ماذا حدث في مكتب “دفن الموتى” بحلب !!!
الدور المفترض لمكاتب “دفن الموتى” وجميع الدوائر الخدمية التي لها صلة بحالات “الوفاة” , أن تتجلى فيها سمات الحالة الإنسانية , حيث يتطلب العمل في هذه المجالات أن يكون الموظف أو العامل على ارتباط أخلاقي وإنساني بالمواطن ..
هل مكتب "دفن الموتى" في حلب يراعي الشعور الإنساني لذوي حالات الوفاة على اختلاف أنواعها وتعددها ؟؟
كانت العادة أن نسجل مذكراتنا في الدفاتر لتقرأها الأجيال التي تأتي من بعدنا , لعلها تتعظ وتميز بين الخطأ والصواب في ممارساتنا الحياتي , كما أن المذكرات تفيدنا في معرفة الجناة والمغالطين والأخطاء التي مرسناها أو مورست علينا , إلا أننا اليوم أصبحنا بحاجة لنكتب مذكراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي .. لأننا بحاجة لتعريف الرأي العام والمجتمع بكل الأيادي التي ساهمت في تفاقم آلامنا وجروحنا.
في الخامس من كانون الأول لعام 2017 بعد الحادث الأليم الذي أسفر برحيل عدد من عائلتي شهداء , وبعدما انتشال الجثاميين من تحت الأنقاض , انطلقنا إلى مكتب "دفن الموتى" فهو المعني بمنح القبور واثبات أماكن الراحلون , منذ ساعات الصباح الباكر وقفنا منتظرين تشريف مدير المكتب ليخصص لنا القبور ويقدم لنا خدمة نقل الجثامين إلى المقبرة الإسلامية ..
وبعد انتظار طويل نوعاً ما , أطل علينا مدير المكتب الذي الدخل إلى مكتبه دون أن يكترث لوجودنا أو يطلب من الحاجة إدخال المراجعين .. فتجرأنا ودخلنا إليه وقدمنا له ( 5 ) إحالات من الطبابة الشرعية إلى مكتب "دفن الموتى" توضح بأن الحالات الخمسة هم من ضحايا الحرب "شهداء مدنيين" ومن بينهم ( 3 ) أطفال .. فطلبنا منه تخصيص القبور ومنحنا وصل مالي بقيمة القبور , فأعطانا الإيصال وأخبرنا بأن الدولة منحت "الشهداء" القبور بالمجان ومنحتهم "إعفاء من كافة الرسوم" , ربما الأمر إلى هذا الحد يشير إلى الرعاية الإنسانية من قبل الدولة للحالات التي نتجت عن الحروب .. وهي تقدر بذلك واقع معيشة المواطن التي خلفتها ظروف الحياة نتيجة الحرب الدائرة على سورية , ولكن من يطبق هذه القوانين والأنظمة هل يمتلك الحس الأخلاقي والإنساني في التعامل ؟؟
بعدما أصبحت المعاملة جاهزة من ورقيات , وبالرغم من أنه أضاع الكثير من الوقت وهو يتأمل ويتصل بالهاتف ويستدعي الحاجب لأكثر من مرة دون أي شي يفيد .. طلبنا منا التنسيق مع المقبرة الإسلامية في منطقة "النقارين" ونقل الجثامين إليها .. وحالنا كأي مواطن مصاب بفاجعة وغير مدرك لأي تصرف فتسألنا وببراءة .. (( أستاذنا الكريم .. ما في إمكانية تتصل بالمقبرة وتخبرهم يجهزوا القبور , وترسل معنا سيارة "دفن الموتى" لنقل الجثامين ؟؟ )) .. فأجاب بكل صفاقة (( بالنسبة للمقبرة ما في عندي أية وسيلة تواصل معهم ولا بعرف رقم هاتف حدا منهم .. فلازم تطلعوا بأنفسكن على المقبرة وتشوفوا "التربي" , أما بالنسبة للسيارة فلا يوجد عنا سيارة جاهزة .. يفضل دبروا حالكن .. لأنو عنا أول سيارة معطلة بالتصليح … والثانية طالعة بجنازة )).
وبحماس الشباب اندفع "أحد أقربائي" بالطلب من الموظف فقال له : (( أستاذنا الكريم إذا بدك مصاري فنحن جاهزين بلا ما تعذبنا )) .. فأجابه بكل تواضع ((لا .. الله يرحمهم وأنا ما بطلع بأيدي شي , لو فينا نقدم أي مساعدة ما رح نبخل عليكن)) .. بكل صراحة اعتقدت للوهلة الأولى بأن الأمور فعلاً تجري في نصابها الصحيح , وبأن هذا الموظف صادق بالتعبير عن مشاعره باتجاه مأساتنا .. فتوجهت باللوم لـ"قريبي" وقلت له (( الموظف كويس وما بيأخد رشوة ليش لحتا تعرض عليه هالشي )) .. فأجابني : (( ما بتوقع يكون كلامك صحيح .. شمس بلادي وبعرفها )).
وبعد ساعات طويلة .. ضيعناها في رحلتنا من حلب جديدة إلى النقارين .. وبعد محاولات كبيرة لتأمين سيارة بديلة عن سيارات "دفن الموتى" عدنا إلى "مكتب دفن الموتى" وطلبنا منه تزويدنا بـ "ملقن" .. والغريب بالأمر بأننا عندما دخلنا إلى غرفة مدير المكتب وجدنا أحد المواطنين وبيده مبلغ كبير من المال أعطاه للموظف .. وبكل صفاقة أخذ الموظف المبلغ وعندما طلب المراجع رقم "التربي" الذي أنكر معرفته عندما طلبناه منه , أجابه الموظف (( ما في داعي تشغل بالك .. أنا بتصل بالمقبرة وبخليهن يجهزولك القبر .. وهلق بخلي الشباب يجهزولك السيارة مشان تطلع معك )) , للأسف حتى السيارة أصبحت جاهزة للعمل وعادت إلى الحياة عندما امتلأت الجيوب !!.
هنا كانت الصدمة كبيرة لي ولأقربائي.. إذا كان هذا الموظف يملك القدرة على تأمين كل هذه المتطلبات فلماذا استشرف علينا ؟؟