لا حقيقة على أرض فلسطين سوى فلسطين.. بقلم محمـد حيّـان الأخـرس
لا حقيقة موجودة وكاملة في فلسطين الآن سوى هذا التراب، وما يجري على ترابها ليس سوى ردة فعل ملونة بشتى أنواع الخرافات والدجل السياسي والفكري والديني، وما يجري بين فلسطينيي النزوح واللجوء، ليس سوى ارتداد لمصلحة القادة النفعية والشخصية بكل مذاهبهم…
وما يحزّ في الروح هو ذاك الشتات الداخلي في أرواحنا حين نتكلم عنها، وكأنها أصبحت ملك لفتح أو حماس أو للجهاد أو غيرها، ممن يدعون تمثيلها وحق الدخول فيها، أو طلاقها لو أرادوا… ولسنا في مجال التخوين أو الدخول في تفاصيل من ادعى أنه بعلها الأوحد، أو من باع واشترى فيها باسم العلمانية أو الدين، ولسنا في من يقول بسقوط الحركات والمنظمات والمقاومات والسياسات، فكل ذلك لن يقرره إلا من سيخرج من تحت عباءة هؤلاء جميعاً، حاملاً تراب فلسطين في روحه معلناً أن اليهود هم من استفاد من كل ما مضى، وأن لا خلاص سوى بخلاصنا الفلسطيني الموحد الجامع، وليس بلبوس المواخير و الشعارات، بل تحت راية التراب الممزوج بدمائنا، ليولّد ذلك المخلص الذي كان حلماً في يوم ما.. هذا المخلص الحلم المتنقل من تموزياته وبعله وحدده، ومن ثم المتحول في تجسّده الفلسطيني الأخير تحت اسم المسيح الفلسطيني ، ولكنه ليس مخلصاً لفلسطين وحدها، بل مخلصاً برسالة تفتح أفقاً جديداً لكل العالم، وعندها لن يكون لنا من عدو يحاربنا في أرضنا وديننا سوى اليهود.
إنه أمر..
إنه أمر محزن و عار من كل قيمة أخلاقية، إنه أمر باختصار يمكن أن نطلق عليه يهودي، ذلك الجدار العازل بين فلسطين وفلسطين، فالجدار الفولاذي العازل الأول هو سايكس-بيكو، حين قرر قادة العالم وقتها أن فلسطين هي أرض لليهود فقط.
والجدار الفولاذي الثاني هو الاعتراف بدولة الكيان اليهودي في منتصف القرن المنصرم.
أما الجدار الفولاذي الثالث فهو الاعتراف الأخطر بالكيان اليهودي، من قبل بعض من يعتقد أنه يمثل فلسطين، وذلك حين قبل بمخفر السلطة الفلسطينية" بدل فلسطين كاملة" كممثل شرعي وأوحد لفلسطين كاملة.
أما الآن فالجدار الفولاذي الرابع هو ما تفعله مصر على تراب غزة الفلسطينية، وكأن سيناء كانت في يوم ما أراض مصرية، وكأنما تمّ ولادتها من قبل الرحم المصري الأفريقي في آسيا.
إنه أمر، وإنها قضية تدعو للسخرية، وإنه واقع بال يدعو للقيء، و"من نحن" هو السؤال الأمثل الذي يجب طرحه من قبل كل فلسطيني على نفسه، وهو السؤال الغائب أبداً تحت كل العباءات والشعارات والمنظمات التي تدّعي التحرير والفهم، وهو سؤال يجب تجريده من كل عوامله الدخيلة، سواء كانت جيدة أم سيئة.
من نحن..؟؟
من نحن..؟؟أجل السؤال الأمثل المطروح في ذات كل فلسطيني، والمموّه تحت عباءة الدين عند الحركات الدينية، والمتلاشي تحت ذيل اليهودية لدى أغلب الحركات التي تدّعي العلمانية. ولكن ما يغيب عنهم جميعاً، هو أمر في منتهى الأهمية، أمر يجمع الكل ويلغي اختلافاتهم المتناقضة والممولة إعلامياً ومادياً وثقافياً من اليهود، وهو أمر لا يدخل تحت عباءة أحد، بل يدخل في صميم الروح والدم والتراب، ألا وهو فلسطين فلسطين فقط.
حرب غزة..
حرب غزة مرّت وكأنها تمرّ على الغرباء في فلسطين خارج غزة، ومرت مرور الشامت على بعض قيادات فتح، ومرت مرور الغريب المتألم على بعض كيانات الجوار… ولكن كيف مرّت على من استشهد في غزة، ومن تيتم من أطفال غزة، وعلى من فقدت أبناءها أو زوجها في غزة، هؤلاء الذين دفعوا كل شيء تحت عباءة التحرير غير المجدي.. هذا التحرير الزائف الذي كان بمجمله فعلاً يهودياً بامتياز، تآمر فيه بعض أبناء الأرض الواحدة" فلسطين" لينهوا سلطة بعضهم بعضاً تحت سلاح وقذائف اليهود ومن تهود من مصر وغيرها من بلاد…
نعم.. لن تقوم لحماس قائمة، ما لم تكن فلسطين وشعبها قبل موضوع الدين والغيبيات فيها،.. ولن تقوم لفتح وغيرها ممن شابهها قائمة ما لم يكن عنصر الأرض الكاملة الذي ولّد شعباً يدعى" فلسطينيا" هو العنصر الأهم في الفعل العقائدي لديها.
أجل إنها الأرض، العنصر الأهم والفاصل في كل خلاف أو تآلف.. أجل العنصر الأهم والأصدق من كل شركات الخليوي، أو أسمنت الجدار العازل.. وما شابه من أموال متهودة تجري في عروق السلطة الفلسطينية المباركة، ابتداء من محمود عباس وانتهاء بدحلان ومن دحل في طريقه، ليمشي عليه اليهود براحة بال… ، هذا الطريق المعبد بالمخبرين والخونة….
إنه أمر يدعو للسخرية..
إنه أمر يدعو للسخرية..أن يدَعي الكل حبهم ودفاعهم عن فلسطين أرضاً وشعباً، وأن يدَعي كل طرف أحقيته وإخلاصه الذي لا يشبهه أخلاص في تبنيه للقضية الفلسطينية، وأن يخوّن كل طرف الطرف الآخر.. حقاً إنه أمر يدعو للسخرية، وكأن ما نراه على أرض الواقع الفلسطيني ما هو إلا صراع مكسيكي مغربي على أرض نمساوية.. ومما يدعو للسخرية أيضاً أن من نظّر في المسألة الفلسطينية من السياسيين الفلسطينيين، يستحق الدخول في سجل غينيست للأرقام القياسية، لعمق المعرفة والثقافة والرؤى المطروحة في أحاديثه وتنظيراته.. ولن يوجد في يوم من الأيام سياسي يشبه هكذا رجال سياسة، فهم طفرة في التاريخ، يأتون ويذهبون ولا يمكن تكرارهم أبداً..
المجد لك..
المجد لك أيها المواطن الفلسطيني الفلسطيني الذي لم تزل إلى الآن خارج هذا الصراع الفلسطيني الفلسطيني، تنظر بعين الباكي إليها..
والمجد لقلبك الفلسطيني الفلسطيني الدافق دماً وحباً وتضحية، والذي لن يبخل أبداً كلما تطلب التراب الفلسطيني هذا العطاء.
المجد لك خارج تفاهة من يدعي السياسة والقيادة على أرضك التي لن يحررها أبداً سوى دمك الجاري في ترابها، وسوى انتمائك الحقيقي الذي لم توسخه إلى الآن مصالح القادة الأفذاذ، و رجال الغيب في فلسطين..