مصدر سوري : عندما نتلقى أفكارا جديدة للسلام سنرد بوضوح
بعد أربع سنوات من القطيعة الدبلوماسية وفيما يُنتَظر الإفراج عن اسم السفير الأمريكي الجديد الذي ستشكل عودته إلى سورية المؤشر الرسمي على عودة علاقات البلدين إلى حالتها الطبيعية،
أكد مصدر سوري رفيع لـ ‘القدس العربي’ أن تفويض الإدارة الأمريكية لمبعوثها جورج ميتشل في بحث جميع الملفات الخلافية بين دمشق وواشنطن خلال لقائه المسؤولين السوريين بدمشق كانت خطوة منتظَرة وضعت الكثير من القضايا في سياقها المطلوب.
وأضاف المصدر أن ميتشل كان يحمل معه إجابات لكثير من التساؤلات السورية التي نقلها مسؤولون سابقون زاروا دمشق للإدارة الأمريكية، وأن أوباما أعطى ميتشل هامشا واسعا خلال وجوده بدمشق لبحث ملفات العراق ولبنان وفلسطين والعلاقة مع حزب الله وحماس وإيران يضاف إليها ملف العملية السلمية بطريقة الاستماع للسوريين وليس الإلقاء عليهم، الأمر الذي أدى إلى نجاح الزيارة بشكل لافت حسب وصف المصدر السوري، مؤكداً أن دمشق كانت قد شددت في الآونة الأخيرة على نقطتين الأولى تتعلق بضرورة تحديد الإدارة الأمريكية سياستها تجاه سورية بشكل واضح بحيث تبني الدبلوماسية السورية خياراتها تجاه واشنطن على هذا الأساس، والثانية أن إدارة أوباما مخطئة عندما تتأخر في إعادة سفيرها إلى دمشق وأنه من الأفضل أن يكون السفير الأمريكي في سفارته بسورية لأن هذا الأمر يسهل حل الكثير من القضايا.
وتابع المصدر أن الإدارة الأمريكية اقتنعت أن حل الملفات العالقة يعتمد على مبادرات من طرفها وليس من دمشق، ولهذا كانت أمريكا هي المبادِرة بسلسلة من الزيارات والخطوات آخرها الإعلان عن إعادة السفير الأمريكي، لافتا إلى أن الطريق بعد عودة السفير الأمريكي سيكون معبرا للقاء يجمع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون وأن هكذا لقاء لن يكون ترتيبه صعباً لأن مقدماته ستكون قد نضجت تماما ودون أية عراقيل حقيقية، وأن سورية أصرت على تعيين السفير الأمريكي قبل أية خطوة تطبيعية لعلاقات البلدين، لأن عودة السفير تحمل دلالات غير قابلة للتأويل بأن دمشق قد ربحت الجولة النهائية من مباراة عض الأصابع الجارية منذ سنوات بين البلدين من جهة، ولأن بقية الترتيبات ستستند إلى عودة السفير.
وفي جديد ملف العملية السلمية بين دمشق وتل أبيب، كان لافتا ما ذكرته صحيفة ‘هآرتس’عن مبادرة سلام تعكف على بلورتها إدارة أوباما بين سورية وإسرائيل تقوم بتحويل قسم من الجولان إلى محمية طبيعية متاحة للسوريين والإسرائيليين، وتشمل المبادرة انسحاباً إسرائيليا، وتفكيك المستوطنات، مقابل خطوات سورية أهمها وقف مساندة فصائل المقاومة الفلسطينية، والابتعاد تدريجياً عن إيران، وهنا علق المصدر السوري أن سورية لم تتلق أفكاراً جديدة بخصوص عملية التسوية وعندما تردها أية أفكار سيكون ردها واضحاً وصريحاً مضيفاً أن سورية لن تقبل بأي حل لا يضمن حقوقها كاملة.
وكان ميتشل قد سمع من الرئيس الأسد أنه لن يكون هناك تفاوض قبل أن تعلن إسرائيل رسميا وعلناً أنها تريد الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وأن سورية تريد تحقيق السلام ولكن ليس بأي ثمن، وأنه يجب توافر إرادة وشريك في إسرائيل، كما أن الأسد يصر في كل مناسبة على التأكيد بأنه ليس هناك شريك سلام للجلوس معه إلى طاولة مفاوضات واحدة.
وعلى خط دمشق ـ بيروت تؤكد المعلومات التي رشحت في هذا الاتجاه أن سورية حذرة جدا في تعاطيها مع الملف اللبناني بحيث لن تفسح المجال أمام أي حديث من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية أو الضغط على حلفائها أو التأثير في قراراتهم، سيما ما يتعلق بتشكيل الحكومة التي يجري العمل عليها داخل لبنان.
بالمقابل أفصح المصدر عن أن ‘أطرافاً’ عديدة ـ لم يسمّها ـ ما تزال تعمل عبر محاولات اللحظة الأخيرة على عدم رفع درجة الحرارة بين واشنطن ودمشق إلى الحد الذي تصبح فيه علاقات العاصمتين طبيعية، وتشدد تلك الأطراف على أنه من غير المقبول مكافأة سورية بعلاقات دبلوماسية كاملة بعد سنوات أثارت خلالها المتاعب في المنطقة، وتصر تلك الأطراف على أنه ما كان لدمشق العمل على تهدئة الأوضاع في المنطقة لولا الضغوط الكبيرة التي مورست عليها، وربط المصدر بين إثارة ما يسمى الملف النووي السوري والادعاءات التي سيقت في هذا الإطار مؤخراً وبين الانفراجات الحقيقية التي حصلت على الأرض مؤخراً وتوقع مزيداً من الضغط في هذا الملف حصراً لأنه لم يعد بالإمكان اللعب سيما إذا أخذنا بالحسبان أن النظام السياسي في أمريكا هو من النوع التنافسي الذي توجد بداخله عدة تيارات، بعضها عمل مع إدارة بوش السابقة.
وفي نفس السياق قال المصدر ان المعلومات الواردة من العاصمة واشنطن تشير إلى امتعاض تلك الأطراف من النشاط الدبلوماسي المحموم الذي يقوم به الرئيس الأسبق جيمي كارتر في المنطقة وخاصة تصريحاته الأخيرة بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق بأن ‘الرئيس باراك أوباما يريد علاقات كاملة مع سورية قائمة على أساس التعاون، وأن هذا الأمر يعني رفع العقوبات في المستقبل وتعيين سفير أمريكي في دمشق’، كما لم يرُق لها تطور العلاقة بين الأسد ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي جون كيري إلى حد قيام الأخير بدور الوسيط بين أوباما والأسد.
وتؤكد التقارير أن دمشق نجحت خلال الأسابيع الأخيرة في وضع اللمسات الأخيرة لاستقطابات إستراتيجية تدعم موقفها وتستند إليها إذا ما طرأ أي جديد، فكانت أن نضجت علاقات سورية إيرانية وسورية ـ تركية بطريقة يصعب اختراقها، ولم يكن مستغربا لدى دوائر القرار الغربية والأمريكية أن تسمع كلاماً من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في دمشق عن أن ظروف المنطقة والعالم تتجه بسرعة لمصلحة مواقف إيران وسورية، ليحط الرئيس التركي عبد الله غول بعد أسبوع فقط في سورية ويصفها بأنها بوابة تركيا إقليميا، وحسب بعض المتابعين فإن المستوى الذي وصل إليه التنسيق بين سورية وإيران من جهة وسورية وتركيا من جهة أخرى شكل عاملاً ضاغطاً على حسابات واشنطن وهي التي تدرك جيداً حجم إيران وتركيا ودورهما في المنطقة وتدرك أيضا معنى أن ترتبط دمشق بعلاقات إستراتيجية معهما.
هذا، ويعلق المراقبون على تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إيان كيلي والذي قال أن ‘دور سورية في المنطقة لا يزال يثير مخاوفنا وأن إحدى الوسائل لمواجهة هذه المخاوف هي أن يكون لنا سفير في دمشق’، بأن هذا الكلام لا يخرج عن إطار حفظ ماء الوجه أمام أطراف عديدة كانت أمريكا قد قطعت عهداً لها بأن السفير الأمريكي لن يعود إلى دمشق قبل تأديبها وضبط سلوكها ‘المنفلت’، ويرى هؤلاء أن دور سورية ـ حسب النظرة الأمريكية ـ كان يثير الخوف في ما مضى أكثر من الوقت الحالي فلماذا لم تُعد واشنطن سفيرها لمواجهة تلك المخاوف آنذاك، وكانت الولايات المتحدة أعلنت رسميا أنها قررت إعادة سفيرها إلى سورية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ايان كيلي، خلال مؤتمر صحافي، ‘أن واشنطن أبلغت كلاً من السفارة السورية في واشنطن والخارجية السورية في دمشق ان الإدارة قررت إعادة سفيرها إلى سورية’، ويرى المراقبون في سورية أن رسالة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باراك أوباما إثر فوزه بانتخابات الرئاسة كانت مؤشرا على أن دمشق قرأت مبكرا التغيير الذي سيحصل في واشنطن وكانت على يقين من نتائج هذا التغيير سياسيا، رغم التحفظات التي أطلقها المسؤولون السوريون خلال الأسابيع الأولى من تولي أوباما.