صناعة السرج الفخارية والإبداع الفني عند الإنسان القديم
يتزايد زوار معرض ألف تحفة وتحفة من الأرض السورية الذي أصبح تقليداً شهرياً تقيمه الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف ليصبح عادة ثابتة عند الكثيرين الذين يستمتعون
بمشاهدة القطع الأثرية التي تخرج لأول مرة من مستودعات المتحف بينما يستمعون إلى الموسيقا الحية.
وتضمن معرض شهر آب الحالي مجموعة من السرج الفخارية والبرونزية التي تعود إلى عصر البرونز القديم والعصر البيزنطي على هيئة صور لحيوانات في وضعية الانطلاق والاسترخاء وفي حالة الصيد مثل الكلاب بالإضافة إلى مشاهد نباتية كغصن الزيتون أو إكليل الغار أو غصن مؤلف من أوراق عنب على شكل إكليل أو منحوت عليها مشاهد مقاتلين بشكل إفرادي أو جماعي أو مشاهد رياضيين أو مصارعين يتناحرون مع بعضهم وغيرها.
وتعود أقدم السرج الفخارية المعروفة في مناطق الشرق الأدنى المختلفة إلى عصر العبيد الألف الخامس قبل الميلاد وكانت عبارة عن طاسة من الفخار قعرها غير ثابت ولها حافة مطوية لتشكل المثعب خلال الألف الثالث قبل الميلاد ومع قيام النهضة المعمارية الثانية التي شملت مناطق واسعة تمتد من الهضبة الإيرانية شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً.
وعرف الساحل السوري السراج المصنوع من الحجر الكلسي في تل سيانو وهو مصنوع من الحجر الكلسي ويعود لعصر البرونز القديم الرابع.
كما عرف الساحل السوري خلال هذه الفترة السراج المتعدد المثاعب وهو بشكل طاسة مصنوعة من الفخار بواسطة دولاب ومضغوطة من جوانبها لتأخذ شكل مربع تقريباً وكل زاوية من حافتها مطوية لتشكل مثقب وقعرها غير ثابت وعثر على هذه الأنماط في تل سيانو وفي تل عرقا.
وخلال الألف الثاني قبل الميلاد عرف نمط سراج العبيد عند الكنعانيين ونجده في معظم المواقع الكنعانية على الساحل السوري واللبناني مثل رأس شمرة وتل التويني وتل سوكاس وتل الكزل وتل عرقا.
كما انتشر هذا النمط ليشمل مناطق سورية الداخلية حيث عثر عليه في العديد من المواقع مثل المشرفة وحماه وتل النبي مند وقد استمدت هذه الأنماط حتى بداية القرن الرابع قبل الميلاد.
وعرفت السرج أيضاً في العالم الايجي وكانت مصنوعة من الفخار أو البرونز وكان بعضها مغلقاً وذلك من أجل حماية الزيت من الغبار ويمكن القول إن السرج كانت بسيطة الشكل ومع هذا فقد تطورت خلال العصر الهلنستي لتصبح أكثر تعقيداً ولتشكل ذروتها خلال العصر الروماني وتشكل مجموعة السرج الموجودة في المتحف الوطني في دمشق مجموعة متكاملة من انواع وأنماط هذه السرج.
ويعتبر استعمال الإنسان القديم للسرج نقطة تحول في التاريخ الحضاري الإنساني وعاملاً على إبداع الفن في تزيينها على الرغم من أن السراج كان له مبدأ واحد بشكل عام وهو إشعال الفتيل ولكن كان لكل عصر ميزانه وخصائصه في صناعته وتزيينه وغدت لكل منطقة أو مدينة خصوصيتها في هذه الصناعة.
يستمر عرض التحف الفخارية أمام الزوار لمدة شهر كامل لتستبدل في بداية الشهر المقبل بألف تحفة وتحفة جديدة من الكنوز المجهولة من سورية
فعلا شيء جميل يحتذى به