البناء بالطين، وسيلة جديدة لمواجهة الحصار في غزة
عندما وصل فريق بي بي سي العربية إلى منزل الفلسطيني يوسف الحمايدة في مدينة رفح لاجراء لقاء معه كانت الشمس تتوسط كبد السماء وكانت درجة الحرارة قد بلغت أوجها.
لكن حرارةالجو لم تمنع يوسف الحمايده ورفاقه من العمل بجد في بناء منزل جديد من الطين.
كان فناء المنزل مليئا بحجارة من الطين، قال لي يوسف إن تجهيزها يحتاج الى عمل شاق، فبعد تجهيز الطين تسكب في قوالب على شكل الحجر ثم تترك لثلاثة ايام كي تجف ثم يشرع البناؤون باستخدامها في بناء المنزل.
كان يوسف يملك منزلا كبيرا أقيم على مساحة 250 مترا، وقد تعرض للقصف أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ما تركه واسرته مهجرين ينتقلون من منزل الى آخر.
سَعيُ يوسف لبناء منزله من جديد اصطدم بمنع اسرائيل لإدخال الاسمنت والحديد ومواد البناء الاخرى بحجة ان الفصائل الفلسطينية تستخدمها في صناعة الصواريخ الفلسطينية محلية الصنع.
ظاهرة البناء بالطين حديثة العهد في غزة وحتى اللحظة لا تزال قليلة التكاليف بسبب توافر الطين في قطاع غزة.
اثناء تجوالي في مدينة رفح رأيت بعض المحال التي تبيع اسمنتا مصريا يعبر عبر الانفاق لكن سعر وحدة الاسمنت التي تبلغ 20 كيلو جراما وصل الى ما يقرب الستين دولار علما ان سعر طن الاسمنت كان لا يتجاوز المئتي دولار قبل منع ادخاله.
في منطقة أخرى من مدينة رفح التقيت بجهاد الشاعر في منزله الطيني، كانت حرارة الشمس لاهبة وعند دخولنا منزله شعرنا بانخفاض كبير في حرارة المكان.
قال لي جهاد إن من ميزات البناء بالطين انه دافئ شتاء بارد صيفا، بيد ان الوقاية من برد الشتاء وحر الصيف لم تكن السبب الرئيسي وراء بناء جهاد لمنزله، فهو يملك منزلا صغيرا في مدينة رفح وأراد الانتقال الى بيت اوسع واضطر للجوء للطين بسبب غياب مواد البناء.
اتيحت لجهاد فرصة السفر قبل خمس سنوات وخلال سفره زار بلدانا عدة ُتبنى فيها بيوت الطين مثل افغانستان وباكستان واليمن فأعجب بالفكرة وواتته فرصة تنفيذها الآن بسبب ظروف الحصار على قطاع غزة.
المحاولات الفردية التي بدأ بها يوسف الحمايدة وجهاد الشاعر لقيت اعجاب المسؤولين في وزارة الاشغال والإسكان في الحكومة الفلسطينية المقالة.
فوزير الاشغال يوسف المنسي اعتبر أن البناء بالطين يعتبر ردا طبيعيا على استمرار الحصار على القطاع. وقد كشف المنسي لبي بي سي عن ان وزارته ستشرع قريبا بتنفيذ مشاريع بناء تجريبية من الطين ومن مخلفات المباني التي تعرضت للقصف الإسرائيلي.
وقال المنسي ان الحكومة الفلسطينية في غزة رصدت مليون دولار لبدء المشروع التجريبي.
لكن فريد القيق رئيس قسم الهندسة في الجامعة الإسلامية اعتبر ان بيوت الطين لا يمكن ان تشكل حلا لمشكلة غياب مواد البناء في القطاع بسبب مساحته الصغيرة لأن البناء بالطين لا يمكن ان يكون حلا الا للمنازل ذات الطابق الواحد في اغلب الاحوال.
البناء بالطين يعتبر حلا مؤقتا للكثيرين ممن لا يملكون ترف ايجاد منازل للتأجير وهي مرتفعة الثمن في غزة، ويبدو أن صفة المؤقت ستبقى تلازم بيوت الطين لفترة طويلة بسبب تشاؤم الغزيين من امكانية حصول انفراج يسمح بعودة حياتهم لشيء من طبيعتها.