قصة حديقة حيوان.. عرض مسرحي يصور مستقبل مدينة تعيش عشوائية اجتماعية
يطرح المخرج رأفت الزاقوت مؤسس فرقة باب المسرحية في عرض قصة حديقة الحيوان الذي قدم مساء أمس في القاعة متعددة الاستعمالات بدار الأسد للثقافة والفنون رؤيته لمستقبل مدينة تعيش حالة من العشوائية الاجتماعية مبرزاً المتغيرات التي تمر بها الحياة في هذه المدينة
ويطلق هذا العرض أسئلة الكاتب الأمريكي إدوارد ألبي اللاذعة عن العزلة الاجتماعية والتفاوت الطبقي بصيغة محلية عبر إعادة بناء الخطاب المسرحي وفحواه من خلال رؤية دراماتورجية لكل من وائل قدور وعبد الله الكفري لتتحول نيويورك إلى دمشق والحديقة المركزية في تلك المدينة الأمريكية إلى حديقة التجارة وليصير بيتر هو صلاح وجيري هو فادي.
وتصور "قصة حديقة الحيوان الدمشقية" صلاح كرجل من الطبقة الوسطى يعيش حياته بهدوء مع زوجه وابنتيه وقطة وعصفورين يقرأ في الحديقة كتاباً ثم لا يلبث أن يتقدم نحوه الشاب فادي الذي يعيش فراغات متتالية في حياته منذ أن وجدوا جثة والدته في مكب النفايات مروراً باستئجاره نصف ملحق في جرمانا وشهوة صاحبة الملحق وكلبها التي لا تكل تجاهه وكلاهما يعيش عزلته المختلفة عن الآخر ومع ذلك يحاولان فتح نوافذ للتواصل مع بعضهما ليكتشفا أن الأوان فاتهما منذ زمن بعيد.
ويسير الخط الدرامي للعمل بتدفق وحيد الاتجاه وبغزارة في الأفكار كما أن الفعل المسرحي يتم ضمن الزمن الحقيقي لحياة صلاح وفادي مما يضعنا أمام معايشة فعلية تأتي فيها الأسئلة عن معنى الوجود والجدوى من الاستمرار في الاحتيال على الواقع من أجل متابعة الحياة.
وتضمنت "قصة حديقة الحيوان" حساً فكاهياً عالياً أثناء عرضها لطروحاتها لكن ذلك الحس لا يلبث أن يتحول مع تتابع أفكار العمل إلى عدائية يوجهها فادي إلى صلاح الذي لا يستطيع مقاومتها إلا بمثلها.
وارتكز العرض على القدرات العالية للممثلين زهير العمر بدور صلاح ورأفت الزاقوت بدور فادي واشتغالهما على البعد الداخلي للشخصية مع ارتهانهما لأقل قدر ممكن من الحركة التي تفرضها العزلة وتراكم مضاعفات الوحدة عليهما ما جعلهم ينتقون بعناية تعبيرات الوجه.. ردود فعل الصوت.. والإيماءات الانفعالية ضمن تصاعد الخط الدرامي للعمل ككل.
ونلحظ في هذا العرض تأثيرات المدرسة العبثية في المسرح والتي برز من روادها صموئيل بيكيت ويوجين يونيسكو وغيرهم فالحوار مختصر إلى الحد الأدنى واللغة مكثفة وتحمل أكثر من معنى في الوقت ذاته ومع التصاعد الدرامي تزداد حدة انفعالات الشخصيات كما أن السينوغرافيا متقشفة واقتصرت هنا على عمود كهرباء ومقعدين في الحديقة وبعض أوراق الخريف المتناثرة على الأرض وإضاءة تقترب من الطبيعية وفواصل موسيقية متباعدة.
ومن الجدير ذكره أن دراماتورجيا العرض التي قدمها كل من وائل قدور وعبد الله الكفري تم إعداد تفاصيلها وتحديد أسئلة المعنى فيها وكيفية صياغة الخطاب المسرحي لها من خلال ورشة عمل تطبيقية لطلاب قسم الدراسات في المعهد العالي للفنون المسرحية تم تنفيذها بين الثالث والخامس من الشهر الجاري بالتعاون مع الجمعية السورية للبيئة.
كما تم توثيق أهم مراحل الاشتغال على العرض في كتيب قام بإعداده الدكتور منتجب صقر أستاذ مادة الكتابة المسرحية في المعهد إيماناً من أعضاء فرقة باب المسرحية بضرورة رصد عناصر المختبر المسرحي الذي احتضن التجربة وأفرز منتجها النهائي ودعوة إلى جعله تقليداً مكرساً يرافق العروض المسرحية ويوثق لها.
يذكر أن عرض "قصة حديقة الحيوان" يستمر حتى السابع عشر من الشهر الجاري في الصالة متعددة الاستعمالات وهو إنتاج مشترك في دار الأسد للثقافة والفنون ومؤسسة سيدا ومعهد الدراسات الدرامية في استوكهولم ومؤسسة المورد الثقافي وضع السينوغرافيا له وسام درويش وصمم الأزياء ظلال الجابي وألف الموسيقا محمد عثمان وساعد في الإخراج رامي خلف.