نزارقباني في ذكرى ولادته
نزار قباني مالىء الدنيا وشاغل الناس إنه الشاعر الذي داعب أحلام العذارى والحالمين منذ نيّف ونصف قرن, فرسم في عيونهم وقلوبهم قصص حب لاتنسى عاشوا معها في اليقظة والحلم. إنه الشاعر الذي أنجبته هذه المدينة العظيمة دمشق سيدة المدائن وولادة الشعراء فأحبها حباً
فياضاً تألق فيه أيما تألق فصدق فيه قول الشاعر العربي
وبعض الهوى كالنور إن فاض يأتلق
وبعض الهوى كالغيث إن فاض خرّب.
بهذه الكلمات استهل الأستاذ عصام الحلبي أمسيته الشعرية بمناسبة ذكرى ولادة الشاعر الراحل نزار قباني أحد الأوابد الدمشقية ورمزاً من رموزها وقدم تفاصيل ومواقف من حياة الراحل وذلك في المركز الثقافي بأبي رمانة بالتعاون مع جمعية أصدقاء دمشق.
نشأته:
ولد نزار قباني في 21 آذار من عام 1923 والده توفيق رجل جمع بين الشفافية والاحساس الفني المرهف من جهة والوطنية الصادقة من جهة ,كان مزاجه مزاج شاعر وطاقة شعرية كامنة وجدت تحققها في ابنه نزار كما أخذ عن والده حب الوطن وقوة الشخصية. بدأ حياته الدراسية في الكلية العلمية الوطنية وحاز شهادة البكالوريا القسم الأدبي. وكان استاذه الذي علمه اللغة العربية وآدابها الشاعر الكبير خليل مردم بيك صاحب النشيد السوري وكان من أشهر الوجوه الأدبية في سورية. فكان من حسن حظ نزار أن كان تلميذه في الكلية بفترة حرجة من حياته وهي فترة التحصيل والتكوين. فقلما يتاح للطالب العادي أن يكون استاذ الأدب في مدرسته هو ذاته الشاعر والناقد والأديب ليمتزج الشعر والأدب في أجزاء نفسه ويفيض في درسه نقداً ورواية ومعانيٍ أدبية.
انتقل نزار إلى مدرسة التجهيز ليحصل على شهادة البكالوريا قسم الفلسفة وفي عام 1945 تخرج في الجامعة السورية وحصل على ليسانس الحقوق وفي العام نفسه انضم إلى السلك الدبلوماسي , حيث عيّن ملحقاً بالسفارة السورية بالقاهرة وتقلب بالعمل الدبلوماسي بين مصر وانكلترا والصين واسبانيا. حتى عام 1966 حيث أنهى عمله الوظيفي .
فالشاعر الراحل درس الحقوق وتخرج محامياً , لكنه لم يدافع إلا عن المرأة والحرية.
وعن الأنثى وعن الوطن العربي الكبير ففي دفاعه عن المرأة كتب العديد من القصائد التي تتناول مواضيع خطيرة تتعرض لها المرأة وصور لنا مواقف ومشاهد تعجز أحدث آلات التصوير أن تضاهيها في الدقة يقول:
أنا مع الحب حتى حين يقتلني
إذا تخليت عن عشقي فلست أنا.
– يتابع المحاضر قوله عشرة أعوام مضت على رحيل نزار قباني وكأنها البارحة , مات نزار ولايزال شعره وأدبه يعيشان في وجداننا ومشاعرنا ولاتزال أغلب قصائده وأبيات شعره على ألسنتنا نتداولها ونستشهد بها في ليالي سمرنا وقد عالج فيها المواضيع الوطنية البحتة , ففي العقد الأخير من القرن الماضي رحل عن هذه الدنيا عباقرة الشعر العربي المعاصر كبدوي الجبل ومحمد سليمان الأحمد ومحمد مهدي الجواهري ومصطفى جمال الدين . وآخرهم نزار قباني وبرحيلهم فقدنا صناع الكلمة الحقيقيين وشعراء هذا القرن الذين عشنا معهم أحلامنا وآمالنا الكبيرة. وكان الراحل نزار على وجه الخصوص يعيش هذه الأحلام والآلام وينطق بها رسولاً معبراً ومعطاءً . ولهذا بزغ نجمه وعاش شعره وأصبح واحداً من شعراء الأجيال الذين سوف يعيش شعرهم وكلماتهم على مر العصور.
نزار والشعر العربي
ويتساءل الأستاذ الحلبي عن موقف الشاعر نزار من الشعر العربي وموقف الشعر العربي منه وهل أحسن صنعاً عندما قام بثورته كما يقول على الوثنية الشعرية فيقول:
هل من التطور والثورة على الوثنية الشعرية والقصيدة القديمةأن نغير معالم شعرنا ونتحرر من القافية والوزن أو من بحور الشعر العربي. وإن العرب أمة شاعرة وشعرها موزون ومقفى. والشعراء العرب من امرىء القيس إلى المتنبي وصولاً إلى عمر أبي ريشة كل هؤلاء كتبوا الشعر العربي الأصيل المقفى.
وعبروا عن خيالاتهم ودقا ئق أفكارهم وعن قمم عالية من قمم إحساسهم بالفن دون أن يعوقهم فيه أي عائق من وزن أو قافية. وإنها لمسؤولية فنية كبرى نحملها نحن أحفاد هذه القمم وورثة فنها العظيم أن نرتفع بميراثها تماماً.
والمفارقة الكبرى والعميقة التي لايمكن لأي دارس لشعر نزار أن يهمل دلالاتها الفنية البالغة أو يغض النظر عنها فنزار قباني في الأغلب أشعر ما يكون وأبلغه إذا ما قال الشعر الموزون والمقفى. وإنه إذا كان في أحسن الأحوال من جهة عُمق التجربة الفنية التي يكون فيها وشفافية الحال الشعرية التي تلامسها وموازاة القدرة الفنية . فإن نزار إذا اتسق له هذا كله قال الشعر الموزون المقفى والدليل دوواينه كلها.
كما عرض المحاضر الحلبي بعض الأبيات من القصيدة وهي حوار ثوري مع طه حسين فيقول نزار:
ضوء عينيك أم هما نجمتان
كلهم لايرى وأنت تراني
لست أدري من أين أبدأ بوحي
شجر الدمع شاخ في أجفاني
كتب العشق ياحبي علينا
فهو أبكاك مثلما أبكاني
أرمي بنظارتيك كي أتملأ
كيف تبكي شواطىء المرجان.
أرمي نظارتيك ما أنت أعمى