مؤتمر رسالةالسلام في الإسلام:الاستفادةمن التجربةالسوريةفي نشر الفكر المعتدل
أوصى المؤتمر الدولي رسالة السلام في الإسلام بضرورة الاستفادة من التجربة السورية في نشر الفكر الوسطي والمعتدل والحوار مع الآخر في علاج التطرف وفي أن يعطى أهل الفكر الصحيح المجال لتوعية الناس وتعليمهم.
واشارت التوصيات التي صدرت في ختام أعمال المؤتمر أمس إلى أن الإسلام دين سلام وعدل وإنصاف وأن السلام في العالم لا يتحقق إلا بعودة الحقوق لأصحابها.
وأكدت التوصيات رفض كل أشكال الظلم والاضطهاد التي تعد سببا في زيادة التطرف داعية إلى مكافحة الفقر والبطالة باعتبارهما يهيئان بيئة خصبة للأفكار المتطرفة.
واعتبرت التوصيات أن المؤتمر نقطة انطلاق لمزيد من التعاون وتبادل الخبرات واستمرار الحوار البناء بين وزارة الأوقاف في سورية والحكومة البريطانية لإقامة جسور التواصل والتعاون وتمتينا للعلاقات الإنسانية والقيم الأخلاقية وتحقيقا للسلام ورفع الظلم. وقال الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف إن الهدف من عقد مؤتمر "رسالة السلام في الإسلام" في دمشق هو إبراز صورة الإسلام الصحيح بأبعاده الإنسانية والأخلاقية العالية ودعوته للسلام والحوار مع الآخر.
وأشار وزير الأوقاف خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مساء اليوم مع السفير البريطاني بدمشق "سايمون كوليس" في ختام فعاليات المؤتمر الذي استمر يومين إلى أن المشاركين من رؤساء المراكز الإسلامية فى بريطانيا أكدوا أنهم وجدوا الإسلام الصحيح في سورية الذي يعد التجسيد الأمثل لسماحة الإسلام المعتمد على التسامح والدعوة الحسنة والحوار بدل العنف والتطرف.
وأوضح الوزير السيد أن المؤتمر تجربة فريدة تتم للمرة الأولى في المنطقة وهو خطوة لفهم الآخر ولتقديم صورة الإسلام الحقيقي الصالح للتطبيق في الغرب وللجاليات الإسلامية فيه. من جانبه أشار السفير البريطاني إلى أن هناك الكثير مما يمكن الاستفادة منه من تبادل الخبرات مع سورية ويسهم في تحقيق المزيد من اندماج الجاليات المسلمة في بريطانيا مع المجتمع البريطاني مبنيا أن بلاده تدعم عملية السلام في المنطقة على مبدأ الارض مقابل السلام وإعادة الحقوق ورفض استمرار سياسة الاستيطان.
وأوضح السفير أن رؤساء المراكز الإسلامية في بريطانيا المشاركين في المؤتمر أبدوا رغبة لإيصال التجربة السورية لبريطانيا مؤكدا ضرورة إيجاد بعض الموضوعات التي تهم سورية وبريطانيا لمحاولة فهم بعضنا البعض عبر المشاركة بشكل فعال في مثل هذه المؤتمرات مع أهمية تطبيق النتائج المهمة التي تمخض عنها المؤتمر والتي تسهم بشكل جدي في تعزيز الحوار والتفاهم بين الإسلام والغرب.
التعاون لإقامة حضارة تقوم على احترام العدالة وتطبيق القوانين بما يحقق المساواة وإلغاء التمييز
وكان المشاركون في الجلسة الختامية للمؤتمر طالبوا بضرورة التمسك بتعاليم الإسلام والتركيز على حقوق الإنسان.
وقال الدكتور محمد راتب النابلسي المدرس في كلية التربية بجامعة دمشق إن الحديث عن حقوق الإنسان في مجتمع ما يعد ظاهرة صحية تدل على وعي هذا المجتمع وتماسكه لافتا الى ان تمتع الشعوب بحقوقها المشروعة وحرياتها يدفعها قدما الى الاستقرار والتقدم ويحميها من التمزق.
وأضاف النابلسي أن حقوق الإنسان أخذت مؤخرا بعدا عالميا واسعا منذ صدور ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووقعت عليه جميع الدول بلا استثناء كما صدرت ملاحق أخرى تهتم ببيان حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية والسياسية إلا أن هذه الحقوق أصبحت ألعوبة وذريعة لدى الأقوياء للسطو على الضعفاء وتحقيق مآربهم وأهدافهم في الهيمنة على العالم.
من جهته بين الدكتور ساجد حيدر ريزفي مدير مركز الفلسفة الاسلامية في بريطانيا أن هناك أهدافا جوهرية غير قابلة للتصرف للشريعة الإسلامية ومن واجب الدولة والمجتمع ضمان حماية هذه القيم التي تتكون تقليديا من الحق في الحياة والأسرة والملكية والعقيدة والفكر مشيرا الى ان الثقافة الإسلامية تتجه نحو الأفكار التي تؤكد وحدة المجتمع والعدالة الاجتماعية لسائر أفراد المجتمع والتي هي راسخة في السياق الاجتماعي.
وقال ريزفي إن مفهوم الأخلاق متجذر في المجتمعات الإسلامية وثمة حس قوي بالروابط الاجتماعية ونزوع لرؤية الحقوق والواجبات على أنها كاملة في العلاقات الشخصية وناشئة عن المجتمعات لافتا إلى أن مفهوم حقوق الإنسان لا ينفصل عن فكرة العدالة والوصول إليها وممارستها.
بدوره تحدث الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي المشرف على الجامع الأموي عن خطر التطرف على الإسلام وأن السلم هو مطمح آمال المجتمعات الإنسانية كلها وهو المناخ الذي يتحقق فيه الأمن وهو مقصد من أهم مقاصد الإنسان والسبيل لتحقيق رغباته مؤكدا أن القرآن الذي هو خطاب الله الموجه إلى عباده جميعا يتضمن دعوة ملحة إلى سلوك السبيل المؤدي الى واحة السلم.
وقال البوطي إن من ينشد السلم عليه أن يبرهن على صدق بحثه عنه بتوخي العدالة والسهر على حمايتها وحراسة موازينها وإن الجنوح عن رعاية الحقوق والواجبات يؤدي إلى التطرف متسائلا عن الوسيلة التي تحقق في المجتمع السلم المنشود التي حددها في عدم الاعتداء على حقوق الآخرين وعدم التقصير في النهوض بالواجبات المرعية تجاه الآخرين.
وقال الدكتور نورتون ميزفينسكي أستاذ التاريخ والحضارة وشؤون الشرق الأوسط في الجامعة المركزية بولاية كونيكتيكت إن إسرائيل منذ نشأتها تقوم بانتهاك حقوق الإنسان بشكل يومي وهذا ما عبرت عنه سياستها العدوانية في حربها الأخيرة على غزة كتعويض لفشل سياساتها الداخلية لافتا الى ان هذه الحقائق يجب أن تصل بوضوح إلى الرأي العام الأمريكي.
وأضاف ميزفينسكي أن عدوان غزة أدين من قبل المنظمات الحقوقية في العالم وطالبت بوقف قتل الأبرياء من الفلسطينيين للعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط بينما دعا الدكتور إبراهيم أبو ربيع أستاذ الدراسات الإسلامية والعلاقات الإسلامية المسيحية في جامعة البرتا الكندية الى تفعيل دور العلماء في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
وأوضح أبو ربيع أن التفاعل في الإسلام منذ بدايته وحتى اليوم مبني على تحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للارتقاء بالإنسان إلى العيش الكريم وتمتعه بحقوقه كاملة مؤكدا ضرورة المواءمة بين العادات والقيم من جهة والحداثة من جهة أخرى. وقال الشيخ كميل نصر إن السلام في الإسلام هو الأمان وحفظ كرامة الإنسان والتعاون لتحقيق قيام حضارة تقوم على احترام الذات والآخر وعدم الغائه واحترام العدالة بين بني البشر إذ يتحقق السلام في ظل العدالة التي تقوم على حفظ التوازن البشري عبر تطبيق القوانين على وجه يحقق المساواة وعدم التمييز وبذلك تكون العدالة جسرا يوصل الى السلام.
وأضاف نصر أن الإسلام برسالته السمحاء يحض على المودة مع أبناء الشرائع السماوية الأخرى ما داموا مسالمين غير معتدين فالعدل الذي أوجبه الله على المسلمين هو أساس السلام وأن ما نشهده اليوم من عالم ينساق إلى الشراسة ويعيش في خوف مستمر من الوقوع في حرب نووية مدمرة والتعدي على حقوق الإنسان يدعونا للتمسك بالقيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام والتي تحض على احترام العدالة وحقوق الإنسان.
وتمحورت مداخلات المشاركين في المؤتمر حول ضرورة أن يحمل المسلمون في الغرب رسالة الإسلام والتعايش بسلام ضمن المجتمعات الغربية مع الاحتفاظ بالقيم والعادات ودعوا الى رفض ما يروجه الإعلام الغربي عن الإسلام. ودعوا إلى الاحتفاظ بخصوصية الهوية الدينية مع الالتزام بالمواطنة لأن المسلم في بريطانيا يخضع للقوانين البريطانية وتحصيل حقوق العمل عبر النضال المستمر بأساليب مشروعة من خلال المنظمات والمؤسسات والجمعيات لتأكيد حضور فاعل للجاليات المسلمة في الغرب وإسهامها في بناء أوطانها.
وطالبوا الحكومات بترسيخ المساواة بين أفراد المجتمع عبر تحقيق التوازن في الحياة والعمل وحثوا النخب المسلمة في الغرب على احتضان الشبيبة وتوفير فرص العمل لهم لتوجيههم وإبعادهم عن التطرف الذي لا يمثل أخلاق الإسلام وعلى الغرب التعاون لإيجاد فرص لحوار بناء لوضع استراتيجية لعمل رشيد للوقاية من انحراف الفكر الذي يقود للتطرف والدعوة للتفريق بين اليهودية والصهيونية.
وبينوا أن الإسلام هو الدين الذي يحمي كرامة الإنسان وحقوقه ويرسخها في المجتمع ويضمن الحقوق ضمن الوطن لترسيخ العدالة وانصاف المظلوم وأن الشريعة الإسلامية سور يحمي الحقوق ويصون كرامة الفرد أيا كان انتماؤه الديني ويسعى لبناء الإنسان الشامخ لتحقيق خيره وسعادته وأن المسلمين ينظرون نظرة أخوة إلى جميع البشر ويمدون اليد لبناء الحضارة الإنسانية المبنية على الأخلاق والقيم المستندة إلى تعاليم الله.
الدعوة إلى الحد من الفقر والبطالة
وكان المؤتمر الذي تقيمه وزارة الأوقاف بالتعاون مع السفارة البريطانية في دمشق قد واصل أعماله اليوم في فندق قصر الأمويين للمؤتمرات بدمشق.
وتركزت الجلسة الصباحية للمؤتمر حول رسالة الإسلام في الحد من الفقر والبطالة وأثر الأزمة العالمية في تفاقم هاتين الظاهرتين والوسائل الوقائية التي حرص الإسلام على اتباعها لتفاديهما عبر التشجيع على مزاولة الأعمال الحرة والمهن والصناعات.
وقال الدكتور صالح العلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي في كليتي الشريعة والاقتصاد بجامعة دمشق إن الأزمة المالية العالمية لم تصب البنوك والمؤسسات المالية العالمية والقطاعات الاقتصادية فحسب بل أدت آثارها إلى تعميق الفقر في العالم اذ أشار تقرير صدر عن صندوق النقد والبنك الدوليين أنه من المتوقع أن يشهد العام 2009 انضمام مابين 55 مليوناً إلى 90 مليون شخص إلى فئة الأشد فقراً بسبب الركود الناجم عن الأزمة مع توقعات بأن يقفز عدد من يعانون من جوع شديد إلى أكثر من مليار نسمة حول العالم وموت نحو 700 ألف رضيع في أفريقيا قبل بلوغهم العام الأول نتيجة ذلك.
وبين أنه رغم تورط بعض البنوك في المنطقة العربية بالاستثمار في سندات الرهن العقاري عالية المخاطرة فان النظام المصرفي الإسلامي ممثلاً بالمصارف الإسلامية في شتى أنحاء العالم وليس فقط في الدول العربية والإسلامية كان بمنأى عن الأزمة ونتائجها على الصعيد المالي بسبب السياسات الائتمانية التي تتبعها والتي تتسم بالمحافظة وتجنب الدخول في أدوات الدين أو أدوات الاستثمار التقليدية الأمر الذي مكنها من اكتساب الاستقرار في الودائع لدرجة عالية وكسب ثقة العملاء كقاعدة مصرفية آمنة.
وأشار العلي إلى أن قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية شهد نمواً سنوياً مقداره 15 بالمئة عام 2008 وبلغ حجمه حول العالم نحو تريليون دولار مع توقعات باستمرار النمو في أصول الصيرفة الإسلامية بنسبة مماثلة.
وتحدث الدكتور شرف الحسين رئيس ملتقى المسلمين والمسيحيين في بريطانيا عن محاور عدة أهمها الوسائل الوقائية والعلاجية لمكافحة الفقر والبطالة والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي وأداء الحقوق المفروضة والمندوبة في الأموال حسب الشريعة الإسلامية.
ودعا الحسين إلى ضرورة التشجيع على مكافحة البطالة عبر حث المسلمين على العمل وتبني ثقافة النشاط وعدم الاتكالية وحث الأغنياء على توظيف العاطلين وإيجاد فرص عمل لهم والعمل على تعديل المناهج الدراسية لتعكس هذه القيم الإيجابية والتي تؤكد أن كسب اليد والعمل هو الطريق إلى الرفعة والنهوض بالمجتمع نحو التقدم في كل المجالات.
من جانبه أشار الباحث محمد خير الطرشان إلى أن البطالة خطر وسبب في وجود الانحرافات العقدية والفكرية ولها آثار خطيرة على جميع جوانب الحياة في المجتمع لهذا عمل الإسلام على محاربة الفقر وأوجب دفع الأموال وسد الحاجات وانتشال الفقراء والمساكين والمرضى والجهال من وهدتهم كما حارب البطالة ومايترتب عليها من نتائج.
ولفت الدكتور صلاح الدين كفتارو رئيس مجمع الشيخ أحمد كفتارو بدمشق إلى أن الإسلام شرع فريضة الزكاة من أجل القضاء على الفقر وحل مشكلة البطالة لأن الزكاة تكفل عملية تحريك منتظمة للمال في المجتمع وتخلق فيه حركة اقتصادية تمنع ركود هذا المال منبهاً من خطر الاحتكار لأن فيه تجميداً للاقتصاد وقضاء على فرص العمل الناتجة عن التحريك الاقتصادي.
وفي تصريح لوكالة سانا دعا الباحث يوسف الخوئي من بريطانيا إلى العمل على تصحيح الفهم الخاطىء للغرب في الدول الإسلامية والتعريف بأهمية الحوار والتواصل بديلاً عن الحروب والصراعات.
وأضاف الخوئي أن لغة الخطاب الإسلامي الذي يتسم بالعاطفية والحدة أحياناً لايفهمه الكثير من الغربيين ويفسر بشكل خاطىء مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الجهات التي تمارس العنف تسىء للإسلام وتساهم في إلصاق التهم الباطلة به.
وأشار الخوئي إلى أن الشباب المسلم في الغرب يؤمن بالعمل الجاد وهذا الأمر يعد من العوامل الإيجابية التي تساهم في تقوية المسلمين وتصحيح الصورة التقليدية السائدة عن الإسلام والمسلمين في الغرب.
من جانبها أكدت بارفين علي من بريطانيا أيضاً أهمية الدور الذي يمارسه المسلمون ضمن مجتمعاتهم في الغرب لجهة تصحيح صورة الإسلام وإيصال الصورة الحقيقية عنه للمجتمع الغربي في مواجهة الدور السلبي الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام الغربية في تشويه ونقل صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين.
بدوره قال عبد الكريم محمد خليل مدير مركز التراث الثقافي الإسلامي في بريطانيا إن العلاقة بين المسلمين والغرب وماينتابها من مد وجزر انما يعود سببها إلى جهل كل طرف بالآخر وعدم معرفته بشكل جيد واضح معرباً عن أمله بأن يكون وجود المسلمين في الدول الغربية عاملاً مساعداً لإيصال الصورة الحقيقية وأن يكونوا حلقة وصل بين الطرفين والتعريف بثقافتهم وحضارتهم.
وأشار خليل إلى النشاطات والمبادرات التي تقوم بها المؤسسات والمراكز الإسلامية في بريطانيا لمد جسور للتواصل مع المجتمعات المحلية والتعريف بالإسلام وتقديم صورة حقيقية عنه وإبراز رسالة السلام في الإسلام.