خبز التنور شهي يعود بنا إلى عبق الماضي وبساطته
رغم التطور الكبير الذي تشهده حياتنا المعاصرة فيما يتعلق بإعداد وتحضير الكثير من أطباق الطعام والمأكولات
رغم التطور الكبير الذي تشهده حياتنا المعاصرة فيما يتعلق بإعداد وتحضير الكثير من أطباق الطعام والمأكولات التي يدخل في قوامها ما لذ وطاب من المواد الغذائية ذات المنشأ الحيواني والنباتي والمنكهات والتوابل وما تتضمنه من سعرات غذائية غنية إضافة إلى تفنن الطهاة وربات المنازل في إعدادها وتجهيزها سواء أكانت طريقة الطهي هي الطبخ أم السلق أم الشوي أم القلي يبقى لبعض أصناف الطعام الشعبية والتقليدية مذاق خاص ونكهة شهية تدفع أي شخص على أكلها والتلذذ بطعمها.
ومن أبرز أصناف الطعام الشعبية التي تمتاز بقدر كبير من البساطة في تصنيعها وتحضيرها و تنتشر في مختلف مناطق سورية لاسيما في الأرياف خبز التنور الذي أتقنت عملية تصنيعه بعض ربات البيوت في القرى بالاعتماد على الطرق اليدوية البسيطة دون الحاجة إلى أية آلة في عملية العجن أو الخبز ومع ذلك ينتجن أرغفة خبز ذات شكل رائع ورائحة شهية تعود بنا إلى عبق الماضي وبساطته وتبعدنا بعض الشيء عن الحياة المعاصرة وضغوطها وتعقيداتها التي طالت كل الجوانب والمجالات بما فيها طرق تحضير الطعام وما يكتنفها من كلفة زائدة و مشكلات صحية متعددة لم يكن يعرفها أجدادنا سابقاً باعتبار أن غذاءهم كان صحياً وبسيطاً بآن واحد.
وقالت أم أحمد الماهرة في تصنيع خبز التنور رغم أن عمرها ناهز على الثمانين عاماً أخبز على التنور منذ ما يزيد على 65 عاماً وهي رغم مرور كل هذه السنين الطويلة تحتفظ بصحة جيدة وبدن رشيق بدليل أنها لاتزال قادرة على الوقوف أمام التنور وخبز عشرات الأرغفة مرتين في الأسبوع وهو الخبز الذي اعتادت أن تأكله لعدم قابليتها على تناول خبز الأفران العادي.
ولأم أحمد ست بنات أصغرهن في الأربعين من عمرها ورغم ذلك فإنها أصلب عوداً وأعلى همة وأكثر تحملا منهن جميعاً رغم فارق السن الكبير والسبب في ذلك كما تقول أم أحمد يرجع إلى أنها تعتمد في غذائها حتى هذا العمر على منتجات غذائية طبيعية كلبن الغنم والسمن الحيواني والبيض البلدي ولحم الضأن إضافة إلى خبز التنور في حين أن بناتها وأمثالهن في وقتنا الحاضر يعتمدن في غذائهن على العديد من أصناف الطعام المصنعة والتي دخلت فيها مواد ومنتوجات غذائية لا ينصح في تناولها الأطباء وخبراء الصحة والغذاء.
وعن طريقة تحضير الخبز قالت إنني استيقظ منذ ساعات الفجر الأولى أعجن العجين بالطريقة المعروفة مع إضافة كمية من الخميرة عليه وبعد تركه مدة ساعتين تقريباً أبدأ بعملية خبزه على التنور بعد أن يصبح جاهزاً و بدرجة حرارة مناسبة حيث أقوم بعملية لصق رغيف الخبز بداخله وانتظر مدة دقيقتين ثم أخرج الرغيف بعد أن يصبح ناضجاً في الوقت الذي يتحلق فيه العديد من أولادي وأحفادي وجيراني حول التنور منتظرين بفارغ الصبر أن يحظى كل منهم برغيف خبز طازج وساخن يستمتعون بتناوله كفطور لامثيل له.
وأشارت إلى أنها تخبز نوعين من الخبز الأول الأبيض وهو الخبز السادة والثاني الخبز المحمر الذي يزين بالفلفل الأحمر المضاف إليه بعض السمسم والعطون والبصل وحبة البركة وزيت الزيتون.
و تعكس هذه السيدة الصورة المشرقة للمرأة السورية ومسيرتها الكادحة على مر العصور وتفانيها في العمل الجاد والدؤوب لخدمة كل أفراد أسرتها و بناء مجتمعها ووطنها.
ويبقى خبز التنور الشهي رمزاً من رموزنا الفلكلورية ومنتجا أصيلاً من منتجات وتقاليد شعبنا يأبى الزوال أمام كل ما يفرزه العصر من تقدم وتطور في صنع وتحضير شتى أنواع المأكولات.