الجيش الإسرائيلي ” مقهور” من عزوف المجندين
يبدو أن الجيش الإسرائيلي الذي ظل لعقود طويلة صمام أمان لدولة الكيان الإسرائيلي، ومصدر فخر للمهاجرين اليهود، انقلب وضعه في السنوات الأخيرة
، بعدما توالت اخفاقاته، مع الانتفاضة
الفلسطينية، والحرب على غزة العام الماضي، وتوالت بموازاة ذلك ملاحقة قادته بتهم ارتكاب جرائم حرب، إلا أن "الطعنة النجلاء" التي بدأ يتلقاها في السنوات القليلة الأخيرة، هو تزايد نسبة المجندين العازفين عن الخدمة فيه، ووصل بالبعض منهم إلى اعتبار أن مجرد الالتحاق به، يشكل مصدرا للعار، وعوض أن يكون عنصر جلب، صار عامل طرد للمئات منهم بسبب هذا الشعور.
وفي السابق، تغنى مؤسسو الدولة الصهيونية بأن جيشهم هو جيش كل الشعب، أما حاليا فان هذه المقولة قد ذهبت دون رجعة، إذ تعاني اسرائيل من حالات هرب وفرار من التجند في صفوف الجيش، ويتوسل المستوطنون كل السبل التي تسمح بإعفائهم من التجند، وبحسب الانباء الاسرائيلية يعلن عدد كبير من الشبان اليهود عن ان حالاتهم النفسية متردية الى درجة تلامس الجنون، كي يعفوا من الخدمة، ويستبسل عدد من المستدعين للخدمة في سبيل تصنيفهم من ذوي الحالات النفسية الخاصة.
وقبل أيام تحدث رئيس شعبة القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي ، شارحا اسباب تخلف الاسرائيليين عن الالتحاق بالجيش، مشيرا الى ان السنوات العشر المقبلة ستشهد تراجعا ثقيلا، اذ قال ان اربعين بالمئة من الشبيبة اليهودية في اسرائيل، سيتملصون من الالتحاق بالخدمة، وهذا واقع يشهد على حالة التراجع والدافعية، ويخالف كل التقارير الاسرائيلية التي تحدثت عكس ذلك، حتى الأمس القريب.
ويمكن القول ان حالة التهرب من الخدمة العسكرية، التي كانت تعتبر عارا يلحق بالمستوطنين الى اخر حياتهم، تحولت بعد عدوان اسرائيل على لبنان عام 2006، الى مسألة عادية يتباهى بها الاسرائيليون، الامر الذي استدعى من الجيش الاسرائيلي حملة غير مسبوقة للحث على الالتحاق بالخدمة، الا أن نسبة التراجع ما زالت مستمرة، وتشير الى انها في طور التطور مستقبلا، كما يقر رئيس شعبة القوى البشرية.
وأضر العدوان على لبنان والفشل الذي مني به الاحتلال جراءه، بوحدات عسكرية كانت تعتبر مكانا آمنا بالنسبة للمتجندين، ومنها سلاح المدرعات، إذ كانت نسبة طلب الالتحاق بهذا السلاح تصل الى اربعة لكل مكان شاغر، بينما وصلت حاليا وفي اعقاب العدوان الى 0.7 طلب لكل مكان، بعد ان كانت النسبة اقل في العامين الماضيين. بمعنى ان دبابة الميركافا تحولت من المكان الاكثر امنا للجنود الاسرائيليين الى المكان الاكثر خطورة بالنسبة لهم.
ولتحاشي هذا التراجع، يفيد اكثر من تقرير اسرائيلي نشر في العامين الماضيين، بأن شعبة القوى البشرية في جيش الاحتلال وضعت مخططا لجذب المتجندين، تشير بنوده الى اليأس الذي يمتلك قادة المؤسسة العسكرية، ومن هذه البنود إمكان أن يتفق عدد من الشبان اليهود الذين تجمعهم صداقة ومعرفة، دون تدخل من الجيش، على الوحدة التي سيلتحقون بها، وستصادق شعبة القوى البشرية على ذلك. كما تقوم وفود عسكرية بطرق أبواب منازل المستوطنين والاجتماع مع المكلفين بالخدمة العسكرية ومع عائلاتهم، كي تشرح لهم أهمية الالتحاق بالجيش وعدم وجود مخاطرة على حياتهم فيها، ومن ضمن ذلك توزيع أشرطة فيديو تمجد الخدمة وأهميتها لإسرائيل، كما أن الجيش يستخدم المؤسسات التعليمية ليتحدث الى الطلاب ويحثهم على التجند، خاصة للطلبة من الفئة العمرية القريبة من موعد التجند والاستدعاء للخدمة العسكرية.
وفي اطار بنود الخطة، التي يمكن التقاطها من التقارير الاسرائيلية التي تنعى "جيش الشعب"، حثُّ المتدينين الصهاينة على الالتحاق بالخدمة، اذ ان معظم هؤلاء يستحصلون بسهولة على أوراق تثبت أنهم تلامذة في مدارس دينية، الأمر الذي يعني إعفاءهم من الخدمة الإلزامية بحسب قانون الجيش والتسوية التي ترسخت منذ قيام هذه الدولة عام 1948، بين حكومة الاحتلال في حينه والمتدينين، علما ان خمس المستوطنين اليهود هم من المتدينين، وهي نسبة تثقل كثيرا على الجيش الاسرائيلي.
في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" قبل ايام، رأت انه من المفيد التفكير مليا بتغيير شامل لمفهوم التجنيد، اذ حان الوقت كي تتحطم الاسطورة والكف عن الحديث بأن الجيش هو جيش الشعب، فهو ليس كذلك، ومنذ سنوات عديدة.
وكان تقريري صدر أواخر العام 2008، قد أرجع تنامي ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية في أوساط الشباب الإسرائيلي إلى أن الغالبية العظمى من أبناء الطبقة الوسطى لم تعد تؤمن ببذل التضحية من أجل أهداف الدولة العبرية في ضوء التحديات الأمنية والمخاطر التي يتعرض لها الجنود الإسرائيليون.
وقال تقرير أعده العقيد تشيكي سيلع رئيس دائرة التخطيط وإدارة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي: "إن 52% من الشباب الإسرائيلي الذين بلغوا سن الثامنة عشرة يتم تجنيدهم فقط، على الرغم من أن الخدمة العسكرية في "إسرائيل" إجبارية.
وشدد سيلع في تقريره على أن المعطيات التي توصلت إليها الدائرة التي يرأسها خطيرة وتعكس تهاوي استعداد قطاعات واسعة من الشباب الإسرائيلي للخدمة في الجيش.
وأشار إلى أن نحو شاب واحد من كل شابين في "إسرائيل" لا يتم تجنيدهم، منوهًا إلى أن 7 آلاف من الشباب الذين تنطبق عليهم شروط الخدمة الإجبارية يتهربون كل عام من الخدمة العسكرية بدون أي مسوغ قانوني.
لكنه شدد في الوقت ذاته على أن قيادة الجيش على دراية تامة بهذه المعطيات وأنها باتت تتعامل مع الواقع على أساس أنه سيتواصل ويزداد خطورة.
وإذا كان عدد من الشباب الإسرائيلي يتهربون من التجنيد دون مسوغ قانوني، فإن آخرين يستندون إلى مبررات قانونية "شكلية" للتحايل على الانضمام للخدمة العسكرية.
وأكد سيلع أن 25% من الشباب الذين ينتمون للتيار الديني الأرثوذكسي يتهربون من الخدمة العسكرية بشكل قانوني، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا بين الدولة والمرجعيات الدينية الأرثوذكسية يتم بموجبه إعفاء أي شاب متدين يعلن أنه قرر التفرغ للدارسة الدينية.
ويمثل اليهود الأرثوذكس أكثر من 20% من اليهود في "إسرائيل".
وأضاف أن 7% من الشباب يتهربون من الخدمة العسكرية بعد أن يحصلوا على تقارير "شكلية" تفيد بعدم أهليتهم للخدمة من ناحية صحية.
عزوف الشباب الإسرائيلي عن الخدمة العسكرية أرجعه ياجيل ليفي -أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بن غوريون"،إلى التغيرات التي طرأت على الطبقة الوسطى في كيان العدو.
وأشار ياجيل إلى أن الأغلبية الساحقة من أبناء الطبقة الوسطى العريضة في إسرائيل لم يعودوا يؤمنون بضرورة بذل الروح والتضحية من أجل الدولة وأهدافها، الأمر الذي دفع المؤسسة الحاكمة والجيش إلى بذل جهود كبيرة من أجل عدم تعريض حياة الجنود للخطر خلال العمليات العسكرية