تحقيقات

الباحث عبد الغفور بدوي : لغتنا عنوان هويتنا

إن لغة الفرد هي هويته ومسرح تفكيره ومجال وجدانه، وثقافة أي شعب ترتقي صعداً إذ ما ارتقت أفكاره واللغة مرتبطة بمستوى الفكر لأن الفكر هو الذي يصنع اللغة وفي نفس الوقت تصنعه اللغة
أو بمعنى آخر نقول إن الفكر جسد اللغة واللغة هي ثوب الفكر فإن كانت الأمة متقدمة على صعيد الفكر في العلوم والتكنولوجيا والفنون والآداب حتماً ستتقدم اللغة بدورها، والدليل على ذلك اللغة اليابانية التي أصبحت متقدمة إلى جانب عملتها الثمينة بفضل تقدم صناعتها ذات التقنية العالية وسيطرتها على معظم أسواق العالم ، لذا يجدر بنا أن ننطق لغتنا سليمة الأداء؛ صحيحة العبارة.
ولا ينتقصن أحد من شأن اللغة العربية فهي إحدى لغات العالم الخمسة الرسمية في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها وهي اللغة الأولى لأكثر من 290مليون عربي واللغة الرسمية في18 دولة عربية كما يجيدها ويلم بها أكثر من 200مليون مسلم من غير العرب إلى جانب لغاتهم الأصلية إذن فهي الأوسع والأشمل
إضافة أنها لغة الضاد التي شرفها الله حيث جعلها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة في الجنة؛ حيث يخاطبهم ربهم بها فيقول ((سلام عليكم طبتم فادخلوها خالد ين)).
وابتعث الله تعالى لشريعته الخاتمة للرسالات رسولاً عربياً كريماً ينطق بها قال تعالى ((إنا جعلناه قرآناًً عربياً لعلكم تعقلون))، وجعل محمد صلى الله عليه وسلم كل من نطق بالعربية عربياً فقال ((ليست العربية لكم بأب ولا بأم فمن تكلم العربية فهو عربي)).

الباحث عبد الغفور بدوي

وإذا كان لابد من هوية وثقافة وتاريخ ودين ولغة فاللغة العربية جمعت بقوتها كل ذلك في زمن من الأزمنة لأننا أمة عربية عرفت بماضيها المجيد وفتوحاتها العظيمة التي وصلت إلى أصقاع الأرض ومنه إشادة غوستاف لوبون بالعرب بقوله: (( ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب)).
واللغة العربية بالنسبة لنا من أهم مقومات شخصيتنا وهويتنا ودعامة وحدتنا ومستودع القيم والتجارب التي انتقلت إلينا من أسلافنا ومختزن ثقافة الآباء والأجداد فضلاً على أنها لغة القرآن الكريم قال تعالى ((وإنه لتنزيل من رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)) ولقد دعينا إلى تعلم العربية لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بديننا الحنيف وقرآننا العظيم فقد كتب عمر ابن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أما بعد: تفقهوا بالسنة وتفقهوا في العربية فإنها من دينكم .
لقد استطاعت لغتنا العربية أن تستوعب الحضارات العربية والفارسية واليونانية والهندية المعاصرة لها في ذلك الوقت وأن تجعل منها حضارة واحدة وذلك لأول مرة في التاريخ ففي ظل القرآن الكريم أصبحت لغة عالمية واللغة الأم لكثير من البلاد .
ومعجم اللغة العربية من أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها إذ تضم المعاجم العربية أكثر من مليون مفرده وحصر تلك المفردات لا يكون بحصر مواد المعجم ذلك أن اللغة العربية لغة اشتقاق والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مجرد جذر والجذر الواحد تتفرع عنه مفردات عديدة فالجذر (ع و د)مثلا تتفرع منه المفردات التالية ( عاد وأعاد وعود وعاود واعتاد وتعود واستعاد وتعويد واعتياد وتعود واستعاده وعادي وعوده وعيد ومعاد وعياده وعاده ومعاوده وإعاده , يضاف إليها مجموعة أخرى من الأسماء المشتقة.
ولغتنا مليئة بالعجائب، ومن عجائبها الجمل التالية التي تستطيع أن تقرأها من اليمين إلى اليسار وبالعكس فانتبهوا يا أولي الألباب:
فمن القرآن قوله تعالى ((كل في فلك)) ((ربك فكبر ))
حوت فمه مفتوح . بلح تعلق تحت قلعة حلب –دام علا العماد –
أرض خضرا — ساكب كاس – كبر رجاء أجر ربك — سور حماه بربك محروس — سر فلا كبا بك فرس
مودته تدوم لكل هول———وهل كل مودته تدوم ———قيل افتح باب جار تلقه ——–قلت راج باب حتف أليق
ومن عجائب الشعر العربي الجميل الغريب فيه أنك تستطيع قراء ته أفقيا ورأسيا
ألوم صديقي وهذا محال ——- – صديقي أحبه كلام يقال
وهذا كلام بليغ الجمال ———محال يقال الجمال خيال
هذه الأبيات جزء من القصيدة الرجبية ولها ميزة عجيبة ألا وهي:أن الأبيات أبيات مدح وثناء ولكن إذا قرأتها بالمقلوب كلمة كلمة أي تبتدئ من قافية الشطر الثاني من البيت الأول وتنتهي بأول كلمة بالشطر الأول من البيت الأول فإن النتيجة تكون أبيات هجائية موزونة ومقفاة ومحكمة أيضا
حلموا فما ساءت لهم شيم ——— سمحوا فما شحت لهم منن
سلموا فما زلت لهم قدم ——— رشدوا فلا ضلت لهم سنن
وسوف تكون بعد قلبها كالتالي :
منن لهم شحت فما سمحوا——- شيم لهم ساءت فما حلموا
سنن لهم ضلت فلا رشدوا ——- قدم لهم زلت فلا سلموا
إن غنى لغتنا وتنوعها بهذا يفرض علينا ويلزمنا بالحفاظ عليها والاهتمام بها وأن نوقرها ونجل أربابها، و وعي المجتمع لأهمية اللسان العربي أحد سبل النهوض باللغة العربية التي تعاني ضعفا شد يدا على لسان أبنائها ويكفينا ما حل بأمتنا العربية من ويلات واعتراها من هجمات إن كان على الصعيد السياسي أو العسكري أو الاجتماعي وما حل بها من غزو ثقافي ومحاولات لتغيير واقعنا وقيمنا وحتى لغتنا حتى وصل الاستهتار بها لتأليف قرآن يضاهون به كتاب الله الخالد أسموه الفرقان وحاولوا عبر بعض المثقفين العرب استبدال الحرف العربي بحرف لاتيني بحجة أن الحرف العربي يعلن الحرب الشعواء على الحضارات الأخرى وتحت مسمى تحديث الثقافة العربية . ويعد هذا التغيير جزءاً من خطة الإصلاح في المنطقة والتي تدخل ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير وحاولوا في بعض البلدان العربية أن يلغوا المناهج القائمة التي تعتمد على دراسة قواعد اللغة العربية والصور الجمالية والإبداعية فيها.
لقد أرادوا تعليم التلاميذ في المدارس والطلاب في المعاهد والجامعات وكذلك المثقفين طريقة جديدة لكتابة اللغة العربية فصرنا نسمع كلمات لا تمت إلى لغتنا العربية بصلة ومن العجب العجاب تفاقم ظاهرة إطلاق التسميات الأجنبية والعامية على المحال التجارية وفي العلامات التجارية على المنتجات الوطنية وعلى المصانع والمعامل والمطاعم والفنادق والمقاهي والنوادي والشركات وما يماثلها وفي الإعلانات التي توضع في الشوارع والمحال العامة أو التي تبث عبر وسائل الإعلام وفي المطويات والنشرات والإعلانات واللافتات إلخ—- إذ أن العامية الهجينة تسري كالنار في الهشيم على لسان بعض المذيعين ومقدمي البرامج وبتقليد أعمى و دون تفكير أو اهتمام ودون سؤال عن ماذا يراد بنا انتشرت هذه المصيبة ووقعنا في هذه الأزمة الخطيرة
حيث لاحظنا في الفترة الأخيرة كثرة المفردات العامية من محاضرين ومحاضرات في الجامعات والمعاهد والمدارس, وملأت القنوات الفضائية العربية بالمسلسلات المدبلجة أو المترجمة من اللغات الأخرى أو المسلسلات بالعامية. ومما يؤسف له أن بعض هذه المسلسلات العربية قد ترجمت لأن بعض كلماتها غير مفهوم للكثيرين من العرب لأنها من رواسب الاستعمار ومما يؤسف أيضا أن يؤلف أحدهم موسوعة للألفاظ العامية, وبوركت تلك الموسوعة من قبل البعض وروج لها على أنها عمل أدبي رفيع المستوى ؛فلماذا كل هذا ؟؛ أليس من الواجب على هؤلاء احترام وتطبيق التشريعات والقرارات الملزمة لحماية اللغة العربية من خطر استعمال اللهجات العامية واللغات الأجنبية والوقوف بإجلال واحترام أمام التوصيات والتوجيهات التي أوصى بها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد في كلمته الشاملة التي ألقاها أمام مجلس الشعب بمناسبة أدائه اليمين لولاية دستورية جديدة في السابع عشر من تموز عام 2007 حيث قال سيادته : يجب إيلاء اللغة العربية التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا كل اهتمامنا ورعايتنا كي تعيش معنا في مناهجنا وإعلامنا وتعليمنا كائناً حياً ينمو ويتطور ويزدهر ويكون في المكانة التي يستحقها جوهرا لانتمائه القومي ثم قال سيادته :
ومطلوب منا اليوم استكمال جهودنا للنهوض بها لاسيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها وجودنا القومي لمحاولات طمس هويته ومكوناته والذي يشكل التمسك باللغة العربية عنوانا للتمسك بهذا الوجود ذاته وقال: ((وعندما تضعف اللغة العربية من السهل أن يضعف أي ارتباط آخر سواء بالنسبة للوطن أو بالنسبة للقومية أو بالنسبة للدين وهذه الأمور ترتبط باللغة )).
ومما يؤسف أننا صرنا نسمع مذيعين ومذيعات و خطبا ء ومحاضرين وسياسيين ومحاوريين يفترض أنهم يدافعون عن اللغة العربية ويهتمون بها أكثر من غيرهم نسمعهم ينصبون المرفوع أو يرفعون المنصوب ولايد ري بعضهم أن (من وإلى وعن وعلى ) أحرف جر فإذا أحرج سكن أواخر الكلمات على لغة
ويتوقف أحدهم ليسأل المحاور فيقول (لا أ دري ماذا تقولونها بالعربية ؛بعد أن كان يمرر في كل جملتين كلمة أجنبية وكأنه انسلخ من هويته وعروبته وانتمائه إلى هذه الأمة . ليظهر انتماءه للحضارة الجديدة والثقافة المزعومة ضاربا بكل التوصيات التي توالت للاهتمام باللغة العربية.
إن هذا كله يجعلنا نقف أمام ذاتنا وهويتنا وديننا وتاريخنا لنقول كلمة حق (إنه ما من شعب أراد الحياة الكريمة العزيزة إلا وتمسك بلغته الأم أمام اللغات الغازية فالزعيم الفيتنامي هوشي مينه يقول: ((لا انتصار لنا على العدو إلا بالعودة إلى ثقافتنا القومية ولغتنا الأم)) .ويقول في وصاياه للفيتناميين :حافظوا على صفاء لغتكم كما تحافظون على صفاء عيونكم . حذار أن تستعملوا كلمة أجنبية في مكان بإمكانكم أن تستعملوا فيه كلمة فيتنامية.
نتمنى أن تكون هذه الكلمات المضيئة وما سبقها حافزاً أكيداً لكل شرائح المجتمع في الأمتين العربية والإسلامية وخاصة الجهات المعنية كالوزارات وخاصة منها الأوقاف والإعلام والتربية والتعليم العالي والثقافة وغيرها للاهتمام باللغة العربية والحفاظ عليها وتعزيز الانتماء لهذه الأمة العربية بمحاربة كل ما هو دخيل عليها كالعامية ورفض الأعمال الدرامية المصاغة باللهجات المحلية وعدم الإعلان بالعامية وبالكلمات الأجنبية والتركيز على استخدام اللغة العربية السليمة والإكثار من حفظ القرآن الكريم إذ اللغة محفوظة فيه، قال تعالى: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))صدق الله العظيم .

بواسطة
عماد الطواشي

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. لغتنا هي ثقافتنا هي افكارنا هي التي تدل على معتقداتنا حيث ان القران تزل باللغه العربيه فهي من اجمل اللغات وافصحها تعبيرا واجملها لغة بين اللغات فعبرها نستطيع تعريف مشاعرنا واحاسيسنا التي تدل على هويتنا ومركباتنا .

  2. لغتنا ياقة مهما الغرب حاول يقدم مغريات للشباب العربي حتى ينساها لانو هي بضل لغة القران الكريم واللغة يلي حكا فيها النبي محمد والصحابة الكرام

  3. كل الشكر لك أستاذنا الكبير على اهتمامك الذي تعودناه منك باللغة العربيةوأهميتها عرفنا ذلك فيك من خلال حفظك للقرآن الكريم وتجويدك له بصوتك الجميل الرائع أدامك الله

زر الذهاب إلى الأعلى