انتخابات الرئاسة في روسيا ومصالح العرب
تشهد روسيا في 2 مارس إجراء الانتخابات الرئاسية الخامسة على التوالي في التاريخ الروسي الجديد. كيف ستنعكس هذه الانتخابات على نهج السياسة الخارجية لروسيا وبخاصة في الاتجاه الشرق أوسطي؟
يتنافس على المنصب الرئاسي في روسيا أربعة مرشحين. ودلت نتائج استطلاعات الرأي على أن النائب الأول لرئيس الوزراء دميتري ميدفيديف يحظى بشعبية أكبر من منافسيه. فقد أبدى 70 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم تأييدهم لميدفيديف.
وتشير خبرة إجراء الانتخابات في روسيا إلى أن هذه التقديرات غالبا ما تتحقق. وبات أكثر المعلقين والخبراء متأكدين من نتائج الانتخابات، ولاسيما أن ميدفيديف والرئيس الحالي فلاديمير بوتين هما من فريق واحد، وشريكان في الرأي. وهذا يساهم نوعا ما في تسهيل توقع نهج الرئيس المقبل بما في ذلك في مجال السياسة الخارجية.
من الضروري أن ننطلق من أن علاقات موسكو مع العالم العربي منذ مجيء بوتين إلى السلطة الرئاسية في روسيا عام 2000 قد تميزت بتغييرات إيجابية. وقد تم التأكيد على أولوية هذه المنطقة في السياسة الخارجية الروسية من خلال زيارات الرئيس الى البلدان العربية من المغرب وحتى الإمارات واستقبال القادة العرب في موسكو. وقد ارتفع الحوار السياسي بين القيادة الروسية والبلدان العربية حول المسائل الأساسية في النظام العالمي المعاصر وقبل كل شيء المتعلقة بالشرق الأوسط إلى مستوى جديد. ولعبت موسكو في المنطقة دور الوسيط في عملية السلام وهذا ما جعل العرب ينظرون إلى روسيا بصفتها أحد اللاعبين الأهم مع الأخذ بعين الاعتبار الطلب على مكانتها ونفوذها لفك عقدة الشرق الأوسط وتسوية النزاعات الأخرى في الفضاء المحيط.
إلى جانب ذلك توسَع نطاق علاقات موسكو مع الدول العربية في مجال التجارة والاقتصاد بما فيها بلدان الخليج العربية حيث كان تعاون موسكو مع هذه الدول في السابق ضئيلا. وتمت صياغة الأطر العامة والمبادئ للتعاون بين الدول العربية وروسيا ولاسيما الأسس القانونية التي تنظم علاقاتهما المتعددة الأوجه والمجالات. وقد وصف هذا التعاون بين روسيا من جهة ومصر والجزائر من جهة أخرى بالاستراتيجي. وأقدمت موسكو في السنوات الأخيرة على إلغاء الديون المستحقة لها على سورية والجزائر والعراق والتي ورثتها من العهد السوفيتي الأمر الذي ساعد على فسح المجال لتنفيذ مشاريع وصفقات كبيرة.
ودخلت الشركات الروسية أسواق الخليج بمشاركتها في التنقيب واستثمار حقول الغاز في السعودية وبناء خط سكك الحديد. وتلاحظ مؤخرا نزعة زيادة حجم التبادل التجاري بين روسيا والشركاء العرب. وحقق تدفق السائحين الروس على دول المنطقة العربية نموا كبيرا حيث بلغ نحو 4ر1 مليون شخص سنويا. ووجد الجانبان اهتمامات مشتركة في مجال التصدي للتطرف والإرهاب الدولي. وبإمكاننا الآن القول إن علاقات التعاون الروسية العربية حققت منذ عام 2000 نموا ملحوظا على الرغم من أنها، باعتراف الجانبين، لا تستغل جميع الإمكانيات المتاحة.
فهل بإمكاننا أن نأمل في أن هذه العلاقات ستستمر وستواصل التحرك إلى الأمام في فترة حكم الرئيس الجديد؟
أغلب الظن أن ذلك سيحدث وهناك مقومات لذلك. قبل كل شيء لا يلاحظ وجود أية مسائل عالقة بين روسيا والعالم العربي أما مواقفهما من نطاق واسع من المسائل فمتقاربة في اغلب الأحيان أو متطابقة.
إن ما أنجز في عهد الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين في هذا المضمار بما في ذلك مستوى الثقة بين الجانبين الروسي والعربي يتجاوب مع مصالح روسيا الوطنية ومصالح المؤسسات الاقتصادية الحكومية والخاصة وليس للمصالح الآنية الضيقة لنخبة سياسية ما. وستواصل روسيا نشاطها بصفة أحد رعاة عملية السلام في الشرق الأوسط إذ أن إرساء السلام وبسط الاستقرار والأمن هنا يتوافق مع المصالح الوطنية لروسيا، نظرا لأن النقاط الساخنة في هذه المنطقة تقع بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا. وكلما أسرعنا في احتواء بؤرة التوتر هذه كلما بدأ تأثير التطرف الإسلامي على المواطنين الروس المسلمين يخف.
ويبدو أن جهود الوساطة الروسية في هذه المنطقة ستتزايد بتزايد طاقاتها الاقتصادية والمالية. وقد تضمن برنامج عمل دميتري ميدفيديف في فترة الرئاسة هذه الأهداف.
الجدير بالذكر أن ميدفيديف يراهن على تطوير القطاعات العلمية والتحديثية وبخاصة في مجال صناعة الطائرات والفضاء وتكنولوجيات النانو وتنويع الاقتصاد.
وتستحق هذه الفكرة التوقف عندها حيث أنها تتفق مع نهج الدول العربية وبخاصة الدول المصدرة للنفط في تنويع اقتصادها وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية، وخاصة أن روسيا تستقطبها كشريك بديل في استثمار الثروات النفطية وغيرها من الثروات الطبيعية بمساعدة تكنولوجياتها المتقدمة وكذلك كسوق كبيرة للاستثمارات.
ومن المتوقع أن يصبح تعاون روسيا مع العالم العربي في السنوات المقبلة مكثفا أكثر إذ أن الأوقات العصيبة قد أصحبت الآن في خبر كان.
وسيتم العمل بالاتفاقات التي أبرمت في وقت سابق حول نطاق واسع من النشاط الاقتصادي التجاري والتكنولوجيات والدفاع بواسطة مجلس الأعمال الروسي العربي وغيره من المنظمات.
ويبدو أن سياسة روسيا في الاتجاه الشرق أوسطي لن تشهد حدوث تغييرات دراماتيكية خلال السنوات الأربع من حكم الرئيس الجديد. وقد برهنت التقييمات والرؤى حيال التعاون مع الدول العربية ومستقبلها ونهج تطويرها التي ظهرت في عهد بوتين على قابليتها للحياة.
غير أن التحرك إلى الأمام في هذا الاتجاه غير مبرمج ذاتيا. العالم لا يقف في مكان واحد. ولهذا فانه من الضروري أن يترجم التعاون السياسي الذي تم تحقيقه إلى مشاريع اقتصادية وتجارية وثقافية وتكنولوجية وغيرها، وكذلك الخروج من أطر التبادل التجاري العادي إلى روابط تكاملية ما يتوافق مع نزعة العولمة المعاصرة. والمثال على ذلك هو اتفاق أبرمته موسكو والقاهرة لإنشاء منطقة صناعية روسية لإنتاج سلع على أساس التكنولوجيات الجديدة في منطقة برج العرب بمصر. ومن المتوقع أن يتم تنفيذ هذا المشروع في فترة حكم الرئيس الجديد.