لماذا لم تحظى زيارة قداسة البابا إلى القدس والضفة بالترحيب؟
ترافقت زيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى فلسطين المحتلة بمواقف تتراوح بين الإنتقاد والترحيب.
فبينما كان خطاب البابا يوحنا بولس الثاني قريب من صيغة الخطاب العربي, فإن خطاب البابا الحالي يبدوا أنه اقرب إلى صيغة الخطاب الاسرائيلي. حتى قيل أن غبطة البابا بندكيتوس السادس عشر يرى ان النهج الذي ينبغي عليه أتباعه في سياسته يجب أن يلامس الموقف الأوروبي لا الأمريكي. مع ضرورة أن يدافع عن وجود إسرائيل وضمان حقوقها كي لاتنهار نتيجة ماتعانيه من ضغوط جمة,ولكي لاتشحذ إسرائيل والصهاينة سكاكين غضبهما عليه.وحتى أن غبطة البطريرك صفير الذي رفض أن يرافق البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته إلى دمشق سارع ليسافر إلى عمان كي يرافق غبطة البابا بنديكتوس السادس عشر في زيارته للملكة الاردنية الهاشمية.
البعض يرى أن على غبطة البطريرك بندكيتوس السادس عشر أن يمر على دمشق وبيروت قبل أن يحط رحاله في الأردن والقدس. لأنه بزيارته الاردن والضفة والقدس وإسرائيل سيعطي أنطباعا لدى المسلمين والمسيحيين والفلسطينيين واليهود على أنه يعتبر أن السلام مع إسرائيل والتطبيع معها إنما هما ضروريان وأمر إلهي.
وخلال زيارته أكد البابا في خطبه أن لاسلام من دون عدالة,وحذر من أستغلال الدين لتبرير العنف.وأكد على ضرورة حماية الأطفال من التطرف والعنف وعلى ضرورة التعايش السلمي و أعرب عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية, وطالب الجماهير بضرورة المحافظة على شعلة الأمل والرجاء إلى ان يتم إيجاد سبيل لتلبية التطلعات المشروعة للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني إلى السلام والأستقرار ,وذكر الجميع بأنه يصلي من أجل أن يرفع الحصار عن غزة,وأعرب عن تضامنه العميق مع اهالي غزة بعد الهجوم الاسرائيلي, وعبر عن أسفه للبناء المأسوي للجدران.وكَفْر وأدان كل من ينكر محرقة اليهود في ألمانيا التي مرعليها 65 عاما,ولكنه لم يأتي على ذكر محارق إسرائيل التي تحرق فيها الفلسطينيين منذ 60 عاما.وأستقبل أسرة الجندي الاسرائيلي الأسير جلعاد شاليط,وأعلن تعاطفه معها.بينما أغمض عينيه عن أسر أكثر من 13000 أسير فلسطيني يقبعون في غياهب وظلمات سجون الاحتلال الاسرائيلي,مهملا أسرهم ومايعانونه هم وأسراهم من ظلم وجور وتعذيب بعد أن خطفهم جنود إسرائيل من على الطرقات أو من البيوت ودور العبادة والعلم,أو من الحقول وورش الصناعة والتجارة لمقاومنهم الإرهاب والإحتلال الإسرائيلي ,وكأن هؤلاء بشر لاقيمة لهم بنظر قداسة الحبر الأعظم.أو أن أية مقاومة أو أعتراض على ماتقوما به كل من إسرائيل والادارة الأميركية فقط من عدوان وغزو وإرهاب إنما هي تصرفات مرفوضة و حرام ولاتجوز, بينما هي حلال ومشروعة حين تخدم مصالحهما ومخططاتيهما.
تحلى غبطة البابا بصبر أيوب على أهانات بعض وسائط الاعلام الاسرائيلية لقداسته وللمسيحيين .وتحاشا توجيه أي نقد لاسرائيل على ممارساتها الارهابية والاجرامية كي لايغضب جنرالاتها وساساتها الارهابيين. وبقي مثابرا عليه في عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006م, وفي عدوانها على قطاع غزة نهاية العام المنصرم وبداية هذا العام.وراح يحملنا الذنب والمسؤواية بكلمته التي ألقاها عام 2006م حين ربط فيها الاسلام بالارهاب.
يعرف قداسة الحبر الأعظم كغيره من الناس أن الصهيونية وإسرائيل بحكومتهاومواطنيها ما أحبوا ولن يحبوا في أي يوم من الأيام أي بابا من باباوات حاضرة الفاتيكان لأمور عدة .نذكر بعضا منها على سبيل المثال:
· فبعض الاسرائيليين ومنهم باروخ مارزل يتهمون الفاتيكان بأنه أخفى كنز ذهبي نقل من قبل الفاتيكان إلى روما بعد أن دمر القائد الروماني تيتوس هيكل سليمان الثاني عام 79م.
· ويتهمون البابا بيوس الثاني عشر على أنه تبادل الرسائل مع الزعيم الألماني هتلر وزار برلين.
· وأن أختيار البابا الحالي لأسمه ليكون بندكيتوس السادس عشر ليس سوى تيمنا منه بالبابا بنديكتوس الخامس عشر الذي أعترض على وعد بلفور.وأنه إنما يريد أستكمال مابدأه البابا بننديكتوس المذكور.
· وأنهم يتهمون البابا بندكيت السادس عشر على أنه كان منخرط في عناصر الشبيبة الألمانية الهتلرية.
· وأن البابا الحالي لايروق كثيرا للاسرائيليين بسبب كونه يحمل الجنسية الألمانية, وكونه البابا الثاني الألماني بعد البابا فيكتور الثاني 1055م. فالألمان بنظر كثير من الصهاينة عاملوا اليهود بنفس الأسلوب الذي عاملهم فيه البابليون. وأنه مهما تودد الألمان لاسرائيل فالشعب اليهودي لن ينسى مافعلوه والسماء زرقاء أوغائمة أوحالكة الظلام أو مزينة بالشمس أوالقمر والكواكب والنجوم .فلا تودد ميركل وميليس وصحيفة دير شبيغل لاسرائيل سوف يغير من الأمر شيئا.و لا حتى تودد قداسة البابا لإسرائيل وتعاطفه معها وتغاضيه عن جرائمها سيمكنه من الظفر بحبها ومحبتها لأنه ألماني.
· وأن قداسة البابا الحالي بندكيتوس السادس عشر وجه كتابا للرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس يذكره فيه بأهمية أستعادة الأماكن المقدسة التي صادرتها القوات الإسرائيلية بالقوة. وهي كنيسة البشارة في الناصرة وكنيسة الحثمانية في القدس,وجبل التطويبات القريب من طبريا,وكنيسة العشاء الخير بالقدس وجبل طابور وكنيسة الخبز والسمك بالقرب من طبريا.وإسرائيل ستتجاهل طلباته مهما ألح.
ولهذه الأسباب بات يقال أن البابا أختار عمان حتى لايزعج إسرائيل بلقائه مع بابا الكنيسة القبطية في مصر الذي ينتقد إسرائيل ويرفض زيارة الأماكن المقدسة طالما هي تحت الاحتلال الاسرائيلي. وأنه تعمد عدم زيارة دمشق كي لاتعتبر إسرائيل ذلك بمثابة تحدي لها, وقرر أن لايشمل بيروت بزيارته كي لا يسمع الغضب المسيحي العارم من عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006م وعلى غزة عام 2009م, وعدم رضى البعض عن تدخلات بعض المطارنة بالشأن السياسي لصالح طرف مسيحي على حساب طرف آخر. ووجد أن المحطة الأنسب هي عمان. حيث يمكن لقداسته من أن يلمح منها لاسرائيل بأن زياراته دينية وليست سياسية. جاهد خلال غبطة تابابا خلال زياراته أن لا يزيد في حرج كل من إسرائيل وسلطة محمود عباس.و كان يحسب ألف حساب لكل كلمة او تصريح و تصرف يصدر عنه.وأنه أعتقد أنه بلقاءه أسرة الجندي جلعاد شاليط سيفتح قلوب وآذان وعقول الاسرائيليين لما قال وسيقول.وأنه سيسهم في رفع الروح المعنوية لإسرائيل حومة وشعبا ولسلطة محمود عباس الذين يعانون الأمرين,لعله يكون بقادر على أن يجعل الاسرائيليين والفلسطينيين يصيخا السمع لما قاله وسيقوله من عظات ونصائح وتلمحيات تشجعهما للانخراط بعملية السلام المزمع البدأ بها هذا العام.وأن غبطته سيقدم دعم مجاني منه لسلطة محمود عباس اللاشرعية علها تستمر لفترة أطول.
ولكن البعض يؤخذ على قداسة البابا بعض مواقفه المعادية للاسلام والمنحازة لاسرائيل.ومنها على سبيل المثال:
1. في حفل تنصيبه ألقى كلمة شكر فيها كل من شارك في حفل تنصيبه من غير المسلمين وخص فيها اليهود بنصيب وافر من الثناء بينما تجاهل المسلمين الذين شاركوا في الحفل والأحتفال .
2. تعاطفه مع أسرة جندي إسرائيلي أسير أسر وهو يحمل سلاحه ليقتل الفلسطينيين, في حين تجاهل 13000 أسير فلسطيني هم طلاب مدارس ونساء ورجال ومسنين و أطفال ومنهم رُضَع وخُدَج.
3. مطالبته المسلمين بالصفح عن الإساءات لدينهم ورسولهم,بينما يصر على معاقبة كل من ينكر المحرقة.
4. زيارته لياد فاشيم ليذكر بضحايا المحرقة النازية, بينما لم يزر غزة,وكأنه يريد طمس جريمة إسرائيل.
5. وأنبرى يذكر بما حل باليهود على أيدي النازيون, ويتجاهل ماحل بالفلسطينيين واللبنانيين على أيدي الصهاينة.أو ماحل بالعراقيين والأفغان وغيرهماعلى أيدي القوات الأمريكية الغازية والمعتدية.
6. وتصريحه الغريب حين استقبل وفدا من مؤتمر المنظمات الأميركية اليهودية وقال لهم القدس مقدسة للمسيحين واليهود على حد سواء. وهو بذلك يهمل حقوق المسلمين في القدس وأماكنهم المقدسة.
7. خطابه في إحدى جامعات ألمانيا، بحضور مئاتِ الكهنة والرهبان الكاثوليك من شَتَّى أنحاء العالم الكاثوليكي, حيث عَمد إلى اقتباس حوارٍ دار في القرن الرابِعَ عَشَرَ بين الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني وفيلسوف فارسي حول دَوْرِ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم واقتطف البابا من هذا الحوار ما قاله الإمبراطور للفيلسوف: "أَرِنِي ما هو الجديد الذي جاء به مُحَمَّدٌ؟ إنك لن تَجِدَ إلا الأشياء الشريرة وغير الإنسانية،وتبشيره بالدين الذي جاء به بِحَدِّ السيف والإكراه.
8. ورَفض قداسة البابا الاعتذار للمسلمين على إهانِتِه وإساءته للنبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، مُكْتَفِيًا فقط بالإعراب عن أَسَفِه لتأذي مشاعر المسلمين بسبب بعض الكلمات التي وردت في خطبه.
9. وقوله في إحدى مقولاته انه يحترم المجتمع الاسلامي وليس الدين الاسلامي.
10. وأنه في زيارته سوى بين المجرم والضحية حين قال:أسمحوا لي أن أقول لشعوب هذه الأراضي كفاكم إسالة للدماء,كفاكم معارك,كفاكم إرهاب,كفاكم حرب….فليتم الإعتراف كونيا بحق إسرائيل في الوجود,والتمتع بالسلام والأمن ضمن حدود مقبولة ومعترف بها دوليا.. وبالطريقة ذاتها لنعترف بأن للشعب الفلسطيني الحق في وطن سيد ومستقل حتى يعيش في كرامة ويتنقل أفراده بحرية.
11. وأنه لم يأتِ لِيَحُجَّ كما سبق وأعلن. وإنما جاء لِيَسْتَفِزَّ المسلمين، ويُعْلِنُها صراحةً، أنه أتى خدمةً لليهود، بعدم إصرارُهُ على عدم الاعتذار للمسلمين عن إساءاتٍ سابقةٍ، ودخوله مسجد أردني منتعلا حذائه وإعلانُه إنشاءَ أوَّلِ جامِعَةٍ تبشيريَّةٍ في الأردن، وتصريحه أن زيارته تَوْثِيقٌ للعلاقات التي تربط الكنيسة الكاثوليكية باليهود شَعْبًا ودولة.
12. ودعوته من على جبل نبو الذي يُقَدِّسُه اليهود المسيحيين واليهودَ إلى المصالحة.قائلًا إن الحج إلى الأراضي المقدسة يُذَكِّرُنَا بالرابط غيرِ القابل للكَسْرِ الذي يُوَحِّدُ الكنيسةَ والشعبَ اليهودي،رغم أن الكتاب الْمُقَدَّسَ يشير إلى أن اليهود هم مَنْ صلبوا السيد المسيح.
13. لم يكن قداسة البابا حياديا أو متوازنا في تصرفاته أثناء زيارته. حين لم يحترم مواقف الكنائس الشرقية والقبطية التي ترفض الاحتلال الاسرائيلي وممارساته الارهابية بحق الشعب الفلسطيني.
لهذه الأسباب أعتبرت زيارة البابا غير موفقة و لم تحقق اي هدف من اهدافها سوى دعم مجاني من قداسة البابا للعدوان والارهاب الاسرائيلي, وتجاهل منه لما يحظى السيد المسيح وأمه مريم من قداسة ومكانة وتقدير وإحترام في الدين الاسلامي, وبكل ماورد في القرآن الكريم بخصوصهما من آيات قرآنية. ومحاولة منه كسب اليهود على حساب باقي الديانات الأخرى. وعلى الرغم من أن البعض يبرر لقداسة البابا تصرفه على أن قداسته يعرف أن إسرائيل باتت تستشعر أن وجودها في خطر وأن زعمائها متشنجين وساخطين ويستشعرون الخطر من أن يكون المشروع الصهبوني على حافة الإفلاس,وأنهم باتوا غير قادرون على أن يصيخوا السمع سوى لمن يواسيهم ويمدحهم ويعلن لهم عن وقوفه بجانبهم, أما صوت الحق والحكمة والمنطق فهم لايفقهون منه شيئاً. وبات عبئا عليهم يثقل كاهلهم ويزعجهم ولايطيقون سماعه.ولذلك رغم أن قداسة البابا قرر أن يفتح ببعض تصرفاته وكلامه قنوات وأنفاق ومعابر بينه وبين عقول الاسرائيليين لعل وعسى يلامس مسامعهم عله ينجح في تبديل سلوكهم ليبدلوه أو يغيروه كي يكون سلوكهم بوضع مقبول على الأقل لكي يقنع الآخرين.
ولكننا نقول لقداسة وغبطة البابا: أن نظام إرهابي وإجرامي كإسرائيل أو إدارة أمريكية مجرمة كإدارة جورج بوش أو غيرها شردا العباد وأمتهنا شتى أساليب القمع والارهاب والاجرام , وأنتهكا حرمات الناس وعاثا فسادا في الأرض لايجوز السكوت عن جرائمها أو التغاضي عنها أو تجاهلها فلايجوز شرعا التحالف معهما في حروبهما أو أعتداءاتهما, أو حتى معاملتهما بهذا الاسلوب الذي لايستحقانه.فمن يستحق الوقوف معهم ودعمهم ومساندتهم إنما هو الضحايا من أمثال الشعبين العربي والاسلامي والفلسطيني والعراق واللبناني.