خبث مصطلحات الغرب (الاستعماري) بقلم حسن عثمان
لقد كنّا تحدّثنا في مقال سابق عن المصطلحات والأفكار، التي استخدمها الغرب ( الاستعماري ) منذ مجيئه إلى أراضينا، وإلى الآن. وكنّا قد نوهنا إلى مصطلح التطبيع الذي طالب به السيد أوباما من بعض حكّام العالم العربي. طبعاً، التطبيع هو كغيره من المصطلحات الاستعمار
( حيث يحترق بجاذبيته أبناء الشعوب المستعمَرة، حال الفراشة التي تنجذب نحو نور الشمعة أو شعلة النار )، و ثانيهما مخفي و غير مرئي، وهو الأهم والأخطر وخطورته تكمن في غيابه عن نظر الكثيرين . طبعاً التقدير هنا والتمييز بين ظاهر وباطن المصطلح مرتبط ارتباطاً وثيقاً بدرجة الوعي القومي لشعوب العالم العربي. لذلك نجد عندما يكون المصطلح الاستعماري مفضوح لشعوب العالم العربي يعتمد الغرب ( الاستعماري ) في نشره على حكّام العالم العربي ( Remote Control ) ، دون الأخذ بعين الاعتبار لهذه الشعوب، وشعارات الديمقراطية والحرية التي يتغنون ويلوحون بها بين هذه الشعوب حين يجدون أنّ الأمر والمصلحة الاستعمارية تقضي ذلك. والتطبيع صراحة، لا يحتاج لمن يقول له أنك سياسة استعمارية تكرّس اغتصاب فلسطين، وتعزز انقسام العالم العربي إلى كيانات وإمارات وفقاً لسايكس بيكو ولخطة اليهود المستقبلية بشأن منطقتنا، وبالتالي استمرار وجود الغرب الاستعماري في بلادنا. وبذلك نفهم المطالبة بتطبيقه من خلال تقنية التحكم عن بُعد ( Remote Control ).
الثلاثاء الماضي، تكررت هذه الممارسة الاستعمارية من قبل بريطانيا، عندما طالب ، وزير دولتها لشؤون الشرق الأوسط، ( افن لويس ) الشام في استخدام نفوذها لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين ( جريدة القدس العربي – العدد 6273 ). طبعاً مثل هذا الكلام يُنادي به الكثيرون من أصحاب الفكر( الاستعماري ). هذا الكلام ماذا يعني وفقاً لدرجة الوعي القومي التي نرى من خلالها:
هنا يُريد الوزير، افن لويس ، باستخدامه للمصطلح الاستعماري ( الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي )، إخراج الشام ( أحد أهم كيانات الأمة السورية ) من دائرة الحرب والتي هي من المفترض أنها وجودية بالنسبة له مع اليهود، بمعنى آخر إبعاد الشام عن محيطها، وإغفال حقّها الطبيعي في جنوبها ( فلسطين المحتلة ).هذا المصطلح الجديد ( الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي )، استفاد منه الغرب ( الاستعماري ) بعد معرفتهم التامة بزوال واندثار الشعارات السابقة للعالمين العربي والإسلامي ( الصراع العربي – الإسرائيلي ، والصراع الإسلامي – الصهيوني)، وانكشاف بازار الكلام والشعارات للحاكمين في كلا العالمين.
لبنان الذي دخل بقوة في مواجهة اليهود من خلال مقاومته الوطنية، أثبت قوته الحقيقية. وأكّد ليس فقط على حقه بالبقاء عزيزاً كريماً، وإنما حقه بالمواجهة والقدرة على العمل على تحرير فلسطين المحتلة، كمسار حياتي طبيعي جداً، قائم على حقيقة وجوده كمكمّل للمحيط الجغرافي الذي ينتمي له، وداعم لحقيقة الأمة السورية. لبنان هذا ، الغرب ( الاستعماري )، ومنذ انتباهه إلى ظهور بوادر النضوج الفكري والقومي لديه ، عمد ويعمد على تدمير حقيقته وتغيير مساره في مواجهة اليهود( العصب الاستعماري في منطقتنا). وما أتى به الوزير البريطاني من مصطلح ( الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي )، إلى دمشق هو إنهاء لهذه الحقيقة عند الشاميين أيضاً، فهل سينجح في ذلك ؟. أي بالمختصر هذا المصطلح هو للتأكيد وللمرة الألف على سايكس بيكو واستمرارها، ولو لم يتم إعلان ذلك صراحة، فهذا المصطلح كغيره يمتاز بوجهان (ظاهر جذاب مُحرق ، ومخفي هدام ).
برأيكم لماذا لم يدعِ هذا الوزير ومعه الغرب ( الاستعماري )، إلى استخدام الشامي لنفوذه لأجل تحرير فلسطين ( كل فلسطين ) والفلسطينيين ؟.لماذا لا يدعوه إلى استخدام نفوذه لدعم حركات التحرر الفلسطينية، وطرد اليهود المغتصبين، ومن ثم يتحقق السلام ؟
يقول الوزير البريطاني في سياق حديثه وبحسب المصدر السابق " نحن نعتقد أنه توجد الآن فرصة هامة جداً لم تكن موجودة في الماضي لتسوية أحد أقدم وأشد الصراعات في العالم وهو الصراع في الشرق الأوسط، ونعتقد أن هذا من شأنه أن يتحقق فقط إذا تم تحقيق حل الدولتين وإذا تم إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وضمان أمن إسرائيل وتحقيق السلام الشامل بين سورية وإسرائيل … " .
نسأل السيد الوزير المحترم، وندلل على كلامه( الاستعماري ) الواضح :
هل كنّا سنحتاج لفرصة هامة( كما تدعي) وغير هامة، لو أنّ بريطانيا العظمى ( الاستعمارية ) لم تدعم اليهود في اغتصاب وسرقة فلسطين، من خلال دعم الهجرة، وتصريح بلفور اللاأخلاقي، وكل ذلك تحت مصطلح استعماري سابق ( الانتداب ) ؟؟؟؟.نسأله أحد أقدم وأشد الصراعات في العالم، من أقامه الفلسطينيين ؟؟؟ أم مملكته العظمى وحكوماتها الاستعمارية السابقة وغيرها من حكومات الغرب ( الاستعماري) ؟؟؟
وبعد أن يُغيّب كل هذا، يُتابع الوزير العظيم كلامه، ( والذي لا يُفهم منه إلا استهباله واستخفافه بعقولنا )، ليقول لنا أنّ حل الدولتين هو الذي يُنهي الصراع. وإذا دققنا في كلامه أيضاً سنجد الهم الاستعماري الذي يشغله ويُفكر به "….. تم إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وضمان أمن إسرائيل". يعني ليس المهم ما ستكون عليه الدولة الفلسطينية، والمهم هو حماية اليهود، وأمن المستوطنات، وإبعاد الخوف عنهم وعن أطفالهم. أمّا الفلسطينيون فليذهبوا للجحيم. يعني الذي يُنهي الصراع بنظره، فقط مساحة من الأرض يتم تجميع الفلسطينيين بها، يتوفر بها الأكسجين الكافي للبقاء على قيد الحياة. أمّا بقية المقومات الأخرى يتم التفاوض عليها لاحقاً وليست ضرورية الآن.
نشير ونوضّح ونتمنى على كل من يؤمن بحل الدولتين، وإقامة السلام، أن يعي حقيقة الاستعمار وكيف يُفكر، أن يعي بأنّ مسيرة الاستعمار و مصطلحاته لن تنتهي إلا بنهايتنا. وأنّ ما جاء به الوزير البريطاني لا يختلف عن تفكير أسلافه الاستعماري ، ولن يختلف عن تفكير من يأتي بعده، إذا بقينا في استمرار تجاهل مصالحنا القومية العليا، و تجنب الثقافة المغذية للوعي القومي الحقيقي.
مفيش مصطلح مفيد