مرة أخرى فيلم عن العلاقات اللبنانية السورية يغزو صالات العرض في سوريا
تناول الفيلم السوري مرة أخرى ، للمخرج الشاب جود سعيد، الذي بدأ عرضه جماهيريا مساء الجمعة بعدما حاز جوائز في مهرجان دمشق السينمائي الأخير
العلاقات اللبنانية
السورية من خلال قصة حب بين لبنانية وسوري، في اقتحام سينمائي سوري غير مسبوق لهذا الموضوع الحساس.
وقد حاز الفيلم جائزتي أفضل فيلم عربي وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي وهو يعرض في وقت واحد في أربع مدن سورية هي دمشق وحلب واللاذقية وحمص الأمر الذي لم يحدث لفيلم سوري منذ زمن بعيد.
يدور الفيلم حول قصة حب بين سيدة لبنانية جاءت الى دمشق لتعمل مديرة بنك وشاب سوري يعمل مديرا لقسم الاتصالات فيه.
وتبدأ الحكاية بينهما مشوبة بالتوتر، لكنها سرعان ما تتحول الى قصة غرام. بيد ان التوتر بينهما لا يزول تماما مع الوقوع في الحب، اذ ان الشخصيتين لا تزالان تعيشان في الماضي.
فمن الواضح أن جويس، بطلة الفيلم (تؤديها اللبنانية بياريت قطريب)، متأثرة في علاقتها مع السوريين بمقتل ابيها، حيث يوحي حوارها بأن للسوريين علاقة بمقتله. اما الشاب السوري مجد (يؤديه قيس الشيخ نجيب) فقد قتلت والدته في لبنان، كما تعرض هناك لحادث شخصي حين اطلق النار على رأسه وهو يعبث بالسلاح، دخل اثره في غيبوبة استمرت عشر سنوات، ولم يصح منها الا الى فقدان ذاكرة دام ثلاث سنوات.
مأساة الشاب، الذي يظهر قدرا كبيرا من الحزن في ملامحه وتصرفاته، هي في هذا الماضي الاليم في لبنان. فبعد موت امه، عاش الطفل قرب ابيه في ثكنة عسكرية، محتضنا من قبل مساعد مقرب من الاب، صوره المخرج اقرب الى بساطة الريفيين (أداه عبد اللطيف عبد الحميد)، فيما الأب، الضابط الكبير، مأخوذ من حياته الشخصية الى واجبه العسكري. وهنا يصوره الفيلم كمحارب وفارس نبيل، يفضل الموت على أن يبقى أشبه بشرطي، بلا عمل، بعد انتهاء الحرب.
وبالفعل سيحمل الفيلم نبأ موته، بعدما يكون قد أوحى من قبل بنواياه الانتحارية. الأب (يؤديه جوني كوموفيتش) لن يتردد في القول، في لحظة مناجاة تشبه الخاتمة لدوره في الفيلم "السلطة هي الرأفة بالناس"، ويضيف "أتمنى أن ينصفنا الناس غدا، ويغفروا لنا".
في خضم قصة الحب تلك، سيأتي من ينغص، وهي هنا العشيقة السابقة للشاب السوري مجد (تؤديها كندة علوش)، التي تزود جويس بنسخ من تسجيلات ومكالمات تثبت أن مجد كان يتلصص حتى على محادثاتها مع أختها عبر الانترنت. الأمر الذي ينهي علاقة، لن تعود الا مع حرب تموز/يوليو 2006، حيث تقطع الطرقات، ولا تجد جويس سبيلا إلى أمها وابنتها في لبنان، ولا يعود أمامها سوى مجد الذي يمكنها بنفوذه أن يوصلها إلى هناك.
وهو لا يتردد في مساعدتها، حين يأخذها إلى جسر على نهر عبر الحدود، تمضي هي، فيما يبقى هو في منتصف المسافة على ذلك الجسر القلق.
هنا بالذات يبرز المعنى الذي يرمي إليه عنوان فيلم "مرة أخرى"، فهو يبدأ من عونٍ يقدمه السوريون للبنان مع بداية الفيلم، وينتهي بهذه اليد الممدودة "مرة أخرى" في نهاية الفيلم.
المنتج السينمائي الشاب عروة نيربية يقول لوكالة فرانس برس "الفيلم خاض بمسألة سياسية وشخصية شائكة، واختار أن يبني دراما بين الألغام، وهذا ما يجعل حصى في الفم (صعوبة قول كل شيء)".
ويوضح ان ثمة شعورا "أثناء مشاهدة الفيلم إن هناك نقصا ما، وتعرف في الوقت نفسه أن الفيلم لم يكن ليمر لولا ذلك النقص".
أما الناقدة السينمائية اللبنانية ريما المسمار فتقول "لم أشاهد الفيلم من منظور سياسي، بل شاهدته كدراما" موضحة "أحسست بنقص في بناء الشخصيات، أوحى الفيلم بأن شخصية البطل مركبة، وكنا ننتظر أن تنجلي الشخصية أكثر، الأمر الذي لم يحدث. كذلك لم تشهد الشخصية أي تحولات".
وأشارت الناقدة إلى "هوة في التصوير بين المشاهد الخارجية وتلك الداخلية المصورة في بيت أو بنك وغيره".
الناقد السينمائي نديم جرجورة يقول كذلك "لم أتعاط مع الفيلم كسياسة، حتى لو كان فيه تلميحات لأوضاع معينة"، مضيفا "لكنني أتساءل سينمائيا لماذا لم تكن الشخصيات اللبنانية بهذا العمق". وأشاد جرجورة ب"حرفية الفيلم، وتوثيقه لكل تلميح عسكريا كان أم سياسيا أو اجتماعيا".
المخرج هيثم حقي يقول لوكالة فرانس برس "قرأت السيناريو من قبل، ووجدت ان هذه الشخصية (الضابط الأب) استثنائية بالتعامل مع الموضوع اللبناني، هي خارج السياق الذي نفكر فيه باتجاه علاقتنا مع لبنان، وهي علاقة معقدة أثرت علينا جميعا منذ العام 1976، ولا يجب تبسيطها".
ويرى هيثم حقي، وهو اليوم واحد من أبرز المنتجين التلفزيونيين والسينمائيين في سوريا، أن "من المبكر الحديث عن موضوع بهذا التعقيد (..) فاللبنانيون منقسمون انقساما حادا حول هذا الموضوع".
ويضيف مخرج مسلسل "رماد وملح" الذي يحكي عن فترة الحرب في لبنان "كان المسلسل لكاتب لبناني، وكذلك الممثلون وجهة الانتاج لبنانيون ، ومع ذلك وجدت اعتراضات حادة لدى البعض، ومنهم من قال كيف يخرج سوري مسلسلا عن لبنان!"
ولدى سؤال مخرج الفيلم جود سعيد حول اهتمام القطاع الخاص بتوزيع الفيلم قال "الموزع رأى في الفيلم ما يشبه تلك الأفلام التي يعرضها في صالته، رأى أنه موجه للناس أكثر مما يتوجه إلى النخبة".
وردا على وصف للفيلم يقول بأنه من وجهة نظر السلطة يرى هيثم حقي "الرجل (المخرج) كان يمشي بين الألغام، هو فيلم لرجل يتحدث عن أبيه وتضحيته، وهو ليس فيلم سلطة".
فمخرج الفيلم هو ابن ضابط سوري عمل في لبنان، وهو لم ينف أنه يستوحي من وضعه الشخصي. وهو يقول دفاعا عن بطله الشاب، خصوصا في وجه من ينتقد "أداءه البارد" بالقول "إن هذا الأداء هو بسبب +العسكرية+ التي تحمله نفسيته، تلك التي طبعت جيلا بأكمله، حتى لو كان بدون البدلة العسكرية".
ويضيف "لقد ورث البطل الشخصية العسكرية للاب الذي كان يحمل مشروعا، ولكن من دون أن يرث الابن مسوغات تلك الشخصية".