كلام لا علاقة له بالأمور السياسية….(5) بقلم العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
حيثما كنت في وطنك أو في بلد آخر فستجد مظاهر حضارية فيها الكثير من الروعة والفن والإبداع .وستسرك مناظر الأبنية التي تنتصب شامخة, أو مناظر الأكواخ الخشبية أو الدور المنعزلة المبنية بالخشب أو بسقوفها القرميدية البنية القاتمة أو الحمراء.
أو الفيلات التي تحيط بها البساتين الخضراء,أو مناظر خطوط السكك الحديدية,أو خطوط المترو, ومحطاتهما المنتشرة في أرجاء البلاد,أو مناظر الشوارع والجسور والأنفاق.
أما حين تزور سويسرا أو فرنسا أو إيطاليا فسوف تجد أن لهذه الأنفاق نكهة خاصة بحيث تشعرك بمدى التقدم العملي, وتنامي الشعور الوطني, والحجم الكبير لتواضع و مهنية وخبرة وتفاعل كل إنسان ساهم بتصميمها وتخطيطها وتنفيذها لتكون متناسقة مع البيئة ومنسجمة معها.وما تحفل به من روعة الفن وسعة الخيال, وبراعة من أشادوها. وستقارن حتما بينها وبين ما نفذ منها في بعض الدول,وستكتشف أن بعض ما نفذ على شاكلتها إنما كان تقليداً مبتوراً وناقصاً,ولهذا قَلْ من يستخدمها رغم أنها كلفت ميزانيات هذه الدول مبالغ طائلة.
فطول بعض هذه الإنفاق في هذه الدول قد يصل إلى 20 كيلو متراً.وروعي فيها توفير كافة متطلبات والسلامة والأمن والأمان والصحة لها ولمستخدميها بصورة تدعوك للدهشة والاستغراب.وبدون أن تشعر تشكر في سرك كل من شارك بإشادتها من مهندسين وأخصائيين وعمال ومتعهدين وشركات على هذه الإنشاءات البديعة والذاخرة بالفن والجمال والإتقان.وينتابك شعور بالإحساس بمدى وطنية وإخلاص هؤلاء واعتزازهم بوطنهم ليكون في مستوى رفيع ومتقدم عن غيره من البلدان.فأرادوا أن تكون دعاية لشركاتهم,وخير شاهد على ما يتحلون به من الإخلاص والإتقان والخبرة والجودة في أدائهم لمثل هذه الأعمال.
استوقفني خلال وجودي في هذه الدول وجود أنفاق لا حاجة ولا ضرورة لتنفيذها بنظري الضعيف وتفكيري المحدود. فما وجدت من عوائق تحتاج لحفر لمثل هذه الأنفاق. وخاصة حين سلكت شارعا قص بين جبلين. ورحت أسأل وأستفسر عن الغاية من تكبيد الميزانية هذه الكلفة لإشادة مثل هذه الأنفاق؟ فكان الجواب: صحيح ما تقول ولكن جدران القطع شاقولية كانت أم مائلة ستجرف كثيرا من الردميات والأشجار والتربة الزراعية ,فيغدوا الطريق في الأجواء الممطرة أشبه بطريق موت أو غير سالك, وحينها سيتعرض السالكون له وبقية أجزاء الغابة إلى خطر الموت والاندثار,أليس من الأجدى والأفضل بناء مثل هذا النفق في مثل هذه الحالات لتوفير الأمن والأمان للبيئة والحيوان والآليات والإنسان؟ وهل نسيت أن شق مثل هذه الطرقات ينجم عنه جرف كثير من الردميات والتربة الزراعية؟ وأين تريدنا أن نذهب بمثل هذه الردميات ؟وهل تريد أن نشوه السهول والغابات والبحيرات والأنهار بجعلها مكباً للنفايات والردميات؟ ثم ألا تعتقد أن بناء مثل هذه الأنفاق يوفر فرصة كبيرة لجعل سطوحها مكباً لهذه الردميات ومعها التربة الزراعية التي جرفت لشق الطريق بحيث يعاد زراعته بالأشجار والأعشاب ليكون غابة جديدة على سطح هذا النفق , وليشاد على قسم منه حدائق عامة وحدائق ألعاب للأطفال ومرافق عامة وحقول زراعية و مخيمات للاستراحات؟ حينها تعرف سر تقدم مثل هذه الشعوب وسر نجاحهم في كافة مجالات الحياة .وتكتشف أن سبب تخلف بعض الدول والشعوب هو عدم قدرة بعض أمثال هؤلاء في هذه البلدان التي تشكو من التخلف (حيث يظن الواحد من هؤلاء البعض أنه أكثر علماً وحتى أجل شأناً, وربما أهم من ابن سينا والخوارزمي وتالس وديكارت وفيثاغورث وأرخميدس وأوم وجول ووات وأمبير في علوم الهندسة والطب والاقتصاد والفيزياء والجبر والكهرباء) مجاراة أمثالهم هؤلاء في تلك الدول الأوربية. وينتابك شعور بالحنين إلى وطنك الأم في كل ثانية أو دقيقة أو ساعة من الوقت حين تبصر وتسمع في الفضائيات,أو تقرأ في الصحف أن كثير من حكام دولنا العربية والإسلامية يجهدون بكل عزمٍ وتفانٍ وإخلاص لتكون بلادهم بمصاف هذه الدول والشعوب المتقدمة.وأن من هؤلاء القادة والزعماء والرؤساء من يقضي وقته وهو يصل في عمله الليل بالنهار ليوفر الوقود بثمن بخس للأسر المعوزة في وطنه بغرض التدفئة في الشتاء,أو ليقدم للموظفين والعمال المنح المالية في الأعياد,أو ليزور أسرة كي يمسح عنها أحزان وآلام جريمة مروعة أرتكبها جناة حين اغتصبوا أبنتهم الصغيرة,فيأمر بإرسال الأسرة بكاملها إلى بريطانيا وعلى نفقة الدولة كي تجرى للبنت الصغيرة الجراحة ويقدم لها العلاج.وحتى أن زوجات مثل هؤلاء القادة العظام لا يدخرن جهداً في تشجيع الفن والإبداع وذلك من خلال زياراتهم للمدارس ودور التأهيل وقرى الطفولة لرعاية الطفولة, وجهدهن الدءوب لزيادة الإنتاج, والدفع بخطوات التنمية قدماً إلى الأمام. بينما ترى بأم العين رئيس أوربي أو أمريكي أو رئيس وزراء دولة أوروبية غير آبه بما تعانيه أسر جنوده التي فقدت أربابها حين دفع بهم لغزو العراق وأفغانستان ,وكم كان يتهرب الرئيس جورج بوش من مقابلة زوجات وأمهات من قتل أزواجهم وفلذات أكبادهم في العراق وأفغانستان,أو تجد أحد هؤلاء الرؤساء لا يُضَيّع فرصة لحضوره عيد ميلاد صبية حسناء,أو قضاء سهرة حمراء مع عشيقته أو واحدة ممن هن معجبات فيه أو بماله أو بمنصبه.وحينها تكتشف أن العلة والسبب فيما تعانيه بعض البلاد العربية والإسلامية إنما هو وجود بعض من يمتهن التهرب من رفع مستوى كفاءاته العلمية والاختصاصية والفنية,أو يتقاعس بأداء واجباته ومهامه, أو ممن يعاني من ضعف وقلة خبرته بمهام عمله ,أو محدودية إمكانياته في العطاء, أو نتيجة ثقته المفرطة بمن هم غير أهل للثقة,أو ممن يتذرع بعدم توفر الإمكانيات ,أو ممن يتهرب من تحمل المسؤولية,أو ممن يلقي اللوم على سقوط طفل في مجرور مياه على غطاء هذا المجرور الذي سرقه لص,وكأن هذا الغطاء قادر على مقاومة اللص, أو هو مسرور بمن خطفوه ليصهروه مجدداً في أفران الصهر, أو في استخدامه لغير ما صنع وصمم له .أو وجود من يحمل مسؤولية تصادم قطارين لجهاز ATC الموجود بالجرار وبالسيمافور, أو لبعض الأشقياء الذين يرغبون بركوب القطار من مناطق لا يتوقف بها القطار فيعمدون للعبث بالسيمافورات. أو ممن يحمل مسؤولية غرق مصطاف أو متنزه في مصيف أو على شاطئ بحيرة أو بحر أو نهر لزورق أو لضفتي النهر أو لشاطئ البحر أو البحيرة, أو يُلْقي باللوم على الحكومة والسلطة أو الحزب في مثل هذه الأمور وكل ما يعانيه المواطنين.مع أنهم براء من كل هذا الإفك ومن كل هذه الأقوال. أو ممن هدفه الحفاظ على المناصب والامتياز. أو حين ترى تاجراً أو متعهداً أو شركة أو مؤسسة جل همهم تحقيق الربح بكل طريقة بما فيها الغش,أو تنحيف مشروع بأكثر مما يحتمل فيكون في هذا التنحيف الجائر هلاك المشروع.وكم هو مستغرب حين يحمل مسؤول رفيع فشله وفشل أجهزته الأمنية في وقف مسلسل تفجيرات الرعب الدموية لسوريا وجيرانه. أو ينبري صحفي أو إعلامي أو سياسي للنيل من وليد جنبلاط بعد أن تبين له الخيط الأبيض من الأسود فقرر أن يعود عن غيه وينتهج الطريق الصحيح ويقول كلمة حق يشهد ويشيد من خلالها بمواقف سوريا وقيادتها.
في أوروبا تجد أي خطأ أو تقصير أو تقاعس في عمل يلحق أضراراً بالمال العام أو بالأرواح والممتلكات, أو يعود بالخسارة عوضاً عن النفع يتحمل مسؤوليته كل من أخطأ أو أهمل أو تقاعس أو قصر في واجباته, مضافاً إليهم آخرون, منهم الوزير والمحافظ. حيث يتحملان من تلقاء أنفسهما المسؤولية الأدبية رغم عدم مسؤوليتهما باعتبار منصبهما سياسي, فيهرعان لتقديم استقالتهما كي يرفعا الغطاء عن المتسببون عن مثل هذه الأمور كي يأخذ التحقيق والقضاء والعدل مجراهم, بحيث يطال من منصبه تنفيذي ودائرته ومن يعملون بإمرته على اعتبارهم أنهم المسؤولين عن قيادة و وتخطيط وتنفيذ ومتابعة وملاحقة ومراقبة مثل هذه الأمور.