان ما يواجهونه من «غزو داخلي» لا يقل هولاً عما حدث في حزيران عام 1967..
كم يبدو المشهد هوليوودياً فعلاً؟ الاميركيون يطاردون افراد التنظيم في باكستان، وفي اليمن، دون ان يأبهوا بالمفهوم الكلاسيكي للسيادة لهذه الدولة او تلك، بعدما قال توماس فريدمان ان هذا المفهوم لم يعد صالحا للاستعمال الا في العصر الحجري، اذ تداخلت العوامل الجيوبوليتيكية على نحو دراماتيكي، وان اعتبر، تحديداً، ان حدود الولايات المتحدة لا تتوقف لا عند جزر هاواي ولا عند قبائل الاسكيمو في ألاسكا…
منذ نحو عام، كتب هنري كيسنجر انه يشعر بالهلع كلما تصور ان باكستان، بقنبلتها النووية كما بقنبلتها الديموغرافية، يمكن ان يحكمها ايمن الظواهري، ليشير الى ان آسيا باتت اولوية اميركية، وان الرئيس هاري ترومان ارتكب خطأ هائلاً عندما لم يعارض انفصال باكستان عن الهند، مع ان وزير الخارجية جون فوستر دالاس (في عهد الرئيس دوايت ايزنهاور) اطلق سيناريو «الاسلام الاميركي» من باكستان تحديداً، فكان حلف بغداد الذي اعقبه الحلف المركزي، وعلى اساس ان تحويل الاسلام الى حالة ايديولوجية، متوترة بطبيعة الحال، يشكل جداراً فولاذياً في وجه الايديولوجيا الشيوعية.
والطريف ان يقال الآن ان الاميركيين الذين قاموا بتصنيع اسامة بن لادن ليقود المجاهدين في افغانستان ضد الغزو السوفياتي، على انه الغزو الوثني، لم يفعلوا اي شيء لثني الحكومة التركية، فضلا عن حكومات عربية، عن اعتماد الاسلوب نفسه حيال سوريا، فثمة غزو روسي (ناهيك بالغزو الايراني) وكلاهما دخيل على الاسلام، لهذه الدولة المسلمة، وهو ما يقتضي مواجهته بالجهاد إياه، ودون ان تكون هناك مشكلة في ظهور اسامة بن لادن… السوري!
ولقد تردد انه عندما نفذت المعارضة السورية عملية بحرية لم يكن لها اي اثر كما هو معلوم، انما كانت تخطط، وبدعم خارجي، للقيام بهجوم ما ضد احدى المدمرات الروسية، ولو كان الهجوم رمزياً كاطلاق قذائف صاروخية على المدمرة، وهو الامر الذي لم يكن ممكنا قطعياً…
يقول الروس ان الاميركيين يتخبطون (خبط عشواء؟!)، وان كانوا يؤكدون، من جهة اخرى، ان القاعدة ومشتقاتها لا تزال حتى الآن صناعة، او بضاعة، اميركية، فالولايات المتحدة بحاجة دوما الى ذلك «الغول» الذي يفترض مطاردته، خصوصا اذا ما علمنا ان النفط، او الجزء الاكبر منه، خارج روسيا، موجود في البلدان الاسلامية، من الخليج الى قزوين وصولا الى قازاخستان، حتى ان المنطقة النفطية في الصين تتواجد في اقليم سينكيانغ (تركستان الشرقية سابقاً) الذي يطالب سكانه المسلمون، الايغور، بالانفصال…
وهكذا بالنسبة الى القوس الافريقي الذي يمتد من ليبيا الى الجزائر ومن ثم نيجيريا حيث لا تزدهر جماعة «بوكو حرام» بالصدفة بطبيعة الحال، مع ادراك الجميع ان وكالة الاستخبارات المركزية هي التي استحدثت حركة «طالبان» لحماية انابيب الغاز في شمال افغانستان، وهي الانابيب الممتدة من تركمانستان الى بلوشستان على المحيط الهندي…
حتى الذين يتقنون قراءة الغيب لا يعرفون ما هي السياسة الاميركية حيال دمشق. القاعدة تضرب في الاحياء الداخلية للمدينة التي تعيش حالة من الذعر لا حدود له، فيما تدعو هيلاري كلينتون الرئيس بشار الاسد، وللمرة المئة، الى التنحي، وتضغط على المصارف اللبنانية، بصورة تتجاوز بكثير البعد التقني للمسألة، لحظر اي شكل من اشكال التعامل مع سوريا…
الغاية واضحة، وهي اسقاط النظام. لكن السؤال الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم هو: اين البديل؟ نظام تركي ام نظام افغاني ام نظام عراقي ام نظام يمني ام نظام مصري في سوريا؟ حتى المعارضة إياها لم تعرف لانها لا تعرف، اساسا، من يمسك بالارض. عملياً من يمسك بالارض هو من ضرب قي قلب دمشق، ولا ريب انه سيضرب اكثر فأكثر ما دامت الحدود مشرعة، وصناديق المال مشرعة، ومستودعات السلاح مشرعة. اسقاط النظام ام تحويل سوريا الى اشلاء؟
النفق طويل، طويل جداً، ولن يبتلع دولة دون اخرى…