تعثر حكومة الحريري يهدد المصالحة السعودية السورية.. ومصر ‘لا تعتبرها ملزمة’
اكدت مصادر دبلوماسية مصرية لـ’القدس العربي’ ان زيارة الامير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الداخلية السعودي، الى القاهرة التي بدأتامس وحمل خلالها رسالة من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى الرئيس المصري حسني مبارك
تهدف الى اطلاع القيادة المصرية على نتائج زيارة الملك عبدالله الى دمشق، وتطويق بوادر فتور مصري ـ سعودي بدأ يتطور بسببها عكسته بعض التقارير الصحافية الرسمية المصرية، وبدء مساعي وساطة سعودية لإحداث تقارب مصري ـ سوري.
الرئيس السوري بشار الاسد اظهر حفاوة غير عادية بضيفه السعودي، وقلده اعلى الأوسمة السورية، فهذه هي الزيارة الاولى للعاهل السعودي الى دمشق منذ توليه العرش، وجاءت بعد قطيعة وحرب اعلامية طاحنة بين البلدين انعكست بشكل جلي على الساحة اللبنانية. فالرئيس السوري زار الرياض اكثر من مرة كان آخرها قبل اسبوعين اثناء مشاركته في حفل افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، بينما لم يقم العاهل السعودي بزيارة دمشق منذ توليه العرش عام 2005.
السعوديون، مثلما قال مصدر دبلوماسي في بيروت، يريدون انعكاسا فوريا لزيارة العاهل السعودي لدمشق على شكل تسهيل سورية تشكيل حكومة لبنانية بزعامة السيد سعد الحريري، وابتعاد سورية عن ايران، تماما مثلما ابتعدت كليا عن نظام الرئيس العراقي الراحل اثناء حرب تحرير الكويت، والوقوف في المعسكر الخليجي اذا امكن، ولكن الحكومة السورية تتريث، وتريد حصر زيارة العاهل السعودي في ميدان توثيق العلاقات الاقتصادية فقط في هذه المرحلة.
الاوساط الاعلامية السعودية شبه الرسمية بدأت تبدي تذمرا مكبوتا، وتوجه رسائل ‘ملغومة’ الى القيادة السورية مفادها انه اذا لم تلب هذه القيادة المطالب السعودية في الابتعاد عن حزب الله وايران، فإنها ‘قد تخسر المملكة العربية السعودية الى الابد’.
فبعد اقل من ثلاثة ايام على انتهاء زيارة العاهل السعودي لدمشق بدأت صحف سعودية في انتقاد سورية، او ابداء امتعاضها من استمرار تحالفها مع ايران، وتأجيل تشكيل الحكومة اللبنانية، مذكرة بان السعودية لن تضحي بمصالحها في لبنان وتملك اوراقا قوية فيه.
ولاحظ مسؤول سعودي كبير في جلسة ضمت بعض السياسيين اللبنانيين والعرب، ان الرئيس السوري بشار الاسد ‘لم يعتذر’ لضيفه السعودي مباشرة عن وصفه لزعماء عرب دون ان يسميهم بـ’اشباه الرجال’ وهي العبارة التي اغضبت القيادتين السعودية والمصرية على وجه الخصوص، واكتفى بمنح العاهل السعودي وسام امية الارفع في سورية، وترك مهمة الاعتذار الى الدكتورة بثينة شعبان مستشارته السياسية والاعلامية، التي قالت نقلا عن الرئيس بشار في تصريح صحافي ‘اننا حين نذكر اسم الملك عبدالله الكل يعلم انه الملك العروبي الذي يؤمن بالعروبة والتنسيق العربي’.
وتظل ‘العقدة’ الاهم في العلاقات السورية ـ السعودية تلك المتعلقة بالضلع المصري ـ السوري في المثلث، فالتقارب السوري ـ السعودي اذا تم دون تقارب مصري ـ سوري، سيؤدي الى تعقيد العلاقة المصرية ـ السعودية دون جدال، على حد وصف دبلوماسي عربي في لبنان. فالقاهرة وقفت الى جانب القيادة السعودية في عزل نظيرتها السورية، وقاطعت قمة دمشق العربية قبل الماضية بشكل مهين تضامنا مع الرياض ولاسباب مصرية خاصة، وتبنت السياسة السعودية بالكامل في لبنان، وربما تشعر بالخذلان اذا ما تطورت العلاقات السورية ـ السعودية على حسابها.
صحيفة ‘الجمهورية’ المصرية الرسمية ابرزت ‘بعض العتب’ المصري على السعودية عندما انتقدت احتفاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز بنصر السادس من اكتوبر في دمشق وليس في القاهرة، وتمنت لو ان العاهل السعودي أجّل زيارته الى ما بعد الاحتفالات حتى لا يعطي رسالة خاطئة لمصر.
وربما من السابق لأوانه اصدار بعض الاحكام على نتائج زيارة العاهل السعودي لدمشق، والقول بان جهوده للوساطة بين مصر وسورية لم تحقق الثمار المرجوة، ولكن اتهام صحيفة مصرية رسمية لسورية وقطر بافشال المصالحة الفلسطينية يمكن ان يعتبر مؤشرا لحدوث خلل في هذا الاطار.
العاهل السعودي بذل جهودا كبيرة لاكمال ما بدأه في قمة الكويت الاقتصادية، على صعيد تحقيق المصالحة العربية، باستضافته قمة في الرياض بحضور الرئيسين المصري والسوري علاوة على امير الكويت وملك البحرين. ولكن الجفوة استمرت بين القاهرة ودمشق ولم يتحقق الاختراق المطلوب وتحولت قمة المصالحة الى قمة بروتوكولية.
مصدر سوري وثيق الصلة بقيادته قال لـ’القدس العربي’ ان الرئيس بشار الاسد مصمم على عدم زيارة القاهرة الا بعد ان يزور الرئيس مبارك دمشق. فقد زارها سبع مرات تقريبا دون ان يرد الرئيس مبارك بزيارة رسمية الى دمشق.
وما زاد من تدهور العلاقة بين دمشق والقاهرة مؤخرا موقف سورية وحلفائها من الفصائل الفلسطينية واللبنانية (حزب الله) من مصر اثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، من حيث الضغط على حركة ‘حماس’ من اجل رفض المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار في حينها.
ولفتت مصادر دبلوماسية خليجية الى عقدة اخرى في العلاقات المصرية ـ السورية، وهي ‘عقدة قطر’. فالقيادة السورية ‘تتمنى’ ان تشمل جهود المصالحة السعودية قطر، جنباً الى جنب مع سورية، باعتبارهما حلفا واحدا تعمق اثناء حرب غزة وقمتها، ولكن الرئيس حسني مبارك لا يريد ان يسمع باسم قطر، ويتهمها بأنها ألّبت الرأي العام العربي ضده شخصيا اثناء العدوان الاسرائيلي على غزة، عندما وظفت قناة ‘الجزيرة’ في هذا الصدد، وعملت، اي قطر، مع سورية وحزب الله لقلب النظام المصري، وهو ما تستغربه دولة قطر.
وحسب مصدر دبلوماسي في القاهرة فان القيادة المصرية تعتبر زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق تطورا طبيعيا لمبادرة المصالحة التي طرحها في قمة الكويت الاقتصادية في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، ولا تعتبر نفسها ملزمة بنتائجها، وتصر على التعامل مع ملف المصالحة بشكل اكثر شمولية، كما ورد في خطاب الرئيس حسني مبارك امام القمة نفسها.
ونفى المصدر ان تكون القاهرة منزعجة من الزيارة، مشيرا الى انه ‘لا مصالحة بدون مصر’.
كما ان القاهرة تحكم على مدى امكانية تحقق المصالحة بالافعال وليس بالاقوال، وتعتبر ان دمشق والدوحة مطالبتان باجراءات عملية شاملة بدلا من الاكتفاء بـ’التفلسف’ حول اهمية المصالحة، وبتبويس اللحى.
وبدت العلاقات المصرية ـ السورية مستعدة للتقدم عندما اعلن السيد خالد مشعل من القاهرة موافقته على الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية، وصدرت اشارات متفرقة من القاهرة حول وجود اتصالات تنسيق مع الجانب السوري، بعد ان كانت الحملات الاعلامية الشرسة عنوانا للعلاقات في بداية العام الجاري.
وبخلاف العلاقات السورية مع الرياض، فان القاهرة تحتفظ بأولويات اكثر الحاحا من الوضع اللبناني، وتشكل قضية قطاع غزة مصدر قلق خاص من امكانية استخدامه كرأس جسر لنفوذ التحالف السوري ـ الايراني. وليس وارداً ان تعود العلاقات لطبيعتها قبل حدوث تسوية مرضية لهذا الملف.
ولا ترى القاهرة مانعا من المشاركة في ‘موسم الانفتاح على سورية’ الذي تشهده عدة عواصم عربية وغربية، الا انها لن تذهب بعيدا قبل تسوية الاوضاع على الارض.
وعلى سبيل المثال تستغرب القاهرة المطالبة المتكررة من دمشق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، بينما تسعى سورية نفسها الى اقامة علاقات طبيعية تأسيسا على معاهدة سلام منفصلة مع تل ابيب.
كما تشعر القيادة المصرية بنوع من الجحود، نظرا الى ان الرئيس بشار قد لقي دعماً كبيرا من القاهرة عندما تولى الحكم خلفا لوالده الراحل حافظ الاسد، الذي كان دائم التشاور مع الرئيس مبارك رغم خبرته الكبيرة، بينما يفضل الرئيس بشار القيام بدور ‘المحاضر’.
ومع غياب ‘الكيمياء’ بين مبارك وبشار، فان المثلث المصري ـ السعودي ـ السوري، ربما اصبح تاريخا، اذ ان مصالح وتحالفات متضاربة اصبحت تحكم اطرافه.
قيام الرئيس مبارك اليوم بجولة اوروبية، تشمل كلاً من المجر وسلوفينيا وكرواتيا التي تعد الاولى لرئيس مصري لدول البلقان، يعرج بعدها على ايطاليا، التي تستغرق اسبوعا تقريبا، قد تفسر على انها انعكاس لعدم تحقيق الوساطة السعودية بين القاهرة ودمشق اي تقدم حتى الآن.
ما يمكن قوله ان هناك حالة من التململ في الاوساط الرسمية السعودية تجاه عدم حدوث اي رد فعل سوري ايجابي على زيارة العاهل السعودي الى دمشق على صعيد حدوث انفراج على جبهة تشكيل الحكومة اللبنانية حتى الآن.
فالجانب السعودي قدم لسورية كل ما تريد، خاصة إبعاد وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، والامير بندر بن عبدالعزيز مستشار الامن القومي عن الوفد السعودي الرسمي، وهما شخصيتان متهمتان بتوتير العلاقات بين البلدين من قبل القيادة السورية، وجرى استبدالهما بكل من الامير عبدالعزيز بن عبدالله نجل العاهل السعودي، والصديق الشخصي للرئيس بشار (والدته من اسرة فستق الفلسطينية) والامير مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز الاستخبارات السعودي (مسؤول ملف سورية)، والدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الاعلام والمسؤول عن الملف اللبناني بحكم عمله سفيرا لبلاده في لبنان.
خبير في الشأن السعودي قال لـ’القدس العربي’ راقبوا التحركات على الساحة اللبنانية، فأي تأخير لتشكيل الحكومة اللبنانية اكثر من المتوقع قد ينعكس حربا سعودية ـ سورية ضروساً يلعب الاعلام الدور الاكبر فيها، فصبر العاهل السعودي على سورية قد لا يكون طويلا، فهو رجل سريع الغضب اذا لم يقدر الآخرون مبادراته.