هوجة الهجوم على (نصر الله)
فجأة، وكأنك أمام ماسورة (مجاري قديمة) في أحد شوارع مصر العتيقة انفجر في وجهنا سيل من المقالات والبرامج التلفزيونية في صحافة مصر (وطبعاً الخليج) ضد السيد حسن نصر الله، قائد المقاومة اللبنانية ضد العدو الصهيوني في زمن رقص الأمراء وقبلات الأميرات مع (بوش)!!
فجأة خرج الجهلاء من جحورهم فهذا الذي سطا في غفلة من الزمان على مقعد رئيس تحرير الصحيفة العريقة يطالبه بأن يعود (بطلا) وذاك يهتف في ميوعة المخنثين (يسقط حسن نصر الله) والثالث ينعته (بالجبان أو الفارسي الإيراني) إلى آخر سيرك المهرجين والقابضين من مملكة النفط.. وفي حمأة الأحداث كبر الصغير من الصحفيين، وبات التطاول على (السيد) موضة، يعاقب من لم يسايرها في مصرنا الحبيبة التي كانت بالأمس (وستظل رغم ضغوط النفط والجهل والعاطفة المزورة) ترفع صور السيد الذي قدم ابنه (هادي) شهيداً في الوقت الذي يقدم لنا فيه رئيسنا ابنه وريثاً، وهو الذي صدر الرعب لإسرائيل في الوقت الذي يصدر فيه نظامنا الغاز لها (على حد التعبير البليغ لإبراهيم عيسى في صحيفة الدستور 12/5/2008).
دعونا نحكم العقل، ونبحث فيما وراء هذه الظاهرة عل ما نكتبه يفيد في إيقاظ النوم الهاجعين:
فأولاً: أغلب من كتب في صحافتنا الرسمية (أو شبه الرسمية) ضد حسن نصر الله متهماً إياه بأنه انحرف بسلاح المقاومة عن وجهته الأصلية وهي مقاومة العدو فوجهه إلى أهل بيروت الغربية، في تقديرنا من انطلق من هذه الحجة، إما جاهل (وهذا في أحسن التقديرات بحسن النية، أو مغرض يحركه النفط السعودي الذي ملأ الأفواه والجيوب والضمائر أو له علاقة ما بالمخطط الأمريكي الإسرائيلي ضد المقاومة ،والذي يعمل نظامنا العتيد خادماً لهذا المخطط بجدارة لماذا؟ ولأن الاثنين: الجاهل والمغرض، يقفزان عمداً إلى تقييم ومحاكمة (النتائج) دون النظر إلى (المقدمات) التي أدت إليها. لم يقف الجاهل أو المغرض أمام القرارات الأخيرة للحكومة الفاقدة للشرعية وفقاً للدستور اللبناني، والتي مثلت اعتداءً صريحاً على سلاح المقاومة التي حمتها (أي الحكومة) طيلة الربع قرن الماضي، لم يتوقف الجاهل أو المغرض إلى تركمات الأعوام الثلاثة الماضية والتي بح فيها صوت المعارضة واسعة الطيف السياسي (ميشيل عون ـ بري ـ نصر الله ـ وئام وهاب ـ طلال أرسلان ـ عمر كرامي ـ نجاح وكيم ـ فتحي يكن ـ أسامة سعد ـ ماهر حمود ـ كمال شاتيلا ـ الخ) من المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة واختيار رئيس لبناني توافقي، وقانون انتخاب عادل، كانت الحكومة ترفض وتستهين وتأخذ المواقف المعاكسة لصالح الأجندة الأمريكية/ الإسرائيلية في المنطقة، الأمر الذي أدى بالتراكم إلى شعور هذا الطيف الواسع من المعارضة بالغبن والإهانة، وازداد هذا الشعور رسوخاً عندما أفشلت الحكومة والثالوث الأمريكي بداخلها (الحريري ـ جعجع ـ جنبلاط) كل الوساطات العربية، وحرفوها، وتحدثوا بلغتين مع الرأي العام اللبناني والعربي، لم يتوقف الجاهل أو المغرض أمام مسلسل القتل والحصار الذي تعرضت له المعارضة (وفي قلبها حزب الله) من القناصة المرتزقة المقيمين في مقرات تيار المستقبل طيلة الأعوام الثلاثة السابقة (هل يتذكرون الشهداء السبعة من الشيعة الذين قتلوا على خطوط التماس مع الضاحية الجنوبية قبل عام مضى!!) وعشرات المواقف والخطوات المغرورة التي مارستها حكومة فاقدة للشرعية والدستورية (حيث وفقاً للدستور اللبناني تسقط الحكومة بمجرد انسحاب ممثلي طائفة منها وكما يعلم القارئ هناك طائفة منسحبة منذ عامين هي الطائفة الشيعية مع وزراء مسيحيين آخرين!!)
* كل هذه المقدمات قفز عليها الجاهل أو المغرض وذهب إلى النتائج ليحاكمها مباشرة، فكان منطقياً أن تنفجر في وجوهنا (ماسورة المجاري) كما بدأ في إعلامنا المصري الرسمي وشبه الرسمي وفي الإعلام السعودي داخل المملكة وخارجها!!
ثانياً: ومع ذلك دعونا نقيم معهم ليس (المقدمات) ولكن (النتائج) التي صدعوا رؤوسنا بالحديث عنها، مهولين ما جرى إلى حد اعتباره (انقلاباً)، ومزيفين الحقائق فيه إلى الحد الذي يهين عقل القارئ أو المشاهد.
(1) وفي البداية دعونا نعترف بأن سرعة حسم قوى المعارضة لمعركة بيروت كانت مذهلة وفقاً لقول سعد الحريري بسبب دقة وفاعلية وعدالة مطالب المعارضة وليس لأن الرجل لا يمتلك ميليشياته مثلما زعم وسرعان ما كذبته صحيفة لوس أنجلوس تايمز عندما قدمت بالوثائق أسماء الثلاثة آلاف (3000) عنصر مسلح تدربهم شركة سيكيور بلس لخدمات التسليح والحراسة.
(2) وفي طريقها لحسم معركة بيروت ضد مقرات (المرتزقة) من أنصار الحريري وجنبلاط (وفقاً لوصف الصحافة الغربية ذاتها) والذين كانوا يحصلون على 400 دولار في الشهر نظير القنص في المظاهرات وقطع الطرقات وإشعال الحرائق، كانت هناك ضحايا، وأخطاء، نرفضها ويرفضها كل عاقل، وكل كاتب حر يحترم نفسه وقلمه، ولكنها أيضاً كانت أخطاء مشتركة ومتبادلة نتيجة الشحن الإعلامي والطائفي والسياسي، فإذا تحدثنا عن القتل لا يمكن تبرير قتل أي (إنسان) في بيروت الغربية حتى لو كان مسلحاً، كما لا يمكن أيضاً تبرير قتل ثلاثة من شباب حزب الله في الجبل وتشويه جثثهم بالسكاكين من عناصر حزب جنبلاط وهو ما اعترف به جنبلاط نفسه، إذن القتل والأخطاء المرفوضة جملة وتفصيلاً، تمت من الجانبين فلماذا يغض (الجهلاء) و(المغرضون) الطرف عنها عندما تتصل بالمعارضة ويفتحون هذا الطرف ونيرانه الثقيلة عندما يتصل الأمر بالفريق الأمريكي في لبنان؟! هل هذه هي الأمانة الصحفية التي يتحدثون عنها ويعلموننا إياها!! أم هو (الهوى) والغرض الذي في النفوس!!
(3)ثم لماذا التهويل فيما جرى، إن الحقائق والتي اعترف بها الجيش اللبناني نفسه (وهو المفترض أنه القوة الوحيدة التي على الحياد في لبنان وتحوز احترام الجميع) هي أن المعارضة عندما طهرت مواقع المسلمين من ميليشيا المستقبل قامت بتسليم هذه المقرات ومعها العناصر المسلحة الباقية والتي تفر إلى الجيش ليتصرف بها ولم تتبق أي مظاهر مسلحة في شوارع بيروت الغربية، فلماذا تضخيم المشهد أمام القارئ، وتصويره وكأن ثمة احتلال دائم ومستمر ومقيم لهذه (المعارضة) بل لحزب الله تحديداً في تلك المقرات والشوارع، إنه مرة أخرى الغرض والهوى والمخطط المطلوب ترويجه لتشويه صورة المعارضة وفي قلبها المقاومة، إلا أن (بوش) في حواريه مع قناة (العبرية) أقصد العربية) والـ(بي بي سي) كفانا بؤتة البحث عن الأسباب، حين أعلن صراحة أ،ه لا يهتم في هذه المنطقة إلا برجلين: أولمرت والسنيورة، وأنه واشنطن وحلفائهما المعتدلين يقفون خلف كل هذه الحملات الإعلامية والسياسية سواء وعى أصحابها بذلك أم لا!! فأدى بهذه التصريحات خدمة جليلة للحقيقة المفقودة التي حاول الجاهل أو المغرض تزويرها في إعلامنا طيلة الأيام التالية على انتفاضة المعارضة!!
(4) ثم دعونا نستغرب قليلاً، عندما نجد وليد جنبلاط وسعد الحريري والسنيورة يعترفون علناً بأنهم قد أخطأوا عندما أصدروا قرار (شبكة الاتصالات السلكية الخاصة بالمقاومة) والتي تمثل 70% من أسباب النصر على العدو الذي لا يحترمهم يومياً، وعندما يعلنون تراجعهم عن هذا القرار، هل يجوز أن يزايد عليهم (الجاهل) أو (المغرض) فيدعي أن ردة فعل حزب الله غير مبررة، وأن الحكومة لم تخطئ وأنها تمارس السيادة على الأرض (أين كانت هذه السيادة أثناء العدوان ولماذا لا تذكر هذه السيادة إلا عندما يأتي ذكر حزب الله وتذكر بنفس المصطلحات التي يستخدمها أولمرت وصحافته؟، ثم دعونا نستغرب أيضاً، عندما يلح هذا اللوبي من (الجهلاء والمغرضين) أو من سموا سلفاً بالمارينز العرب، على حكاية إيران والمخطط السوري الإيراني، و(حزب الله) الفارسي إلى أخر هذه الترهات، متناسين أن حزب الله وقوى المعارضة واسعة الطيف أكثر عراقة ولبنانية من سعد الحريري ذاته وليبحثوا جيداً في كتب التاريخ اللبناني ليكتشفوا هذه الحقيقة، أما عن المخطط السوري الإيراني فيما جرى فهذه فرية لا تليق لكتاب يحترمون أنفسهم، فصحيح لإيران وسوريا مصالح إقليمية في دعم قوى المقاومة في فلسطين ولبنان تماماً مثلما للعربية السعودية ولمصر والأردن ولأمريكا ولإسرائيل مصالح في دعم قوى الهيمنة والاحتلال أيضاً في المنطقة ومن المعيب ذكر فريق أو دولة دون الحديث عن الفريق أو الدولة الأخرى، إلا أن الصحيح أكثر من كل هذا هو أن ما جرى في لبنان يوم (8/5/2008) كانت دوافعه وأهدافه وآليات تنفيذه بالأساس لبنانية ومن يقفز على هذه الحقيقة محاولاً تصوير الصراع على أنه صراع مذهبي أو إقليمي خاطئ، ولن يمكن حله أو الوصول إلى مائدة حوار حقيقية بين الفرقاء في لبنان وهو ما نتمناه وندعو له دونما الانطلاق من تلك الحقيقة: لبنانية القضية.
ختاماً: إن ما جرى في الأيام الماضية من (هوجة) إعلامية زائفة للهجوم على المقاومة وزعيمها ولتصوير ما جرى في لبنان على غير حقيقته لن يمكث في الأرض ولن ينفع الناس وهو مزايدة رخيصة حتى على وليد جنبلاط ذاته الذي اعترف بالخطيئة علناً، ولقد آن للجاهل أو المغرض أن يرحمنا بجهله وبغرضه ،وأن يخرج من عقله ، وضميره ذلك النفط الذي أفسده.
(وربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا)
صدق الله العظيم