ثورات يصنعها أبطال مضحكون ويقطف ثمارها انتهازيون و وصوليون
بعد خمسمائة وثلاثة أيام من عمر الثورة في سوريا ، تزداد الأزمة تعقيداً ، ويزداد عدد الشهداء من كل السوريين ، ويرفض الجميع نعم الجميع من دمشق وحتى أبعد متدخل في الشأن السوري أن يسمح لهذه الأزمة بأن تنتهي ، ولهذه الحرب أن تضع أوزارها .
نعم … لا يجب علينا أن نرفض العنوان السابق بل وعلى العكس يجب تقبله كمنطلق للبحث ، فإن أثبت صدقة قبلناه وإن لم يصدق نكون قد عريناه ، ولن نكتفي برفضه بل سنجتهد بالبحث عما يتخطاه صدقاً ,
فمن هم الأبطال ؟؟؟
هل هم من يُقتلون أم من يدفعون إلى القتل .
ومن هم المضحكون ؟؟
هل هم أولئك الذين تعرض عقلهم للاغتيال مع الانفجار السريع لفقاقيع الحرية المصنعة في الغرب أم هم أولئك التائهون في رحاب السلطة الدينية .
أما عن الانتهازيون والوصوليون ؟؟
فهل هم ممن باعوا أنفسهم للشيطان أم هم الذين أعجبتهم ملابس الوطنية فارتدوها .
نعم علينا الاعتراف ودون مواربة ونحن على عتبات مرحلة جديدة بأننا نواجه مشكلة مفصلية ولا تتوقف طبيعة هذه المشاكل في مصداقية المفاهيم والشعارات والأساليب وحسب وإنما قبل ذلك وبعده تتعثر بالمصداقية الذاتية للدعاة الجدد إضافهً للمصداقية الموضوعية للمؤسسات التي يعتمدون عليها .
وقبل إغراق القارئ بمفاهيم ذات مدلولات متشابهة ومن أجل أن لا نجعل السرد يسري على رسيلاته يجب علينا أن نوضح بعض التعريفات درءاً للتأويل الذي تبتغيه أصابع الفتنة التي عاثت فساداً بكل تفاصيل حياتنا .
فالسلطة الدينية :
إنما هي تلك السلطة التي تجعل من الدين مطية لحكم العوام ، أولئك قوم يحتالون على الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس مسوك الضأن و قلوبهم قلوب الذئاب .
أما السلطة السياسية :
فهي تلك السلطة التي تجعل من القانون الوضعي مطية لحكم الشعوب , أولئك قوم يخدعون شعوبهم بألسنتهم وأقنعتهم التي يرتدونها ، حيث أن بعضهم يملك من الأقنعة ما إن مفاتيحه ليعجز عن حملها أولو العزم والقوة .
السلطة المحكومة :
هي السلطة التي صنعت آلامها السلطة السياسية وتاجرت بآمالها السلطة الدينية .
نعم أيها السادة لقد بات تغيب العقل أداة بيد أصحاب السلطتين ( السلطة الدينية والسلطة السياسية الحاكمة ) وإن هذا يعني بمنطق التحليل أن هناك ارتباط بين هاتين السلطتين ، حتى وإن كان هذا التقارب تنقصه العلانية والاتفاق المباشر وذلك في سبيل تحيد وتحويل السلطة الأقوى ( السلطة المحكومة ) إلى دمية بيد إحداهما أو لربما كليهما , وإننا بذلك لا نتجاهل أو ننفي أو حتى ننسف المناطحات الإسمنتية بين هاتين السلطتين فيما سبق , علماً أن كل منهما يدعي الأحقية ويظهر الحجج الدامغة لكسب المعركة ، فالسلطة الدينية لا يمكن انتقادها لأنها تستمد شرعيتها من الخالق عز وجل وإن أي نقد لها يحوله حُراسها لتمرد على شرع الخالق ، ليؤججوا الناس به باسم الله ، والله منهم بريء ، فرجال الدين أولئك إنما يضاربون بأسهم الشرع في بورصة السياسة ، وهمهم أن يصيبوا ما يسكت نهمهم من نصيب الدنيا وحطامها ، وكذلك السلطة السياسية فانتقادها كفر قانوني ، وتمرد على الدستور وبين هنا وهناك نجد أن ثمة رغبه لدى إحدى السلطتين أو لربما كلاهما في اصطناع نوع من الإرهاب السياسي الجديد وخلق حركة جديدة من خصخصة العنف مع استمرار سياسة التجويع والتعطيش للحرية ، إضافة إلى شيطنة أي أزمة تعجز عن حلها أو السيطرة عليها .
نعم يجب علينا الانتباه إلى أننا لانعاني من حصار خارجي فحسب ، بل إنه حصار داخلي أيضاً ، ولن يفيدنا الهروب من أحدهما إلى الآخر ، وإن ذلك الهروب سيؤدي إلى أطباق حجر الرحى على رؤوس الهاربين أو المتهربين , فعلى صعيد البنية الداخلية نجد أن الحصة الأكبر من المداخيل والتي تفعل دواليب الاقتصاد إنما هي بمثابة " اقتصاد ريعي " مصدرة ليس نتيجة لمجهود بشري فعال وإنما بمثابة هدية من باطن الأرض ، ومع انعدام القدرة على استخراجها بمجهود وطني تتحول تلك الهدايا لوسيلة لتركيع الشعوب وإذلالها ، وإقتصاد خدمي إحتكر من مجموعة من المقربين للسلطة ومن شركائها ، حازوه وعملو على جني أرباح هائلة جداً كان من الممكن جداً أن يكون من حصة الدولة ليعود ريعه للوطن والمواطن .
وأما على الصعيد الخارجي فعلى الرغم مما يروج له عالمياً من كون النظام العالمي الجديد ، والذي تطبل له وسائل الإعلام العربية قبل الغربية يبشر ويدعو إلى احترام حقوق الإنسان ، ويعمل على نشر الديمقراطية بل ويمارس ضغوطاً على الحكومات التي يعتبرها دكتاتورية فإنه وللأسف الشديد يتلاعب بالقيم الإنسانية لتمرير مخططات وتحقيق مصالح ذاتية لا مصالح الأمم والشعوب كما هي تلك المفاهيم .
إن بين حرية وديمقراطية الخمسينات من القرن العشرين وحرية وديمقراطية اليوم أكثر من نصف قرن من الزمن ، استهلكت بها الأنظمة الشمولية نفسها وشعوبها ومفرداتها ، لقد حان الوقت أن تبرز مفاهيم ديمقراطية حقيقية ، يستعاض بها عن العصبويه الموحدة ، كما أنه قد حان الوقت لإظهار التعديدية القادرة على صنع الوحدة الوطنية الحقيقة ، ودفعها باتجاه البناء ، فالصراع مع العدو الصهيوني لم يعد يشكل وحده دافعاً كافياً لتحقيق تلك الوحدة ، لقد باتت شروط الوحدة أكثر تعقيداً وأقل تكلفة ولا يمكننا أن ننسى أن هناك مرحلة سابقة قد تم خلالها انتهاك بل تزيف المفاهيم الوطنية ، وذلك بارتكاب الأخطاء والتآمر وحتى الجرائم ومع التراكمية والذاكرة الحية المورثة بين الأجيال كان الانفجار الحالي إضافة إلى انفراط عقد التيار السابق من أولئك المقاومين الورقين الذين كان يصنعهم " الإعلام " بمختلف وسائله وإن كان التصفيق في ثقافة بعض الشعوب يعني التمجيد فإنه ذاته يعني الإسكات في ثقافة شعوب أخرى لأنه الطريقة اللبقة لإسكات من يتحدث دون الإساءة إليه .
إن العبور للحرية يجب أن يتحلل من تلك الأحقاد المتوارثة والجديدة منها ، والتي تجعل من اللعنة راكباً لقبور المستبدين فتنبشها وتخرجهم منها لتحاسبهم .
أما آن لنا أن نخرج من هذا الضجيج الدموي الهادر إلى ذلك الهدوء المسالم الذي يتسم بالعمل الصامت المخلص والوطني , آلا يجب علينا الخروج من شرنقة الاتهامات ، والرغبة في المحاسبات بقوة القانون والتهديد بمحاكمات ، إلى فضائل التسامح ، أما آن لنا ونحن في أيام المحن والتهديد الفاجر أن نفرز الزبد على السطح ونترك له الأضواء ليلمع تحتها ونفضحه ، ونرص صفوف خلايانا لنتماسك عند الجذور ونبدأ بإفراز المضادات الدفاعية التي تحفظ الوطن وتقلب المعادلات على المسيئ .
وأخيراً نعلن وبأعلى الصوت :
يجب أن تفهم السلطة الحاكمة أن لا مناص من تغير جذري في نوعية حكمها ، وأن تفهم السلطة المحكومة أن حقبة التذمر ولوم الآخرين آن زوالها ، وأن تفهم السلطة الدينية أنها لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة أو حتى المواجهة الفاعلة مع أي نظام بتلك الآلية التكفيرية ، وأن يفهم المنظرون على أسطح الوطنية بأن هناك فرصة لتوظيف تلك المنطقة الرمادية بين الانبطاح والمناطحة لفعل الحق وإنهاء مانمر به من ضلال .
مصطفى قلعه جي
الأمين العام
للحزب الديمقراطي السوري