خبط .. لزق .. هي.. هي.. ذات الدماغ .. بقلم محمد طعيمة
لم أُصدم، كما كثيرين، من تصريحات ثلاث ( قمم ) انتسبت للقضاء ترفض إرتداء المرأة للوشاح الأخضر. فمحاولة ( لزق ) صفة ( الإصلاحي ) بأسماء عدة خلال سنوات الحراك الست لم تنطلي على أغلبية المتابعين له ..
في بداية عام 2006 طلبت من قيادات في كفايه، جورج إسحق.. هاني عنان.. أحمد بهاء شعبان.. أمين إسكندر، إعفائي من مهمة التنسيق الإعلامي للحركة، وإستغرق الأمر ستة أشهر لتحقيق رغبتي. كان رأي ان كرة التغيير بدأت في التدحرج.. وان النظام إلى زوال، وان على القوى السياسية تحديد خنادقها، وانه لا يجب ان نسمح لتيارات، هي بطبيعتها ضد التقدم، بـ"تجيير" نتائج الحراك لصالحها وتصديرها للرأي العام كقوى إصلاحية، وان إئتلاف يضم حركات وتيارات، متنوعة ومتناقضة، أكثر "دقة" من حركة أدت دورها التاريخي في "التحريك" وعليها ان تتنحى داعية كل تيار لتشكيل فريقه، وان الوقت قد حان للعب المزدوج.. ضد النظام وضد "الوجه الثاني لعملته".. الذي ينتظر إشارته للتحالف معه. لم أكن أعلم، طبعاً، ان الإخوان عقدوا صفقة فعلاً مع لانظام القاهرة لتمرير مقاعدهم ألـ 88 في إنتخابات 2005، كما اعترف مهدي عاكف وسعد الكتاتني فيما بعد، مقابل.. عدم الحديث عن الإصلاح وعدم التحرك مع قواه الفاعلة.
في أثنين أسود ثان، الأسبوع الماضي، وبتكرار تمترسه خلف "قناعاته" المُعادية للحقوق الإنسانية للمرأة، حسم قطاع واسع من "الرجال القضاة" حقيقة الوجه الأخر للعملة.. التقاليد الراسخة لـ 60 عاماً تعلو على حقوق الإنسان البديهية، والظروف والتوقيت ليست ملائمة، والإقرار صراحة بأن النصوص الدستورية القاطعة لن تقف أمام القناعات الذاتية.. أو أيدولوجيا تيار ما. وليس أخيراً، حسب الحقوقي نجاد البرعي، الإستقلال "بـ" القضاء، بحجة رفض التدخل في شئونه.. ولو من المحكمة الدستورية العليا، كما هو حال نظام الطوائف والملل في عهد الإحتلال العثماني.
حجج توالت على ألسنة المستشارين: طارق البشري وأحمد مكي ومحمود الخضيري. الثاني والثالث ليسا جزءًا من بنية مجلس الدولة، لكن الثلاثة يراهم كثيرون "أقرب" للإخوان، و"قيل" ان الثالث استقال من منصبه للمنافسة في إنتخابات الرئاسة كمرشح غير معلن للجماعة. وإنفرد الأول، صاحب فتوى حق الأزهر فى مراقبة الشأن الاسلامى بالدراما، بمعايرة الكتاب والصحفيين بانشغالهم بحقوق المرأة وتجاهلهم إنتهاكات إسرائيل (!!). هكذا تُخلط الأوراق، ليذكرنا برد حكامنا الشهير على دعوات الدمقرطة.."حل قضية فلسطين قبل الإصلاح السياسي"، وبـ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وبرفع الشعار المقدس لـ"زنق" الآخر في الزاوية.
حجج يجمع بينها تجاهل تام لفكرة الدولة والعقد الإجتماعي/ الدستور.. والإصرار على التفكير والتحرك خارجهما.. وضدهما. حجج، "إصلاحياً"، تُفجر تساؤلات حول سند وجود الخضيري، مثلاً، في (الجمعية الوطنية من أجل التغيير) التي يقودها د. محمد البرادعي، فبينما تطالب هي بإصلاح دستوري ومجتمعي شامل.. يُعادي هو علناً الحقوق الدستورية لنصف المجتمع. حجج، يُدهشنا معها تصعيد البعض كـ"رموز إصلاحية" لمجتمع يحلم بمستقبل أفضل.. بينما "هم" يتمسكون بالتفكير والتحرك كجزء من دماغ يشدنا للخلف.
دماغ يشغلنا بـ"تقاليده" الراسخة التي لم تعرقل الحق الدستوري لنساء دولة يحكمها نظام باسم الإسلام.. كالمغرب، أو باسم الإخوان.. السودان، أو باسم القومية.. سوريا، أو باسم العلمانية.. تونس، وكلها نجحت فيها المرأة، عملياً، كقاضية.. ومنذ عقود. دماغ تنفرد عربياً بالموقف الأشد عداءً للمرأة.
دماغ يشغلنا بـ"تقاليده" الراسخة.. ليبرر للانظام الحاكم التمسك بـ"تقاليده" الراسخة طوال نصف قرن لإنتقال الحكم. دماغ يوحد بين "أفراد" الجمعية العمومية وبين "مؤسسة" مجلس الدولة.. ليبرر للانظام الحاكم دمج الوطن بالفرد/ الرئيس وبرموز حكمه. دماغ يتحجج بعدم جواز التدخل في شئون مؤسسة المجلس.. ليبرر لأعضاء مؤسستا الرئاسة والتشريع رفض مطالب إصلاحهما أو تعديل شروط الإنضمام إليهما.. لأنه لا يجوز التدخل في شئونهما. دماغ يتمسك بتوقيت وظروف غير ملائمة.. ليبرر للانظام التمترس خلف "الشعب غير مؤهل، بعد، للديمقراطية". دماغ يُقر صراحة بتجاهله الدستور/ القانون الأعلى لصالح قناعاته الذاتية.. ليبرر للانظام تجاهل ذات الدستور الذي يحمي إستقلال القضاء وحقوق الشعب.. إتساقاً مع قناعاته الذاتية.
هي.. هي.. ذات الدماغ
دماغان لعملة واحدة. الأول يقهرنا اليوم، والثاني يُخطط لقهرنا.. غداً.