الاعتذار.. البعض يعتبره نقصٌ للشخصية ، والآخرون يعتبرونه إعلاء لها
هذه الحياة التي نعيشها .. تطل علينا فيها أيام سعيدة , وقد تمرّ أيام حزينة.. نتعامل معها من خلال مشاعرنا.. فرح .. ضيق.. حزن.. محبة.. كراهية.. رضا أو غضب..
جميل أن نبقى على اتصال بما يجري في داخلنا .. ولكن هل هذا يعطينا العذر لتجاهل مشاعر الغير؟! أو أن نجرح هذه المشاعر؟! أو أن نتعدى على حقوق غيرنا؟! أو نسيء إلى كرامتهم…؟!
بعض الناس للأسف يُقدمون على ذلك وكأنهم مركز الحياة وعلى الآخرين أن يتحملوا ما يصدر عنهم.. قد يخطئ هذا البعض ، ولكن لديه دائماً الأسباب التي دفعته لذلك، ولهذا نجده أبرع مَن يُقدّم الأعذار لا الاعتذار..
والسؤال هنا ..
لماذا ينظر البعض إلى الاعتذار وكأنه إعلان للهزيمة..؟
السيد كريم ( مدرّس فلسفة ) قال ..
{ إن هؤلاء الأشخاص يعانون من جهل بأساليب الاعتذار بالإضافة إلى فهمهم الخاطئ لمعناه، فهم للأسف يتكابرون ويتعالون معتبرين الاعتذار هزيمة أو ضعفاً أو نقصاً للشخصية أو المقام ، وهؤلاء يعيشون وكأنهم في حالة حرب دائمة مع الغير }
وأردفت السيدة سماح ( مرشدة تربوية ) ..
{ كثيراً ما نجد في المجتمع الذي نعيش فيه أن بعض الأمهات تنصح ابنتها بعدم الاعتذار لزوجها حتى ( لا يكبر رأسه ) .. وبعض الآباء ينصح ابنه بعدم الاعتذار لأن رجل البيت لا يعتذر .. وبعض المدراء قد يسيء – عن غير قصد – للموظف فلا يعتذر لأن مركزه لا يسمح بذلك .. وبعض المعلمات لا تعتذر لأحد طلابها إذا أخطأت بحقهم لأن ذلك سوف ينقص من احترام الطلاب لها .. وقس على ذلك الكثير من هذه الحالات }
وبلهجة ساخرة عبّرت سوسن ( أدب انكليزي ) عن رأيها وقالت ..
{غالباً يلجأ البعض إلى الاعتذار بتقليد الأجنبي فيستخدم كلمتيّ (سوري " Sorry " أو باردون " Bardon " ) في مواقف عابرة كالاصطدام الخفيف خلال المشي ، ولكن عندما يكون الموقف بحاجة إلى اعتذار حقيقي يتجاهل ذلك }
أنا آسف ..
هما كلمتان لو ننطقهما بصدق لذاب الغضب عند شخص آخر .. ولَداوينا قلباً مكسوراً أو كرامة مجروحة .. ولَعادت المياه إلى مجاريها في كثير من العلاقات المتصدعة ..
رهف ( سنة رابعة تجارة واقتصاد ) أرادت التعبير عن رأيها حول هذا الموضوع حيث قالت..
{ كم يمرّ علينا خلال حياتنا اليومية بعض الإشكاليات التي تُحَلّ لو قُدّمَ اعتذار بسيط بدلاً من تقديم الأعذار والتبريرات التي لا تراعي شعور الغير ، أو إطلاق الاتهامات للهروب من الموقف }
ولماذا يفعل البعض ذلك ؟؟!
هو السؤال الذي وجّهناه للأستاذ محمد ( محامي ) وأجاب بقوله ..
{ لأنه ببساطة من الصعب عليه الاعتراف بالمسؤولية تجاه تصرّفه ، ولأن بنظره الغير هو مَن يخطئ وليس هو ، بل في كثير من الأحيان يرمي اللوم على الظروف أو على أي شمّاعة أخرى بشرط ألّا تكون شماعته }
فنّ الاعتذار ..
{ إن الاعتذار مهارة من مهارات الاتصالات الاجتماعية ، مكوّن من ثلاث نقاط رئيسية: الأولى هي الشعور بالندم عمّا صدر ، والثانية هي تحمّل مسؤولية الموقف ، أما الثالثة فهي الرغبة في إصلاح الوضع }.. هذا ما قاله السيد مفيد ( مرشد اجتماعي ) ..
أما الآنسة فرح ( خريجة تربية – علم نفس ) حاولت أن تعطينا فكرة بسيطة عن كيفية الاعتذار حيث قالت ..
{ علينا أن نبتعد عن تقديم الاعتذار المزيف أو التقليدي مثل ( أنا آسف ولكن.. ونبدأ بسرد الظروف التي جعلتنا نقوم بالتصرف الذي نعرف تماماً أنه خاطئ ) .. علينا أن نقدم الاعتذار بنيّة صادقة معترفين بالأذى الذي وقع على الآخر ، ويجب أن يكون الصوت معبّراً وكذلك تعابير الوجه }
ولكن نبّهنا الأستاذ عدنان إلى نقطة هامة عند تقديم الاعتذار فقد قال ..
{ هناك نقطة هامة يجب الانتباه إليها وهي أن تقديم الاعتذار لا يعني بالضرورة أن يتقبّله الطرف الآخر، ولكن يمكن تقديم الاعتذار لأننا قررنا تحمّل مسؤولية تصرفنا ، وعلينا أن نتوقّع أن الآخر قد يحتاج إلى وقت لتقبّل الاعتذار وقد يرفضه، وهذا لا يجنبنا مسؤولية التصرّف السليم تجاه الآخر }
أخيراً علينا أن نتذكر أن الاعتراف بالخطأ فضيلة في ثقافتنا وتراثنا ، ولا يحطّ هذا الاعتراف من قَدر ومكانة أي شخص ، وإنّ كل من يعمل أو يتكلّم معرّض للخطأ ، وأولى خطوات تصحيح الخطأ هي الاعتذار عنه..
أما مَن يريد أن يتكبّر ويعتبر نفسه مركز الحياة غير مبالٍ بالآخرين فإنه سيجد نفسه وحيداً.. ومَن يريد العيش مع الناس عليه أن يرتفع بهم ومعهم .. لا عليهم وعنهم..