احتفالات عاشوراء في الجزائر فضاء من التقوى والإيمان
قد يختلف الاحتفال بذكرى عاشوراء في الجزائر عما يجري في أغلب الدول المشرقية وغيرها من البلدان الإسلامية ..
فالجزائريين أصحاب طقوس خاصة تجعل الفرح والبهجة سمة الاحتفال بهذه الذكرى , التي تصادف العاشر محرم من كل سنة هجرية وكذلك عملاً بسنة المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يتحرى صومه كل عام …
وتكون مناسبة عاشوراء فرصة للجزائريين وللمسلمين لتقوية الجانب الروحي ، واستجابة لداعي الإيمان وامتثالاً لسيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، في استحبابه صيام يوم التاسع والعاشر من محرم ، الذي يعتبر محطة من المحطات التي يتزود فيها الإنسان بالتقوى والإخلاص والعمل الصالح ..
كما يستذكر الجزائريون بهذه المناسبة معاني المحبة والأخوة والتعاون والتكاثف والترابط وكل المعاني السامية ، ويتخذونها محطات للوحدة وتصحيح المسار ، وأخذ الزاد لبقية العام بالإيمان والإخلاص والثقة بالله والشعور بمعيته ، والثقة بنصره سبحانه وتعالى ..
و الاستعداد ليوم عاشوراء يبدأ عند المغاربة منذ الإعلان عن حلول شهر محرم الحرام , وإذا كان التجار يتفننون في عرض سلعهم من الفواكه الجافة بمختلف صنوفها ، فإن العائلات بدورها تشتري ما لذ وطاب لتكون عند حسن ظن أفرادها , كما تستعد العائلات لتقديم " الفاكهة " لكل الزوار ..
وعادة الجزائريون في هذا اليوم أنهم يعدون أكلة الكسكسى و الرشتة وهما طبقان تقليديان يجرى تحضيرها باللحم المحتفظ بها منذ عيد الأضحى , وكذلك الخضر , ويكون العشاء المخصص للاحتفال بشكل جماعي فتكون لهذه الوجبة نكهة خاصة , وبعد الانتهاء من الطعام ، تكون العائلة على موعد مع " الفاكهة " ، إنه طبق من الفواكه الجافة من تمر وجوز وتين ولوز وغيره ، وفي الغالب يقدم هذا الطبق مرفقا بالشاي ..
فتيحة ربة بيت وأم لطفلين ، لا تخفي حبها لعاشوراء وتقول ..
" إنها مناسبة دينية نحتفل بها كل عام ، نقوم بطهي الكسكسى باللحم ونشتري الفواكه الجافة ونحرص على الاحتفال العائلي فنقضي وقتا ممتعا" ..
و أغلب العائلات الجزائرية تحافظ على صيام يوم عاشوراء اقتداء بالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي كان يلتزم بصيام هذا اليوم العظيم ويعد بمغفرة ذنوب السنة لمن قام بذلك ..
وقال السيد محمد وهو تاجر ، في عقده الرابع ..
إنه التزم بصيام يوم عاشوراء منذ سنوات طويلة من عمره " بعد صيام الفرض خلال شهر رمضان ، ألتزم بصيام يوم عاشوراء الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه يكفر لسنة ماضية وسنة قادمة " , محمد لا يصوم يوم عاشوراء بمفرده ، بل ترافقه في هذا العمل الجليل زوجته وحماته التي تقدمت في العمر ، ومع ذلك مازالت تربط الاحتفال بعاشوراء بصيام يومه , وتُعتبر هذه المناسبة فرصة لمنح الزكاة للفقراء , وفي عاشوراء ، يقدم المسلمون الزكاة للفقراء، وهو عشر أموالهم التي دار عليها الحول ..
الجدير بالذكر ما ورد في الأمر بصيامه ..
عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال : " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " ..
وعن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت : " أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه ، فكنّا بعد ذلك نصومه ، ونصوِّمه صبياننا الصغار ، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه ، حتى يكون الإفطار" ..
وعن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم : " أن أذِّن في الناس : من كان أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم عاشوراء " ..
استحباب صوم يوم آخر معه مخالفة لأهل الكتاب ..
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " وفي رواية قال : " حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل – إن شاء اللَّه – صمنا اليوم التاسع ، قال : فلم يأت العام المقبل ، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " ..