فيروز.. أما بعد
حين غار الورد واعتل الخزام خرجت فيروز من زقاق البلاط الحي البيروتي العتيق إلى نزهة أواخر صيف الكرام في رحلة النجومية التي تلقفها الاخوان فليفل وحليم الرومي وقدر للاخوين رحباني أن ينشرا أريجها مع عبق نسيم غوطة دمشق
وأريج ورد الشام مع صبوات الريح إلى أربع جهات الأرض المشتاقة لكؤوسها المترعة حتى الجمام.. أن قلنا.. واذا شهرزاد غنت.. يكون الكلام مبهما. ولكن لو قلنا واذا فيروز غنت فان الخطاب يصل الى مستقبليه واضحا جليا بأن نهاد وديع حداد التى اختارت هذا الاسم بديلا من شهرزاد يكتمل الخطاب.. ملكت سمعنا فالبيت أذن صاغية.. هذه الصبية التى عبرت جسر القمر على وحى الليل والقنديل الى قمم جبال الصوان لتغنى لبياع الخواتم أيام فخر الدين وهالة والملك مستعطفة الشخص الذى نام فوق أحلام ناس من ورق فكانت ناطورة المفاتيح وما بارحت لولو المحطة حتى تأخذ ثوب العروس من ميس الريم الى كحلون لتقوم أفراح العرس فتوقظ باصوات يعيش.. يعيش الوالى فى صح النوم وتأخذ الخاتم كى تمهر أحلام البسطاء بطابعها اللحنى الجميل وتعيد ل بترا القها العربى النبطى المقاوم للروم وتتمازج الحانها فى وجداننا الشعبى الحانا عربية غنت جدلية السيف والقلم . لعل خيار نهاد لفيروز الذى امتشقته اسما مشرعا ليعكس سطوع بحر بر الشام وزرقته اللازوردية ويملا الدنيا ويشغل الناس على امتداد نصف قرن ولايزال يزداد القا وغنى ومعاصرة فى طريقها الفنى الذى عبده الرحابنة أخوان وابن وسار فى ركبه عدد كبير من موسيقيين وشعراء أسهموا فى تشكيل قامة فيروز لينطلقوا معها وبها الى مصاف نجومية الفن.. لم تكن من قبيل المصادفة أن تعيد قامات شعرية كبيرة من مثل عمر أبى ريشة والاخطل الصغير ونزار قبانى وأبو سلمى وميخائيل نعيمة و سعيد عقل للتاريخ روحه وعبقه العربى بادراكهم عن سابق تصور وتصميم موقع المنبر الفيروزى وشذا الحان الرحابنة وعمالقة التلحين العربى الذى انتشر شعرهم الصافى عبر اثير اذاعة دمشق ومسرح معرضها الدولى الى الدنيا أن.. ظمىء الشرق فيا شام اسكبى واملئى الكأس له حتى الجمام أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم فى عروة الدهر وسام تقف النجمة عن دورتها عند ثغرين.. وينهار الظلام ولم تكن مصادفة أن يبدأ تغنى فيروز بالشام وتاريخها من ثلاثة أماكن فى قلب عاصمة الامويين التى دانت لها الدنيا ولم تدن لاحد. الاماكن هذه تجاورت حتى فى حدود الجغرافيا.. ففيروز التى انطلق نجمها من اذاعة دمشق فى 12 تشرين الثانى عام 1952 ببوح أغنية.. حاجى تعاتبنى يئست من العتاب ومن كثر ما حملت نى هالجسم ذاب حاجى تعاتبنى واذا ب دك تروح.. روح وأنا قلبى تعود ع العذاب. فاذاعة دمشق كانت منطلق سفيرة العرب الى النجوم وهذا هو الموقع الجغرافى الاول فقد خصصت الاذاعة لها يوم الاحد من كل أسبوع لبث أغانيها حتى اتهمت بأنها اذاعة فيروز من دمشق.. والموقع الثانى هو معرض دمشق الدولى الذى بدأت معه بعرض مسرحياتها منذ العام 1962 بمسرحية جسر القمر والتى عبرت فوقه الى سدة المسرح الغنائى والى قلوب العرب بعامة والسوريين بخاصة الذين صاروا ينتظرون مسرحياتها كل عام على خشبة مسرح المعرض حتى العام 1977 الذى توقف فيه نشاط الاخوين رحبانى معا والى الابد وقبل أن يكمل منصور الرحبانى مسيرة العطاء مع أبنائه المبدعين مروان وغدى وغسان.. وليعيد التواصل من جهته مع جمهوره فى سورية فى أعمال عدة مثل انقلاب والمتنبى وحكم الرعيان. والموقع الثالث هو دار الاوبرا التى قدمت فيها مسرحيتها المستعادة صح النوم.. دار الاوبرا التى تقوم فى الطرف الغربى لميدان الخيل الذى كان أطفال الامويين يجرون عليه سباقات الخيول والذى يمتد من موقع فندق سميرا ميس عبر معرض دمشق الدولى القديم وحتى المكان الذى تقوم فيه اذاعة دمشق حاليا..من هنا نقول.. انه ليست مصادفة أن يبدأ مشوار فيروز الغنائى من هذه الاماكن الثلاثة التى كانت فيما مضى ميدانا أمويا.. ولهذا ليست مصادفة أيضا أن تغنى فيروز للشام كل هذه القصائد الرائعة التى تتغنى بتاريخ مجد دمشق التليد.. فعلى الضفة اليسرى من نهر بردى وأنت تتجه غربا الى الربوة يقع ميدان الخيول الذى طالما تدربت لتشد للفتح فى حين يقع على الضفة اليمنى بستان هشام بن عبد الملك بن مروان مكان مكتبة الاسد الوطنية حاليا.. اذا من هنا بدأ الامويون التى ضاقت الدنيا على خيولهم بما رحبت فمشت شرقا الى السند والهند وغربا الى اللوار والاندلس لتقول.. أمويون فان ضقت بهم الحقوا الدنيا ببستان هشام لم ينقطع شلال الحب بين الشام وفيروز منذ ذلك التاريخ فتجدد لقاء أيلول وورقه الاصفر ولكن مع مطلع هذا العام.. شام أهلوك أحبابى وموعدنا أواخر الصيف ان الكرم يعتصر نعتق النغمات البيض.. نرشفها يوم الاماسى لا خمر ولا سهر قد غبت عنهم ومالى بالغياب يد أنا الجناح الذى يلهو به السفر وكما تعود فيروز الى قلب العرب وقاعدة أسفارها لتصبح سفيرة العرب الى النجوم تعود الى دمشق ذكرياتها .. يا شام عاد الصيف متئدا وعاد بى الجناح صرخ الحنين اليك بى اقلع ونادتنى الرياح وأنا اليك الدرب والطير المشرد والاقاح أهلى وأهلك والحضارة وحدتنا والسماح وصمودنا ومواكب الابطال من ضحوا وراحوا يا شام يابوابة التاريخ تحرسك الرماح ودمشق التى كانت ومازالت قلب العروبة النابض تستعيد مع الحب عاصمة المجد التليد لتذكر بايقاعات وقع حوافر الخيل.. خلت على قدم التاريخ طابعها وعلمت أنه بالفتكة العجب هذى لها النصر لا أبهى فما هزمت وان تهددها دهر من النوب تعود دمشق على هودج من نخيل صحراء العرب.. تصارع الرياح الهوج تسكبها منابع الفتح والانتصار من الصين الى اللوار..مشرعة بساتين الادب من غوطتها لا ليعتصره الكرام أواخر الصيف بل لينهل منه نهما الطراق وعابرو السبيل ولتكون عاصمة العرب وثقافتهم طوال عام تستعيد معه أيام كانت منطلق تعريب الدواوين والنقود وموطن رباط الخيل التى تشد الفوارس عندها لمواجهات مدلهمات الليل.. قرأت مجدك فى قلبى وفى الكتب شام ما المجد.. أنت المجد لم يغب ذكرتك الخمس والعشرين ثورتها ذاك النفير الى الدنيا.. أن اضطربى وخلفوا قاسيونا للانام غ دا طورا كسيناء ذات اللوح والغلب وبر الشام الذى امتشق مجده بالقلم والسيف ليسجل شطرا من أسطر التاريخ.. شام ياذا السيف لم يغب يا كلام المجد فى الكتب قبلك التاريخ فى ظلمة بعدك استولى على الشهب يوم عيناها بساط السما والرماح السود فى الهدب وهى التى ما انفكت تسرج الخيل وتطنب سرادقها فى أربع جهات الارض لم تضرب وجها عن الغزل الرفيع.. نسمت من صوب سوريا الجنوب قلت هل المشتهى وافى الحبيب ويحه ذات تلاقينا على .. سندس الغوطة والدنيا غروب قال لى أشياء لا أعرفها.. كالعصافير تنائى وتؤوب هو سمانى أنا أغنية ليت يدرى أنه العود الطروب لا تزال فيروز بسمة على شفاه الحلم فى أغانينا وفى الكتب.. أعادت لنا بصوتها الملائكى عبق ياسمين الشام ونارنجها وكبادها وغنت أوجاع القدس غضبا ساطعا اتيا لامحالة بارادة لا تكل من المسير وغنت بردى الذى لا يمل من السيل ليتنسغ خمائل عطاء السلسبيل .. فيروز.. كيف لا نحبك وأنت تعيشين فى ذاكرتنا وتنعشين امالنا.. فيروز شكرا لوجودك الجميل.. تنشدين جدلية القلم والسيف السليل. بطاقات ولدت فيروز فى بيروت فى 21-10-1935 اكتشفها الاخوان محمد وأحمد فليفل وحليم الرومى حين غنت للمرة الاولى فى حفلة المدرسة عام 1946 وضمت بعد ذلك الى كورال الاذاعة اللبنانية لتبقى فيها شهور معدودة. تعرفت الى عاصى الرحبانى عام 1951 قدم لها الرحابنة أغنية البنت الشلبية وهى أول أغنياتها التراثية المطورة ثم قدما لها أغنيات مجددة مثل نحن والقمر جيران فى عام 1955 تزوجت عاصى الرحبانى ورزقت منه بأربعة أولاد هم.. زياد وهالى وليال وريما . مسرحياتها جسر القمر 1962 الليل والقنديل 1963 بياع الخواتم 1964 أيام فخر الدين 1966 هالة والملك 1967 الشخص أو بياعة البندورة 1968 جبال الصوان1969 يعيش .. يعيش 1970 صح النوم 1971 ناس من ورق 1972 ناطورة المفاتيح 1972 المحطة 1973 لولو 1974 ميس الريم 1975 بترا 1977 لحن لها الكثير من الملحنين الكبار منهم.. حليم الرومى وتوفيق الباشا وفيلمون وهبة وخالد أبو النصر ونجيب حنكش ومحمد عبد الوهاب وجورج ضاهر والياس الرحبانى ومحمد محسن وابنها زياد الرحبانى وغنت قصائد لشعراء كبار منهم.. عمر أبو ريشة ونزار قبانى والاخطل الصغير وسعيد عقل وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأبو سلمى وجوزيف حرب وهارون هاشم رشيد وطلال حيدر وأسعد سابا والياس أبو شبكة وبولس سلامة.. اضافة الى اشعار عاصى ومنصور الرحبانى. نالت فيروز عددا من الجوائز والاوسمة منها.. وسام الاستحقاق اللبنانى عام 1957 وسام الارز من رتبة فارس 1962 ميدالية الكرامة من الاردن 1963 وسام الاستحقاق السورى 1967 وسام النهضة الاردنى من الدرجة الاولى 1988 وسام الكوموندور الفرنسى 1988 وسام الثقافة الرفيع فى تونس 1997 .