قل كلمة حق أو أسكت يا “تميمي”..! بقلم د. صلاح عودة الله
مرة أخرى وكعادته يطل علينا “الشيخ” محمد أسعد بيوض التميمي بمقالة تخلو وتفتقر للموضوعية والواقعية في وقت تمر فيه قضيتنا الفلسطينية بحالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى من يقول كلمة الحق والخير لرص الصفوف وليس الى تفريقها أكثر مما هي عليه من فرقة.
فقد قرأت مقالة التميمي والتي حملت عنوان"أعوذ برب الناس من شر ما فعلت حماس", والمقالة هذه تدور حول قيام حركة حماس بقتل الدكتورعبد اللطيف موسى أمير حركة جند أنصار الله، وإنهاء حركته التي أعلنها في قطاع غزة، وقد اعتبر التميمي أن "جريمة" قتل الدكتور موسى لا يمكن ان تغتفر, وتساءل الكاتب وهو نجل مؤسس حركة الجهاد الاسلامي عن الأسباب الي دعت حركة "حماس" إلى الرد العنيف بهذا الشكل وقال, هل "تحكيم الشرع مخالف للقرآن والسنة ويُغضب الله أم أنه مُخالف لميثاق وأنظمة حماس"، كما تساءل هل السبب الحقيقي هو قيام حركة جند أنصار الله بخرق "الهدنة مع العدو عندما قامت هذه الجماعة بالهجوم على اليهود في معبر بيت حانون وأوقعوا خسائر فادحة في العدو,هذه الهدنة التي تلتزم بها حماس من جانب واحد", وأضاف التميمي مخاطبا قيادة حركة حماس قائلا:ان الشيخ عبد اللطيف موسى"قد يكون" أخطأ عندما أعلن عن الإمارة الإسلامية في الزمان والمكان غير المناسب, ولكن ما فعلتموه بالشيخ وأتباعه لا يُبرر فعلتكم الشنيعة".
والى الكاتب أقول, انني ضد الاقتتال الفلسطيني الداخلي وبغض النظر عن"أبطاله وممثليه", فالسلاح الفلسطيني له وجهة واحدة وصدر واحد يجب أن يوجه اليه وهو العدو الصهيوني الذي اغتصب الأرض الفلسطينية في عام النكبة وأكمل احتلال ما تبقى منها بعد أن هزم أربعة جيوش عربية في عام النكسة.
لقد أخطأت حركة حماس عندما دخلت العراك الانتخابي قبل ثلاثة أعوام ونصف, فهي حركة مقاومة ولا يمكنها شد طرفي الخط, بمعنى الدخول في السلطة والاحتفاظ بالمقاومة..فالدخول في السلطة والتي هي وليدة اتفاقية أوسلو المشئومة يوجبها احترام هذه الاتفاقية وما نتج عنها من اتفاقيات فرعية, وفعلا هذا ما لاحظناه, فقد بدأت حركة حماس بالتراجع عن مقاومتها بشكل واضح لا يختلف عليه اثنان, وكذلك بدأت بالتراجع عن خطها السياسي, فمن مطالبتها بفلسطين التاريخية من بحرها الى نهرها, بدأت تطالب بدولة بحدود عام النكسة كخطوة مرحلية حسب ادعائها, وبدأت بعقد صفقات الهدنة مع الكيان الصهيوني, مما يعني الاعتراف بوجوده ضمنا فلا هدنة مع الهواء أو أي شيء اخر لا وجود له.
لقد ارتكبت حركة حماس الكثير من الأخطاء بحق أبناء شعبنا, تماما كما فعلت حركة فتح..فالاقتتال الداخلي الدموي بين الحركتين والذي لا مبرر له بل انه أمر تقشعر له الأبدان, وراح ضحيته المئات من الضحايا ناهيك عن الجرحى..انه أمر مرفوض جملة وتفصيلا, ومما يفلقني يا تميمي أن الاقتتال كان يدور بين حركتين, واحدة تدعي انها حركة اسلامية بحتة, والثانية الغالبية العظمى من مؤيديها وأنصارها وكوادرها هم مسلمون, ولكن الكراسي يا تميمي أعمت قلوبهم جميعا.
لقد أضافت حركة حماس عاملا اضافيا وعبئا ثقيلا ينوء بحمله أبناء شعبنا في قطاع غزة, وذلك من خلال ممارساتها التي أدت أيضا الى الغاء مفهوم"الوحدة" لحساب منظورها الفئوي, مما أدى في نهاية المطاف الى
تشجيع نمو بعض التيارات العدمية الرجعية المتخلفة باسم الدين أو أوهام الإمارة الإسلامية، فالوحدة المطلوبة هي تلك الموجهة إلى مجابهة العدو الصهيوني الأمريكي ومشاريعه، الوحدة التي تقوم على رفض كل مظاهر الفساد والاستبداد وقمع حرية الرأي والتعبير والحريات العامة وتعزيز الصمود والتوافق على إستراتيجية للصمود والمقاومة بكل أشكالها في الضفة والقطاع، الكفيلة وحدها بضمان التأييد الشعبي الفلسطيني والعربي إلى جانب التضامن الفعال لدى كل المناصرين لقضيتنا في العالم..باختصار شديد, لقد ارتكبت حماس معظم الأخطاء التي ارتكبتها حركة فتح عندما كانت منفردة في السيطرة على السلطة وكانت حماس أول منتقديها جراء تصرفاتها الخاطئة.
لقد كان الاقتتال بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي قاب قوسين أو أدنى, مما يدل على أنه لا اتفاق حتى بين الحركات الاسلامية نفسها, فقد نسيت هذه الحركات وجود عدو مشترك وأصبحت تتاجر بالدين الحنيف, وتدعي كل واحدة من هذه الحركات أنها هي الأصح وأن نهجها هو الأصوب.
وقبل التطرق للعلاقة التي تربط بين حركة حماس وحزب التحرير, لنعرج قليلا على بعض أفكار هذا الحزب..فالجهاد حسب فهمي وادراكي فرض عين على كل مسلم ومسلمة وغير مرهون بوجود كيان, ولكن هذا الحزب يقول أنه من الواجب أولا أن يقيم الخلافة الاسلامية الراشدة ومن ثم الجهاد, والسؤال الذي يطرح نفسه, متى ستقوم هذه الخلافة وكيف؟..انه حزب الشعارات وان كنت أحترم متبعيه لكونهم موضوعيين في النقاش وبعكس متبعي الاخوان المسلمين ومن يكملهم في فلسطين وهي حركة حماس.
من المعروف يا تميمي أنه يوجد عداء تاريخي بين الاخوان المسلمين وامتدادهم في فلسطين وبين حزب التحرير, فعلى مستوى الوطن لا يكاد التحريري يسمع عن حماس الا أن يقوم باطلاق جوابه المعروف, حماس لا أساس لها, انها فئة خرجت على الاجماع الاسلامي بدخولها السلطة وهرولتها وراء الكراسي, وراء مصالحها الفئوية الضيقة..فماذا تقول يا"شيخنا"؟.
ان كفاح الشعب الفلسطيني نحو التحرير خاضه المناضلون الفلسطينيون على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والدينية, ففلسطين للجميع والدين لله, وهنا أستذكرالمناضل الراحل الدكتور جورج حبش حكيم الثورة الفلسطينية وضميرها ومفكرها, هذا المناضل الذي أسس حركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, هذه الجبهة التي قام أبطالها بايصال أسم فلسطين وقضية شعب فلسطين الى كافة أرجاء العالم عندما كانوا يقومون باختطاف الطائرات وكان عقلهم المدبر الشهيد وديع حداد اليد اليمنى للراحل جورج حبش.
أريد أن أذكرك يا تميمي بمقالك الرخيص والذي قمت فيه بالهجوم على الراحل جورج حبش عندما اتهمته بأنه صليبي ماركسي لينيني عدو لله وللعروبة والاسلام, ولا أريد هنا الرد على هذا المقال, فقد قمت والعديد من الاخوة والرفاق بالرد عليك واضعينك في"خانة اليك".
لقد شبعنا منك ومن الحركات الاسلامية كلاما معسولا بما فيه الكفاية, وان كنا نحترم ونبجل كل مقاوم وطني واسلامي يدافع عن الوطن في سبيل نيل الحرية والاستقلال..الوطن المغتصب من بحره الى نهره, ففلسطين لا تقبل القسمة على اثنين.
انني لا أنظر للفلسطيني من منظارك محدود الأفق, فالفلسطيني بالنسبة لي هو فلسطيني وبغض النظر عن انتماءه, فقد يكون مسلما أو مسيحيا أو ماركسيا لينينيا أو حتى بوذيا..المهم في الأمر أن يؤمن بأنه فلسطيني وأن فلسطين محتلة ويجب تحريرها.
مرة أخرى, أقول يا تميمي انني وقفت وما زلت أقف ضد أي اقتتال داخلي فلسطيني, ولقد قلنا بأن الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس مرفوض جملة وتفصيلا, واننا ضد التيار الفتحاوي الانقلابي الذي كان يخطط للسيطرة على قطاع غزة وضرب المقاومة الفلسطينية فيها بأمر من أسياده الأمريكان والصهاينة وكذلك بعض قادة وزعماء العرب.
مما لا شك فيه أن حركة حماس وبعد نجاحها في حسمها العسكري تخطط لاقامة امارة اسلامية في قطاع غزة, ومما لا شك فيه أيضا انه ان كان بوسعها القيام بنفس العمل في الضفة الغربية لقامت بذلك, منطلقة من مبدأ غزة أولا..ان هذا هو ما يريده العدو الصهيوني, اقتتال فلسطيني داخلي ليخلو له الجو وليقوم بسحق الجميع..وما خطاب نتنياهو الأخير بعد فوزه في الانتخابات الصهيونية لهو خير دليل على ما أقول, فقد تكرم بمنح الفلسطينيين دويلة منزوعة السلاح والاقتصاد وكذلك الهواء.
حماس تناضل من أجل اقامة امارة اسلامية في قطاع غزة, وفتح تريد الحفاظ على"دايتونية" رام الله والسيطرة من جديد على غزة بعد تحريرها من"العدو" والقضاء عليه, ويطل علينا من قمت بالدفاع عنه في مقالك ليعلن اقامة امارة اسلامية في بيت المقدس بدءا من رفح, بمعنى اقامة امارة داخل امارة, الأمر الذي رأته حماس انقلابا على شرعيتها تماما كما تنظر سلطة رام الله الى حماس بأنها انقلبت على شرعيتها وها هو أبو مازن بصدد الاعلان عن قطاع غزة بمثابة اقليم متمرد.
بامكاني القول بأننا مبتلون الان بجماعات سلفية، تشترك جميعاً، على ما يفرق بينها، في خاصية جوهرية هي أن أيا منها لا يمكنه أن يؤكِد وجوده الاَ بسلبية مدمرة قوامها تكفير غيره من الجماعات، والغالبية العظمى من العامة من المسلمين، وفَهْم قتلهم وإيذائهم والاعتداء عليهم، وعلى ممتلكاتهم، على أنها أعمال لا تختلف في شيء عن جوهر عقيدة الجهاد في سبيل الله.ولقد جاءت تجارب "السلفية الجهادية" بما يؤكد أن أعداءنا الحقيقيين نجحوا في توجيه "القوة التدميرية" لتلك الجماعات نحو الداخل، فهيأوا لها من المناخ ما شدد لديها الميل إلى أن تتحول من "انفجار نحو الخارج" إلى "انفجار نحو الداخل"..وكان يكفي أن تصاب تلك الجماعات بـ "عجز موضوعي" عن اكتساب النفوذ من خلال الجهاد ضد"إسرائيل" حتى تشتد لديهم الحاجة إلى "الطالبانية"، طريقاً ونهجاً لـ "إصلاح ذاتي"، يتخذ من "الإمارة" أداة لإقامة الحدود، ولتطبيق"شرع الله"، ولو كانت العاقبة النهائية هي تدمير البقية الباقية من الوجود القومي للعرب، وجعل "إسرائيل العظمى" حقيقة واقعة.
ان مقالك يا تميمي يبتعد عن الموضوعية ولا يمكن أن يصدر عن انسان تهمه قضية شعبه ووطنه, فكان الأحرى بك أن تقوم بنبذ العنف الفلسطيني الداخلي, فلا يعقل أن تقوم بالوقوف والتحيز الى فئة على حساب فئة أخرى, فصاحبك"عبد اللطيف موسى" ارتكب الخطأ الأعظم حينما انزوى في مسجد"ابن تيمية" وقام بالقاء خطبته التحريضية ضد حركة حماس ومعه المئات من أنصاره وبعضهم كان يحمل الأسلحة والأحزمة الناسفة,أي أنهم كانوا على استعداد للمواجهة وكأنهم في ساحة حرب مع العدو, ودعا الجميع لمبايعته على رأس الامارة الاسلامية الجديدة, وقد وصف الحكومات الفلسطينية الحالية بما فيها حكومة حماس ب"شياطين الانس" الذين يجب الخروج عليهم وتأييد امارته الجديدة..ألا يكفينا الانفصال الحاصل والمرير بين شقي الوطن المحتل, ليطل علينا صاحبك بانفصال ثالث, وهل هذا هو التوقيت المناسب لهذا الأمر؟..حرروا فلسطين وبعدها لكل حدث حديث.
وفي المقابل لقد اخطأت حماس عندما قامت بمعالجة الأمور حسبما قامت به, فكان من الواجب عليها التروي خاصة وأن قصفها أوقع العديد من الضحايا من النساء والأطفال, تماما كما فعل بها العدو الصهيوني الغاشم ولكن على نطاق أوسع عندما ارتكب مجزرته الأخيرة الوحشية والهمجية بحق أبناء شعبنا في غزة هاشم.
نعم يا تميمي لقد ابتعدت كل البعد عن الواقعية والموضوعية في مقالك وكعادتك, وما مقالك الا الكاز الذي قمت بصبه على النار ليزيد اشتعالها..انك لم تقم بتطبيق أبسط القواعد التي نصت على حرمة اقتتال المسلمين, فمنذ طفولتي وأنا أحفظ عن ظهر قلب الحديث النبوي الشريف:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار, فقيل يا رسول الله, هذا القاتل فما بال المقتول؟, قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه"..والحديث واضح وضوح الشمس ولا داعي لشرحه.
ان المطلوب يا تميمي ليس اقامة امارة اسلامية هنا, أو اقطاعية دايتونية هناك, انما المطلوب هو أن نقوم باعادة المضمون الحقيقي لشعار الوحدة الوطنية وتعدديتها السياسية والفكرية في إطار الممارسة الوطنية الديمقراطية الجماعية لكل فصائل وحركات وأحزاب القوى السياسية الفلسطينية من ناحية ولكل أبناء شعبنا الفلسطيني من ناحية ثانية، كطريق وحيد وأوحد للصمود والتلاحم الشعبي الذي يوفر كل عناصر المقاومة الوطنية بكل أشكالها السياسية والمسلحة الهادفة إلى كسر الحصارالظالم عن القطاع وتحقيق أهداف شعبنا في التحرر والاستقلال الكامل والديمقوراطية والعدالة الاجتماعية..فهل تشاركني الرأي يا رعاك الله؟.
نعلم يا تميمي انك منحاز الى التنظيم الذي أسسه والدك المرحوم أسعد بيوض التميمي خطيب المسجد الأقصى المبارك الأسبق, ومنذ نعومة أظفاري وأنا أسمع عن هذا الرجل الشهم..الرجل المناضل المجاهد العادل..انه الشيخ أسعد بيوض التميمي, ولكن منذ متى وجب أن يكون ابن الشيخ شيخا يا محمد؟, وليس كل من حمل القلم أصبح كاتبا, والعار كل العار للأقلام التي تفقد صوابها..!.