ما يجب ان تعرفه تركيا بقلم مأمون شحادة
“انتهى” كلمة معنونة في العديد من الصحف التركية، جعلت من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يتنفس الصعداء، كردة فعل على القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية بالغاء قانون محاكمة العسكريين امام المحاكم المدنية، فتلك الكلمة تعني الكثير لحزب العدالة
والتنمية، لانها تمكنت من الغاء بروتوكول "اماصيا"، الذي يجيز للمؤسسة العسكرية، ودون اذن من الحكومة، حرية التدخل في شؤون البلاد الداخلية لحمايتها من اي اضطراب داخلي، ما يعني ان هذا الالغاء شكل نقلة نوعية باتجاه مربع التجاذب السياسي بين الطرفين، فهل يكفي هذا الـ"تجاذب"، والحراك السياسي لحل الاشكاليات الخارجية للجمهورية التركية اقليمياً وعالمياً ؟
ان الاشكاليات الخارجية، التي تحاصر الجمهورية التركية، كثيرة، وتتطلب سياسة موحدة، وصريحة، لايجاد حلول جذرية لها، وما قضية الابادة العثمانية للأرمن عام 1915 الا مثالاً واضحاً لزوجين من الاشكاليات، فالاشكالية الاولى، سياسية، كمطلب لدخول الاتحاد الاوروبي، والثانية اقتصادية، لان الجانب التركي لا يستطيع الاعتراف بتلك المذابح -ليس لانه ينكرها- بل لانه لا يريد ان يخسر اذربيجان (اهم ممر ومورد للغاز)، على خلفية "ناغورني قره باخ" المتنازع عليها بين ارمينيا واذربيجان والتي احتلتها الاولى مطلع التسعينيات، حيث انه يشترط اعادة تلك المنطقة للاذريين مقابل الاعتراف بالابادة، ولكن الا يشكل هذا الاشتراط مصيدة ستقع فيها تركية ان لم تقرأ الواقع العالمي جيداً ؟
هذا السؤال ينقلنا الى منطقة اخرى، هو الشطر الشمالي لجزيرة قبرص (احدى الاشتراطات الاوروبية لدخول الاتحاد)، فقد صادق مجلس الاتحاد الاوروبي في تقريره للعام المنصرم مؤخراً، على انسحاب الجيش التركي من تلك الجزيرة، مما شكل ضربة موجعة للحكومة التركية، التي تسعى الى توحيد الشطرين دون تدخل اطراف اخرى، وهو نفس النهج الذي استعمله الكونجرس الامريكي ضد تركيا، بالمصادقة على وثيقة تدين الاتراك بارتكاب مجازر ضد الارمن؟ هذا اضافة الى ناقوس الخطر الذي تدقه محكمة الإستئناف السويسرية، فقد ذكرت التقارير الاخبارية ان تلك المحكمة اخذت على عاتقها ملاحقة اي تركي ينكر تلك المجازر، وقد صادقت مؤخراً على حكم قضائي بتغريم ثلاثة مواطنين أتراك بتهمة رفضهم الإعتراف بمزاعم وقوع مذبحة ضد ارمن الاناضول إبان الحرب العالمية الأولى، وهذا ما حدث ايضاً لمواطنين اتراك قبل ثلاث سنوات.
ازاء تلك الاشكاليات، ما الذي يتوجب على تركيا عمله ؟ … ان الواجب عليها، ان تقف موقفاً جدياً تجاه هذه القضايا، بعيداً عن التصلب في طرح القرارات، والاشتراطات، وكما هي الحكومة التركية مبدعة في سحب البساط من تحت مؤسسة الجيش، يجب عليها ان لا تكون منقسمة وضبابية على نفسها "سياسياً" في سحب البساط من تحت الاتحاد الاوروبي، كشرط لدخوله.
ان المؤسسة السياسية لا تختلف كثيراً عن مؤسسة الجيش، من ناحية ضبابية القرارات (داخلياً)، ومخاطبة الآخر(خارجياً)، ويتضح ذلك، ليس "بتنافر الجيش مع الحكومة، أو مع الاشتراطات الاوروبية"، بل من خلال الانقسام الواضح في المؤسسة العسكرية نفسها، فعلى الجانب الداخلي، فإن رئاسة الاركان لا ترتبط بوزارة الدفاع كبقية دول العالم، اما (خارجياً) وبسبب تباين البرتوكول التركي مع بروتوكول الناتو، فان رؤساء اركان الجيش التركي يرفضون حضور اجتماعات حلف الناتو، لان الاخير يُجلس وزراء الدفاع في المقاعد الامامية للمجلس، مقدماً اياهم على رؤساء الاركان، بعكس البروتوكول التركي الذي يقدم رؤساء الاركان على الدفاع .
ما يجب أن تعرفه تركيا – وعلى الرغم من الشعبية الاقليمية التي تمتلكها – "ان الوصول الى رأس الهرم ليس بالامر اليسير"، وما يجب ان تعرفه ايضاً انها تمثل جسراً واصلاً ما بين الشرق والغرب، وتجسد ثلاثة دوائر جغرافية، الدائرة الاوروبية، والدائرة العربية، والدائرة الاسيوية الوسطى، ما يحتم عليها المحافظة على هذا المثلث الاستراتيجي "اوروبياً" لجني الكثير من المستقبليات، لان عجلة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي تدور بصعوبة، ولا مجال امام تركيا الا الانضمام اليه، لكي تحافظ على قوتها وديمومتها، الامر الذي يتطلب منها اعادة ترتيب بيتها الداخلي (سياسياً، ودستورياً، وعسكرياً، و كردياً) بما يتناسب مع البيت الاوروبي، ان ارادت الانضمام اليه، لكي تستطيع بعد ذلك مخاطبة العالم اجمع، ولن ينفعها اي تكتل استراتيجي خارج هذا الاتحاد، كالذي تسعى الى صياغته مع سوريا والعراق وايران وغيرها من التحالفات..!!!