بناء المستوطنات الإسرائيلية بالأموال الفلسطينية ..بقلم هشام منور
تثبت الوقائع والأحداث اليومية المتلاحقة أن الصراع الدائر على أرض فلسطين ليس صراعاً “قومياً” بين أمتين متقاتلتين على مساحة من الأراضي المتنازع عليها، أو نزاعاً على حدود ومصادر مياه وأولوية تمثيل سياسي، كما يوهم الغرب شعوبه الغافلة.
فيوماً بعد يوم تتبدى ملامح الصراع وأسسه بالنسبة لبعض الواهمين من أبناء جلدتنا، أو الآخرين من المهجو سين بتأنيب الضمير عن جرائم ارتكبتها بلادهم بحق أقلية يهودية في زمن ما.
وبعد أن انتهكت "إسرائيل" الأرض والتاريخ وحقوق الإنسان، لم تكن "إسرائيل" للتورع عن نهب أموال العمال الفلسطينيين البسطاء وتحويلها (نكاية) لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة. فقد كشفت صحيفة "ذا ناشو نال" التي تصدر في أبو ظبي باللغة الإنجليزية، عن تقرير شارك في إعداده خبير اقتصاد إسرائيلي وجماعتان حقوقيتان إسرائيليتان، عن أن "إسرائيل" "سرقت" ما يقرب من ملياري دولار من العمال الفلسطينيين على شكل اقتطاعات شهرية من رواتبهم تحت مسمى "رعاية طبية" لا تقدمها لهم، وذلك منذ العام 1970، واستخدمت هذه الأموال في بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وذكر التقرير أن "السرقة تواصلت حتى بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وبدلاً من تحويل الأموال إلى صندوق رعاية خاص بالعمال (الفلسطينيين)، جرى إنفاقها لبناء مستوطنات على أراضي الضفة الغربية التي تستولي عليها إسرائيل من الفلسطينيين. ويعمل حالياً ما يقرب من خمسين ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة في "إسرائيل"، ولا تزال عملية اقتطاع هذه الأموال من أجورهم جارية حتى اليوم، بحسب التقرير، فيما تقف السلطة الفلسطينية مكتوفة أمام هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق شعبها المحاصر أو المقهور بالاحتلال.
كما أشار التقرير إلى ما وصفه بـ"سرقة منهجية أخرى" تقوم بها السلطات الإسرائيلية بحق العمال الفلسطينيين، وهي الضريبة التي يفرضها اتحاد العمال الإسرائيلي "الهستدروت"، والتي يقتطعها على شكل رسوم من رواتبهم "رغم أنه لا يحق لهم (للعمال الفلسطينيين) الانتماء إليه (إلى الهستدروت)، ولا يقدم لهم أي مساعدة للحصول على حقوقهم". وأشار التقرير إلى دفع أقل من 8% من التعويضات المستحقة للعمال الفلسطينيين، والتي تتضمن رعاية صحية وتأمينًا ورعاية القاصرين لكل عامل، وجرى تحويل مجمل المبالغ سراً إلى وزارة المالية الإسرائيلية، والتي قامت بدورها بتخصيص هذه الأموال لصالح مشروعات بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وقدر التقرير قيمة "الاحتيال الإسرائيلي" بمبالغ لا تقل عن 2.2 مليار دولار، واستثنت تلك التقديرات مستحقات العمالة في السوق السوداء الإسرائيلية، أي مستحقات العمال الفلسطينيين في الأعمال غير النظامية، والعمال الفلسطينيين في المستوطنات اليهودية ذاتها، وبحسب الصحيفة الإماراتية، فإن من بين المنظمات التي أشرفت على إعداد التقرير جماعتين إسرائيليتين تعملان في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، هما "كاف لا أوفيد"، و"مركز المعلومات البديلة"، بالإضافة إلى خبير الاقتصاد الإسرائيلي (شير هيفر).
ويوجد حالياً في الضفة الغربية 145 مستوطنة تضم 300 ألف مستوطن، بجانب 15 مستوطنة أخرى في القدس الشرقية المحتلة تضم 193 ألف مستوطن، إضافة إلى 116 بؤرة استيطانية عشوائية منتشرة في أنحاء مختلفة من الضفة. وفي أواخر ديسمبر الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تخطط لبناء نحو 700 وحدة سكنية جديدة في ثلاث مستوطنات في القدس الشرقية المحتلة، في خطوة لقيت إدانة من السلطة الفلسطينية التي اعتبرتها مخالفة لقرار سابق للحكومة الإسرائيلية بتجميد الاستيطان في الضفة، بينما قالت تل أبيب: إن القدس "مستثناة من القرار".
ويبقى أن نسأل عن موقف السلطة الفلسطينية من ممارسات الحكومة الإسرائيلية إزاء مواطنيها من العمال البسطاء، وأن لا تحاول ذر الرماد في العيون بخصوص استئناف المفاوضات والحديث عن شروط "تعجيزية" لم يتبق منها سوى اشتراط إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية (لا القدس) لمدة ثلاثة شهور، وإن كانت مسألة سلطة فاسدة ومتهالكة عن حقوق عمالها "المستضعفين" يفقد شرعيته في ظل تاريخ طويل من التنازلات الكثيرة والمؤلمة.