مقالات وآراء

طرطوس .. مدينة السحر وعاشقة البحر .. بقلم زينة حسين

في أجمل بقعة من بقاع الدنيا تتوضع محافظة طرطوس , على شاطئ فيروزي من أجمل الشواطئ , رمال ناعمة تفترشها تحت أشعة الشمس ..

تهامسها أمواج البحر الفيروزية لترسم لوحة الخلود , يزنرها حزام أخضر وجبال شاهقة , فتهجع طرطوس غافية بين الغابة والبحر على زغردة الطيور .. وشاطئ يردد أناشيد البحارة القادمين على وقع المحار واللؤلؤ .. 

إنها طرطوس الطامحة التي وُلدَت مع فجر التصحيح مدينةً عصرية يتناغم قديمها مع حديثها في ربيع يتفتح زهرة بعد زهرة .. 

وإذا وقفت أمام طرطوس القديمة تشعر أنك لا تعرفها ، فكل شيء فيها قد تغير الآن .. 

ساحات فرّجت عن ضيقها واتسعت كالملاعب , أبواب مغلقة على ما فيها كالمرصودة انفتحت كمتحف على آثارها , أسوار وحجارة كانت معتمة ومتآكلة صُبغَت ولُمِّعت وغرّدت أصابع الشمس في جدائلها .. يباس وجفاف كانا يلفّان البيوت والشرفات تحوّلا إلى مروج خضراء نضرة ونوافير مياه .. 

كل شيء تغيّر في طرطوس حتى لتبدو الآن كأنها بُنيت من جديد من غير أن ينتزع منها شيء قديم.. ولكن فقط صور الماضي لوِّنَت بأقلام الحاضر .. 

ومن طرطوس القديمة وبلا معاناة تجد نفسك أمام مدينة شابة عصرية .. 

شوارع فسيحة خضراء.. بنيان متناسق حديث.. حدائق كبيرة وكثيرة.. ساحات و نوافير مياه , معابر و جسور ومنشآت و مرافق خدميّة تلبي حاجة سكانها.. بالإضافة إلى آثارها التي خلدها الزمن لتكون شاهدة على عراقتها , كالكاتدرائية القديمة التي أصبحت الآن متحفاً للمدينة وهو يقع ضمن المحافظة ويضم الكثير من آثار العهود والحضارات السورية المختلفة , أما شاطئ طرطوس الفيروزي فهو امتداد جنوبي جميل للساحل السوري برماله الناعمة والشاليهات والفنادق والمطاعم البحرية والمقاهي التي تتناثر عليه.. 

وهنا نصل إلى أرواد الجزيرة السورية الوحيدة والتي تقع على مرمى النظر قبالة طرطوس فهما شقيقتا تاريخ وحياة , وقد كانت أرواد أيام الكنعانيين مملكة مستقلة باسم ( أرادوس ) , وثمّة الكثير من النصوص القديمة التي تتحدث عن أهميتها في التجارة والملاحة .. 

أما اليوم تتألق أرواد في البحر بجمالها الطبيعي وبساطتها الآسرة , فهي كتلة من البيوت والحصون المتراصة على بعضها , وأسوار تغسل الأمواج حجارتها الضخمة. وتزين حوض مرفئها الأشرعة والزوارق ذات الألوان الزاهية , والمطاعم والمقاهي الشعبية الصغيرة المطلّة على البحر وعلى طرطوس .. 

وتشتهر أرواد ببرجها الأيوبي وبقلعتها القديمة التي أصبحت متحفاً لآثار الجزيرة وللتقاليد البحرية ولذكريات النضال القومي , فقد جعل منها المستعمرون حين احتلّوا سورية معتقلاً يسجنون فيه زعماء المقاومة الوطنية , ولا تزال كتابات هؤلاء المناضلين التي حفروها على جدران زنزاناتهم باديةً واضحة تتحدث عنهم وعن تطلعّهم نحو استقلال وطنهم .. 

ونتابع جولتنا على ساحل طرطوس ليقف بنا المركب عند عمريت الواقعة جنوبي طرطوس , والتي لا تزال تحتفظ باسمها القديم ولكن لم يبقَ من معالمها الغابرة سوى معبد يرقى عهده إلى القرن الخامس قبل الميلاد , وهو منحوت بالصخر ومحاطاً بالماء, بالإضافة إلى ملعب رياضي كبير كان يتسع لحوالي 11 ألف متفرّج وهو يرقى إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد , وكان السوريون القدماء يقيمون عليه مواسم الألعاب الرياضية التي أخذها عنهم اليونانيون بع ثمانية قرون وأطلقوا عليها اسم الألعاب الأولمبية.. كما شهد فن البناء والنحت في عمريت تطوراً ملموساً يدل على عظمة هذه المدينة , واعتُمِد في ذلك الحفر في الصخر وعدم استخدام المواد اللاصقة واستبدالها بالرصاص أحياناً ومبدأ الثقالة , ويظهر هذا بوضوح في المعبد والمدافن والملعب وموقع الكنيسة وبرج البزاق .. 

ومن البحر ننتقل إلى الجبال لنبدأ رحلتنا وندرك ذلك الجمال الباهر من خلال عبورنا للسهول والوديان والأنهار والبساتين لنصل إلى الشيخ بدر مدينة الثورات والمعارك ضد المستعمر الفرنسي..مدينة الشيخ صالح العلي الذي قاد ثورة الساحل ضد الفرنسيين محققاً النصر الكبير في وادي الورور الواقع في تلك المدينة .. 

ومن الشيخ بدر ننطلق إلى صافيتا الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية لطرطوس , وتتميز صافيتا بقلعتها العظيمة التي لم يبقَ منها إلا أحد أبراجها الضخمة الذي هو برج صافيتا المتربّع في أعلى قمة من المنطقة فوق هضبة صخرية مستديرة , ويشرف على الساحل , ويمكن رؤية قلعة الحصن وقلعة طرابلس وقلعة العريمة وبرج ميعار وقلعة يحمور وقلعة صلاح الدين من هذا البرج بالعين المجردة.. 

ولم يرد في المصادر التاريخية أي إشارة إلى ذكر تاريخ بناء البرج ولكن ورد ذكر البرج لأول مرة في المصادر التاريخية عندما احتله الصليبيون وقاموا بتجديد بنائه .. 

ويبدو البرج مرئياً من جميع الاتجاهات ولكن السور الواقي الخارجي لم يعد مرئياً إلا بأجزاء قليلة منه بسبب البناء الذي شيّد على جوانبه وفوقه .. وقد سميت بلدة صافيتا باسم (صافيتا البرج) نظراً للشهرة الكبيرة التي أكسبها لها برجها العريق.. 

لم ينته المشوار هنا فطرطوس مليئة بالأوابد الأثرية التي خلّدها الزمن لتكون شاهدة على عراقة وأصالة هذه المحافظة الفيروزية .. 

واليوم وبعد أن تم تنفيذ مشروع الكورنيش البحري أصبحت طرطوس مدينة سياحية بكل معنى الكلمة ترفل بثوب مزركش حضارةً وتطوراَ مواكبة لمسيرة التطوير والتحديث بقيادة سيد الوطن السيد القائد بشار حافظ الأسد..

بواسطة
زينة جهاد حسين
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. بالفعل طرطوس مدينة جميلة شكرالكي زينة على هذه المعلومات والصور الجميلة.فانت وصفتي طرطوس حقا بكل إتقان مما يدل على حبكي لها والوصف كان فعلا جذاب وواضح.
    ودعيني اتحدث على السكان في هذا البقعة الجميلة من سورية من خلال ما لمسته من حب ولهفة منهم وتفاجأت من عشقهم للمسرح والفن فلقد كنا في زيارة لطرطوس لنقدم عرض مسرحي للأطفال لمدة 3 ايام ولكن من خلال ما شهدناه من إقبال شديد وكثيف من قبل السكان والأطفال فمدننا العرض لمدة ثلاثة أسابيع وتحدثت مع الاطفال وإسرهم الذين كانوا يرافقهم لحضور العرض وإتضح لي عشقهم للمسرح ومتابعتهم الشديدة له.لقد كنت مستمتع جداانا والفرقة المسرحية لأننا نعرض لمثل هذا الجمهور المحب والمتابع .وكان لتعلقاتهم على العمل الذي قدمناه معنى مهم جدا لنا, وإغناءللعمل المسرحي.

زر الذهاب إلى الأعلى