الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في السودان .. بقلم هشام منور
إذا كانت التيارات والأحزاب السياسية الأمريكية متفقة على ضرورة اتباع أسلوب جديد يجمع بين الحوافز والضغوط في التعامل مع الملف السوداني ذي التشعبات المتعددة، وفي ضوء انخراط الولايات المتحدة في الشأن السوداني ..
مع التفاتها مؤخراً إلى ضرورة الاهتمام بثروات القارة السمراء (إفريقيا) في سباقها مع الدول الكبرى لإنجاز أكبر قدر ممكن من الصفقات التجارية، فإن مراكز الرأي وصناع القرار في الولايات المتحدة قد شرعوا في اجتراح استراتيجيات وحلول جديدة للتعامل مع الموقف في السودان.
في هذا السياق، قدم مشروع (كفى) تقريراً أعده (جون بريندرغاست)، بعنوان " تجنب حرب شاملة في السودان: الحاجة الملحة لاستراتيجية أمريكية مختلفة"، وقد أنشئ مشروع (كفى) عام 2006 من قبل عدد من صناع القرار بمشاركة خبراء في أفريقيا مثل (جيل سميث)، و(جون برندرغاست)، وقد بدأ المشروع في أوائل عام 2007 كمشروع تابع لمركز التقدم الأمريكي، ويرأس المشروع (جون نوريس).
يعرض التقرير لواقع الإبادة الجماعية في دارفور، والحرب بين الشمال والجنوب التي استمرت على مدى عشرين عامًا، وحصدت أكثر من مليون ونصف شخص، متوقعاً تأجج الصراع في دارفور، وتزايد العنف في الجنوب والتوترات في المنطقة الانتقالية بين الشمال والجنوب المعروفة باسم "المناطق الثلاثة المتصاعدة"، وحالة عدم الرضا المتزايدة في الشرق، كلها مؤشرات تحذر من صراع مقبل. كما أن هناك مؤشرات على إمكانية وقوع حرب أهلية جديدة في ظل الاستفتاء المرتقب بخصوص استقلال الجنوب عام 2011.
وأشار التقرير إلى أن حالة الهدوء النسبي التي تشهدها دارفور تعود إلى تحول اهتمام حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن دارفور إلى الجنوب، ليس فقط لأنه لا يمكنه الحفاظ على جبهتين هجوميتين في الوقت ذاته، لكن نظرًا للآثار الهائلة المرتقبة عن استقلال الجنوب المحتمل. وهو ما ينبئ بتصاعد العنف في الجنوب، عن طريق هجمات الميليشيات التي يرعاها حزب المؤتمر الوطني والذي لا يزال يستخدم الانقسامات العرقية والعنف كأداة أساسية لاستراتيجية البقاء في السلطة، على حد تعبير التقرير.
وهو ما يؤكد الحاجة إلى دبلوماسية أمريكية تركز استراتيجيتها على الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الشامل، ولاسيما البنود الخاصة بالتحضير لاستفتاء تقرير المصير في الجنوب، وضمان أن تكون هناك عواقب لأي أعمال تقوم بها الأطراف من شأنها تقويض اتفاقية السلام الشامل، سواء من خلال الامتناع عن تنفيذ الاتفاق أو تسليح الميليشيات على أساس عرقي.
ويرى التقرير أن الفشل في تقديم معارضي السلام للحساب، شجع حزب المؤتمر الوطني الحاكم على استمراره في سياسة التقسيم والتدمير من خلال إمداد الميليشيات في الجنوب بالأسلحة، وهو ما تم انتهاجه مع الجنجويد في دارفور. وهو ما قد ينتج عنه عودة الحرب في الجنوب، وتقسيم أكبر دولة في أفريقيا قد يغرقها في الدماء. إلا هذا لا يعفي حكومة جنوب السودان عن تقصيرها، ولاسيما فيما يتعلق بحماية المدنيين.
ثم يعرض التقرير لعدد من العوامل التي مثلت قصورًا في السياسة الأمريكية، منها عدم وجود مقترحات ملموسة بشأن اتفاق السلام، وتشمل خطة مراقبة دولية لتفكيك البنى التحتية للجنجويد وغيرها من الميليشيات، إلى جانب التقاسم الحقيقي للسلطة على المستوى المحلي والوطني، وتقديم تعويضات لضحايا الإبادة الجماعية، وتقديم الدعم لإعادة بناء المجتمعات. كما قامت أمريكا بالعمل على توحيد المتمردين، وتعزيز العنف بين الطوائف. معترفاً بخطأ الولايات المتحدة في ذلك، الأمر الذي يمكن أن يزيد من الانقسامات داخل قبيلة الفور، وهي أكبر جماعة عرقية في دارفور، وبين الفور وغيرها من الجماعات المهمشة.
كما تمّ الاعتماد على اتفاق سلام دارفور عام 2006 باعتباره نقطة انطلاق لإجراء محادثات، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات بين المتمردين وزيادة العنف في دارفور. فتعديل اتفاق سلام دارفور أو اتباعه بملحق سيؤدي إلى طريق مسدود. ولاحظ التقرير عدم وجود تنسيق بين قوى الدعم رفيع المستوى، والذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج، وعدم تنوع أساليب الضغط سواء الجزرة أو العصا، وعدم تنظيم مشاركة المجتمع المدني إبان محاولات التوصل إلى تسوية عام 2006. ووضع موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق دارفور استنادًا إلى الجدول الزمني للانتخابات، حيث تسعى الاستراتيجية الأمريكية الحالية إلى تأمين اتفاق سلام سريع من أجل السماح لسكان دارفور للمشاركة في الانتخابات الوطنية في أبريل القادم.
وقد يبدو مثل هذا النهج منطقيًا بالنظر إلى الدور الذي ينبغي أن يلعبه أهل دارفور في انتخاب قادتهم، ولكنها لن تنجح كما هو معلن لعدة أسباب، منها أن الاندفاع نحو التوصل إلى اتفاق سلام في الموعد المحدد تقريبًا سوف يؤدي حتمًا إلى اتفاق معيب. والجدول الزمني المضغوط للتحضير للانتخابات، والفشل في إجراء تعداد للسكان في دارفور، والعنف المستمر والتخويف من قبل الميليشيات، ضمنت أن الانتخابات في دارفور لن تكون ذات مصداقية لدى عديدٍ من السكان، كما يمكن للعملية الانتخابية ترسيخ فكرة التطهير العرقي في دارفور.
يؤكد التقرير أن هناك عددًا من العناصر ينبغي أن تهتم بها الولايات المتحدة في سياستها تجاه السودان. ففيما يتعلق بالشمال والجنوب، يجب على الرئيس أوباما أن يحرص على تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وأن يدين بقوة دعم حزب المؤتمر الوطني للميليشيات التي تقوض الاستقرار في الجنوب قبل الاستفتاء. كما يتعين عليه أن يعلن عن تأييده للاستفتاء باعتباره حجر الزاوية في اتفاق السلام الشامل. وعلى أوباما أن يوجه المبعوث الخاص (سكوت غريشن)، ووزيرة الخارجية كلينتون، وسفيرة الولايات المتحدة (سوزان رايس) إلى تشكيل تحالف دولي يرتب عواقب حقيقية على حزب المؤتمر الوطني واستخدامه للميليشيات العرقية وجيش الرب للمقاومة في الجنوب. وما ينبغي تطبيقه على حركة تحرير الشعب السوداني إذا كان من شأنه تقويض عمليات السلام. وأن تتضمن خيارًا لتشديد العقوبات الاقتصادية التي تستهدف كبار مسؤولي النظام والشركات التابعة له، وزيادة العزلة الدبلوماسية، وتوسيع الحظر على الأسلحة، وزيادة تقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية في السودان.
وفيما يتعلق بدارفور، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة في تشكيل فريق من الدول المعنية التي يمكن أن توفر دعمًا متواصلاً وعالي المستوى، واستخدام نفوذها في محادثات السلام التي سيتم تنشيطها من خلال مشروع خطة السلام التي تعالج القضايا الجوهرية للصراع. ولإعادة تنشيط عملية السلام، يجب على الولايات المتحدة أن تضمن المشاركة الفعالة لمنظمات المجتمع المدني في دارفور والنازحين المقيمين في المخيم في جميع المفاوضات. وعند الضرورة، يجب أن تكون الولايات المتحدة على استعداد للتصرف بمفردها، أو في ظل فريق من الدول أصغر على استعداد للعمل بجدية لتحقيق السلام في دارفور. مؤكداً الحاجة إلى تعيين موظفين إضافيين في الحقيبة الوزارية السودانية في كل من دارفور واتفاق السلام الشامل، ولاسيما الموظفين الميدانيين.
فهل يشهد المشهد السوداني تحولاً نوعياً في استراتيجية الولايات المتحدة تجاهه مع اقتراب موعد الانتخابات العامة واستفتاء الجنوب على تقرير المصير، أم إن الاستراتيجية الجديدة سوف تظل متأثرة بجملة المصالح وضغوط اللوبيات التي لا تريد الخير للسودان وأهله؟.