الحوار بالمفهوم الأميركي ..بقلم برهان إبراهيم كريم
مفهوم الحوار من وجهة النظر الأميركية بكافة طرقه وأساليبه معوج وعجيب ولا يمت لمنطق الحوار بأية صلة.
فالطريقة الأولى وهي المثلى تتعامل بها مع إسرائيل فقط.وتعتمد فيها التزلف والتودد والتملق لإسرائيل و الصهيونية وعلى الأخص منظمة إيباك بالتحديد.وجلدها وصبرها عليهم يفوق جلد وصبر الحمير بكثير. وهذه الطريقة تسيء للحوار بمفهومه وأهدافه وغايته بحيث ترى الحوار يبكي دماً بعد أن زُيْفَ وقُزم ليذل ويهان.
والطريقة الثانية تحاور بها شعبها وحلفائها. وفحواها الخداع والتضليل و التخويف وترويج الأكاذيب. وهذه الطريقة يشعر فيها الحوار بأنه مغتصب حرف به عن جادة الصواب وحمل ما لا يحتمله أو يُرضيه على الإطلاق. والطريقة الثالثة تحاور بها باقي الشعوب.وفحواها التهديد والوعيد وتوجيه الشتائم والإهانات, وبأنهم ينتهكون حقوق الإنسان ويحاربون قيم الحرية والديمقراطية.والحوار بهذه الطريقة ينتابه الحزن العميق والقرف والضيق لأنها طريقة لا تمت لمبدأ الحوار بأية صلة,وهي ما يحرمها ويرفضها وينبذها أدب وأخلاق وسلوكيات الحوار.
والطريقة الرابعة تحاور بها بعض الشعوب والأنظمة والحكومات.ومضمونها الحوار بالأساطيل وبما تملك من ترسانات من السلاح.فكثيرا ما تحاور بحاملات الطائرات أو بالمدمرة نيوجرسي أو المدمرة كول ( وأسمها يو.أس.أس.كول. ويبلغ طولها 505أقدام (153,9م). وعرضها 66 قدم (12م),وسرعتها 30 عقدة بحرية(56كم /ساعة) وزنها 8885,66 طن. وضعت في الخدمة عام 1996م. وسميت بأسم السرجنت صموئيل دارين كول1920 ـ 1945م الذي قاتل في صفوف مشاة البحرية الأمريكية ( المار ينز). ومنح وساماً بعد موته تقديرا لشجاعته في الحملة الأمريكية على جزيرة أيوجيما اليابانية عام 1945م,والتي أنتهت بانتصار الأمريكيين. تعرضت كول لعملية انتحارية في ميناء عدن أدى إلى مقتل 17 من أفراد طاقمها.وأستغرق إصلاحها مدة 64شهر. حيث تم أستبدال 550طن من الحديد, وأعيدت إلى الخدمة عام 2002م. ويعتبرها الأمريكيين درة أنتاجهم العسكري). والمضحك تصريح مسؤول أمريكي رفيع المستوى حين قال: أن مهمة كول هو الحفاظ على الاستقرار الإقليمي خلال هذه الفترة الحرجة. أما غوردن جوندر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي فقد قال: أن الهدف من وجود البارجة كول في شرقي المتوسط هو إظهار الدعم للاستقرار في المنطقة. وكم هؤلاء مضحكون حين يربطون الأمن والاستقرار بمدمرة أو بحاملة طائرات!!!!!!
حوار الولايات المتحدة الأمريكية لشعوب العراق والسودان وأفغانستان وباكستان بجيوشها الجرارة وبصواريخ كروز وبصواريخ تطلقها طائرات مسيرة بدون طيار وبقنابل اليورانيوم المنضب وبأعمال القتل والخطف والتعذيب في السجون والمعتقلات وهو نسخة طبق الأصل عن الأسلوب الذي تتعامل فيه إسرائيل مع الفلسطينيين في الضفة والقطاع وباقي المخيمات !!!!! وليتصور المرء كم هذه الطريقة من الحوار إجرامية وإرهابية ودامية!!! وكم تزهق فيها أرواح أناس أبرياء وتدمر فيها من ممتلكات وتنتج من مآسي وأحزان!!!!!
باختصار الحوار بالمفهوم الأميركي يدل على أن الساسة الأمريكيين سذج أو حمقى وأغبياء يظنون أن العالم غابة والإنسان فيها يجب أن يتجرد من إنسانيته وأن يتطبع بطباع الوحوش بعد إن افتقدوا منظومة القيم والأخلاق. ولو أنهم احترموا الديانات السماوية,أو عرفوا حقيقة الإسلام, وما ورد في القرآن الكريم, لما تصرفوا بما يسيء لهم ولبلادهم في كثير من الأمور,ولكان بقدرتهم التعامل بطرق صحيحة وسليمة مع الأنظمة والشعوب.
وما من احد يجهل بأن الحوار كي يحقق الهدف والغاية منه يجب الالتزام بمعايير وأسس عدة .من أهمها: الالتزام بأدب الحوار ,وبحسن المعاملة والقدوة الحسنة التي يتميز بها في هذه الحياة . وأن يكون الحوار بالتي هي أحسن, وليس بالتهديد والوعيد وسياسة العصا لغليظة.ودفع الأمور بالتي هي أحسن.وأن لا يكون الحوار وسيلة أو هدف لإعلاء باطل ودحض حق. وأن يبنى الحوار على قواعد المنطق والحكمة والمحاكمة العقلية كي لا يحرف به عن جادة الصواب.وأن تكون الصراحة والحقيقة والصدق هي جوهر الحوار لا التذرع بالأكاذيب والأباطيل والترهات ومحاولات التضليل. وأن يجرى الحوار على قاعدة الاحترام المتبادل لكل طرف من الإطراف المشاركة فيه. وقد يستلزم الحوار بعض العتاب. والعتاب صابون يغسل القلوب من الأحقاد و الفهم الخاطئ لبعض التصرفات,أو نتيجة تراكم مشاكل وخلافات سادت وازدهرت لفترة من الزمن بين أطراف الحوار بسبب سؤ الفهم أو القطيعة أو الخصام, بحيث يعيد الحوار بالقلوب إلى مرحلة جديدة من النقاء والصفاء بين أطراف الحوار,و يدفع بالعقول لإصلاح ذات البين ووضع حد للخصومات والخلافات, وتذليل كافة العقبات والصعوبات وتبديد سؤ الفهم بين كافة الأطراف. وعلى المشارك بالحوار أن يدخل الحوار على أساس أن موقفه الذي يعتقد أنه صحيح قد يحتمل الخطأ. وموقف الطرف الآخر ولو كان يظن ويعتقد أنه خطأ فإنه قد يحتمل الصواب. لا على أساس فرض موقفه ورأيه على الآخر.لأن كثيرا ً من الأمور التي تخص أحد طرفي الحوار قد تكون خافية أو مبهمة على الطرف الآخر,أو ربما قد فهمت خطأ فساد جو من الشك والريبة.
هكذا تفهم الشعوب والحكومات الحوار باستثناء الإدارات الأمريكية و الحكومات الإسرائيلية لأنهما يدخلان الحوار والمفاوضات بموقف جائر ومرذول وخاطئ وأعوج, يسعيان من خلاله لفرض موقفيهما على الطرف الآخر .أو يستعرضان قوتيهما العسكرية لتخويف وإرهاب وإذلال الطرف الآخر والانتقاص منه, بهدف فرض سطوتهما وإرادتهما عليه بدون وجه عدل وحق كي يضمنا لنفسيهما ما سرقوه ونهبوه من أرض وثروات ونفط.
الحوار بنظر الشعوب وبرأي كل فرد هدفه الارتقاء بالعلاقات بين إطرافه نحو حالة أفضل وأمثل كي يأخذ البعد الإنساني مداه الأشمل, ويسود الوئام و يعم الأمن والسلام بين الشعوب والدول والحكومات والأفراد. أما بنظر الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية فهو سوق حرامية يوفر لهما فرصة لاستعراض قوتيهما العسكرية, ويمكن كل منهما من تعليق معلقاته بما ارتكب من جرائم وعدوان وغزو وإرهاب ,وفي هذا السوق يعرض كل منهما قدراته اللصوصية والإجرامية والإرهابية والتدميرية كي يرهب ويخيف ويرعب الطرف الآخر. وستسمع في هذا السوق حكام إسرائيل وبعض رموز الإدارة الأمريكية وهما يصدحان بموشحات غناء وغزل في حب وهيام كل واحد منهما بالآخر . وستسمع تأوهات بعض رموز الإدارة الأمريكية لو أن الله خلقهم صهاينة أو يهود بدل أن يخلقهم أمريكيين. وسترى الصقور والمحافظون الجدد وبعض رموز الإدارة الأميركية يريقون ماء وجوههم ليحظوا بحب الإسرائيليين لهم. بعد أن يسردوا لهم هيامهم بهم وبما فعلوه لأجلهم وبتضحياتهم لنصرتهم في اغتصابهم لفلسطين وتشريد شعبها وإذلال الفلسطينيين على المعابر ونقاط التفتيش وفي السجون والمعتقلات. وستسمع قصائد مدح وغزل بين حكام إسرائيل وبين بعض رموز الإدارة الأمريكية على ما شاركوا فيه من أعمال عدوان وغزو وإرهاب وإجرام دمروا فيها البشر والمقدسات والماء والشجر والحجر. وستسمع حكام إسرائيل وبعض رموز الإدارة الأمريكية يترنمان بإطلاقهم التهديد والوعيد و توجيه الإنذارات وسعيهما لفرض العقوبات بأصوات أنكر من أصوات الحمير بحق الشعوب والدول.
باختصار يمكن القول أن فهم الإدارات الأمريكية الخاطئ للحوار وممالئتهم ودعمهم لإسرائيل وتبرير جرائمها وإرهابها وعدوانها المستمر وممارسة بعض الإدارات الأمريكية للأعمال الإرهابية والإجرامية أو انتهاج البغض الآخر لسياسات خاطئة ومعوجة هم السبب فيما جره عليها وعلى الشعوب وشعبها وبلادها من فقدان للأمن والسلام والأمان,وبما لحق بها وبالعالم من فقر ومصائب وخسائر بالأرواح والممتلكات. وهذه هي من ساهمت بفعالية في تشويه صورة الولايات المتحدة الأمريكية.وهذه الإدارات هي من تتحمل كامل المسؤولية فيما آلت إليه الأمور من سؤ وفقدان للأمن وتنامي للإرهاب في هذا العالم وهي من يجب أن تحاسب وتحاكم وتعاقب.
والسؤال متى تعي الإدارات الأمريكية أن مفهومهم للحوار خاطئ ويسيء لهم ولبلادهم ولمفهوم الحوار !!!!