الموساد ولجنة أمريكية في لبنان وراء اغتيال الحريري
يثير الكاتب والمحلل الفرنسي المعروف “تيري ميسون” من جديد التساؤلات حول الجهة التي تقف وراء جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، وهي الجريمة التي كانت زلزالا حقيقيا غير مجرى الأوضاع ليس في لبنان وحدها وإنما في كامل الشرق الأوسط
وقد أصدر هذا الفرنسي كتابا سماه "الكذبة الكبرى 2"، شكك في الرواية التي قدمت حتى الآن حول تلك الجريمة، مستشهدا في تساؤلاته بالعديد من الوقائع وخاصة بالتقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري والذي عرض يوم السابع والعشرين من مارس الماضي أمام مجلس الأمن الدولي.
وقد استبعد التقرير الأممي الذي قدمه الرئيس الجديد للجنة التحقيق القاضي الكندي "دانيال بيلمار" فرضية تورط سوريا التي قال أن تعاونها كان "مرضيا بشكل عام"، واتهم في المقابل أفراد "شبكة إجرامية" بتنفيذ تلك الجريمة دون أن يذكر أي اسم.وفي محاضرة نظمها مؤخرا في بيروت بحضور العديد من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية حول كتابه "الكذبة الكبرى 2"، يقول "تيري ميسون" أن دراسته للإمبراطورية الأمريكية التي بسطت هيمنتها على العالم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 قادته إلى الاهتمام بالحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006 وبالتالي تأليف هذا الكتاب الذي اعتمد فيه على متابعته للوقائع والأحداث الجارية في هذا البلد من خلال التأثيرات الخارجية. ويقول المؤلف، وهو صاحب كتاب "الخديعة الكبرى" حول هجمات سبتمبر، أنه توصل إلى قناعة مفادها أنه فوق أرض لبنان تجري لعبة المستقبل، أي المشروع الامبريالي الأمريكي. لماذا لبنان وليس فلسطين أو العراق؟ لأن الامبريالية الأمريكية ـ يجيب الكاتب ـ "هي نتاج تزاوج بين مصالح اقتصادية وإيديولوجية، بين السيطرة على النفط والصهيونية، لأن المشروع الأمريكي يمر عبر السيطرة على شعوب الشرق الأوسط، وهي الممثلة أحسن تمثيل في لبنان وليس في مكان آخر.. كسر المقاومة في لبنان هو كسرها في كل المنطقة..".ويقول هذا الكاتب أنه اعتمد في كتابه "الكذبة الكبرى 2" على إعادة كتابة وقراءة الأحداث الجديدة، سلسلة الجرائم السياسية والاعتداءات الإسرائيلية، ودراسة الهيئات العليا، أي بما معنى موقع الصهيونية داخل الإمبراطورية وداخل الخطط العسكرية لمن يهيمنون على مصادر الطاقة. ويؤكد تيري ميسون أنه غداة حرب 2006 على لبنان أثير تساؤلان رئيسيان هما: "لماذا اغتالوا رفيق الحريري؟ و لماذا هاجمت إسرائيل لبنان، هل كان ذلك ردا على حزب الله كما أعلن، أم لأسباب إستراتيجية إقليمية؟"، واستنادا إلى وثائق البنتاغون الأمريكي ومراكز في الولايات المتحدة، فإن العدوان الإسرائيلي كان قد خطط له منذ تاريخ طويل مع تصور مسبق لرحيل القوات السورية بالمرة من لبنان حتى يبقى هذا البلد بدون دفاع وأيضا غياب رفيق الحريري من أجل إبعاد النفوذ الفرنسي.ويواصل الكاتب الفرنسي في سرده للوقائع بالقول أن فرنسا وبطلب من القضاء اللبناني وبمبادرة من الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس اعتقلت محمد الصديق، الشاهد الرئيسي على تورط سوريا في جريمة اغتيال الحريري، وهو الشاهد الذي كان قد اتهم كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس لبنان السابق اميل لحود بالوقوف وراء الجريمة، ولكن هذا الاتهام اتضح أنه كان مبنيا على أكاذيب، كما يقول تيري ميسون. وبناء على تلك الاتهامات، أوقف الضباط اللبنانيون الأربعة ومايزالون رهن الاعتقال، رغم أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعترف بأن هذا الاعتقال – الذي جاء بطلب من ديتليف ميليس سياسيا – وينتهك الأعراف الدولية. والضباط الأربعة هم: المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، والمدير العام السابق لجهاز الاستخبارات في الجيش اللبناني ريمون عازار، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، ورئيس لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان.و تجدر الإشارة إلى أن وزير خارجية فرنسا برنار كوشنار الذي كان قد أبدى تأييده لاتهام سوريا بالتورط في اغتيال الحريري أعلن منذ أيام أن محمد الصديق "اختفى" منذ 13 مارس الماضي وأنه لا يعلم مكانه.ويتوصل تيري ميسون في كتابه "الكذبة الكبرى 2"، إلى بعض الحقائق المذهلة، حيث يؤكد أنه يمكن القول: أولا، أن جريمة اغتيال الحريري استفادت منها كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وثانيا أن مجموعة مقربة من وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي .أي .ايه" تسمى "لجنة أمريكية من أجل لبنان حر" كانت على علم مسبق بالجريمة.. ويشير الكاتب في مؤلفه إلى أن الحرب كانت مقررة في خريف 2006 ولكن تم تنفيذها على عجل بذريعة قيام حزب الله بأسر جنديين اسرائيليين، وهو ما أكده التقرير الإسرائيلي "لجنة فينوغراد" على كل حال. وفي رأي الكاتب الفرنسي، فإن هذا التسرع الإسرائيلي في شن الحرب استهدف بالدرجة الأولى عرقلة التحقيق الجاري حول "شبكة إجرامية" لبنانية وضعها الموساد الإسرائيلي والتي تكون قد شاركت في عملية اغتيال الحريري، وهو ما أشار إليه القاضي بيلمار، الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية، وكذلك التقرير الذي عرض على مجلس الأمن الأسبوع الماضي عندما أكد أن عناصر "شبكة إجرامية" هي التي نفذت جريمة اغتيال الحريري. وبالتالي فهدف الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 كان وقف الدعوى القضائية التي رفعها لبنان إلى مجلس الأمن حول تلك الجريمة وليس ردا على أي عمل عسكري من حزب الله، يقول تيري ميسون.ويشير الكاتب الفرنسي في ختام محاضرته إلى أن الحرب التي شنتها إسرائيل لم تكن ضد حزب الله، ولو أن هذا الأخير قاوم حتى النصر، وإنما كانت حربا ضد لبنان، والتي من خلالها تدور حرب الولايات المتحدة ضد العالم العربي.كما يعترف تيري ميسون بأن كتاب "الكذبة الكبرى 2" واجه حصارا كبيرا من طرف الموزعين ووسائل الإعلام في بلاده فرنسا.