دلالات قرار عباس عدم الترشح للانتخابات الرئاسية .. بقلم هشام منور
لئن جاء قرار رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته (محمود عباس) بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ، والتي عمل جاهداً على الإعلان عن موعدها وضرب جهود المصالحة الوطنية مع حركة حماس ..
مفاجئاً للمراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني ، فإن قراره جاء بعد سلسلة من الإحباطات السياسية المتوالية بعد تراجع الوسيط الأمريكي عن الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإيقاف الاستيطان بشكل كامل قبل استئناف المفاوضات ..
حركة حماس رأت في قرار عباس مجرد "رسالة عتاب لواشنطن" دون أن "يقطع خط الرجعة"، داعية إلى عدم تضخيم الموضوع في ظل مواقف سابقة "غير حازمة" لعباس، في حين أوضحت وزير الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) أنها ستعمل مع عباس "بأي صفة جديدة"، دون أن تبدي أسفها على قراره، وهو ما قد يعني أن الولايات المتحدة قد تخلّت عن حليفها، وربما شرعت بالتفكير بسيناريو آخر، وتنصيب أحد رجالاتها المخلصين على رأس السلطة.
ولكن، لماذا أعلن (محمود عباس) عدم ترشحه للانتخابات مع إصراره على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يناير القادم؟.
إن خطوة عباس الأخيرة بعدم الترشح يمكن فهمها في سياق محاولته رفع شعبيته السياسية المنهارة بعد تداعيات قرار غولدستون المأساوية وموقفه المرتبك الذي سحب مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان، بضغط أو ابتزاز إسرائيلي، ليعود ويأمر بإعادة طرحه مرة أخرى. فالمشهد السياسي الرسمي في العالم العربي، سواء كان نظام الحكم ملكياً أم جمهورياً، ما اعتاد أن يعلن فيه زعيم على سدة منصبه (رغم انتهاء ولاية عباس القانونية) عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ثم يعلن فجأة عن قراره بعدم الترشح في الوقت نفسه، وهو ما قد يفسر بزهد (عباس) في المنصب، ورد السهام المنتقدة لتمسكه بهياكل سلطة متداعية، إلى حد ما، ويظهره بمظهر الحريص على الثوابت والمبادئ والمترفع عن زخارف المناصب وبهارجها.
كما إن من شأن الخطوة العباسية أن تعيد الكرة إلى ملعب حماس وتوجه الأنظار إليها في ظل مطالباتها المستمرة لعباس بالتنحي عن السلطة وحلها بعد أثبت خيار التفاوض مع العدو فشله وعدم نجاعته، فها هو من يتهم بالتضحية بمصالح شعبه يتنحى عن المشهد السياسي، ويترك الجمل بما حمل، الأمر الذي يعني ضرورة أن تقابل حماس خطوة عباس بالمثل، على الأقل.
على أن للأمر زاوية أخرى للنظر، فقرار عباس عدم الترشح، إذا ما أصر على موقفه إلى النهاية، سوف يعني أنه سيفتح الطريق أمام مرشح جديد لاعتلاء سدة الرئاسة، وهذا المرشح لن يخرج عن أحد شخصين (محمد دحلان) أو (سلام فياض)، وهما مرشحان لا يقلان سوءاً عن عباس، ما لم يكونا أسوأ، من وجهة نظر حماس، وهو ما يعني التلويح أمام حركة حماس بورقة المرشح الأسوأ إذا لم تخضع حماس لشروط المصالحة الفلسطينية وتعود لدعم عباس بذريعة أن شراً أهون من شر!؟.
والطريف في هذا السياق أنه ما أن أعلن عباس قراره بعدم الترشح حتى اندفعت الآلة الإعلامية لحركة فتح ومن تحالف معها إلى "استنهاض" الشعب الفلسطيني والكوادر الحزبية لثني الرئيس عباس عن قراره، في مشهد أعاد إلى الأذهان مشهد الشارع المصري إثر إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تحمله مسؤولية الهزيمة في نكسة 67 وإعلانه للاستقالة، فما كان من الشعب المصري إلا أن خرج إلى الشارع ومطالبة الرئيس عبد الناصر بالتراجع عن قراره، طبعاً مع الاعتراف بالفوارق التاريخية بين الحدثين.
وإذا كان أمر الكوادر الحزبية الفتحاوية "مفهوماً" في ظل وقوف الرئيس عباس على رأس الهرم الحزبي لها، فإن مطالبة أحزاب وتيارات اليسار الفلسطيني المتحالف مع حركة فتح، والذي بات هامشي الوجود، باهت الهوية، بذات الأمر لهو أمر يبعث على الاستغراب في ظل انتقادها سابقاً نهج أوسلو واتفاقاته. وبقي أن نقول للرئيس عباس على خطوته الأخيرة: أفلح…إن صدق.