الهروب إلى الأمام
عندما علم الجنرالات في الأرجنتين منذ ربع قرن تقريبا ، أن المستقبل السياسي للبلاد يتجه نحو المجهول، وأن قوى الشعب والنظام متباعدين تماما، ابتكر هؤلاء الجنرالات حرب الفوكلاند أو حرب جزر المالوين، مع تمام علمهم بالخسارة العسكرية التي سيُمنوا بها،
إلا أنهم مع ذلك غامروا بالحرب على بريطانيا، لخلق وحدة وطنية، اعتقدوا أنها ستساعدهم على تأخير المعطيات التي كان لا بد منها، من تغيير نهج وتصحيح توازنات.
لقد غامر جنرالات الأرجنتين في الدخول بحرب كانوا سلفا يعلمون خسارتها، إنما كانوا يشترون بالمقابل الزمن ، من خلال خلق حالة وحدة وطنية، فالحرب مع العدو (البريطاني) من أجل ارض (جزر الفوكلاند)، هذا الأمر سيجعل المعارضة السياسية تبطئ من دعوتها لتغيير النظام، على الأقل لفترة من الزمن يعيد فيها الجنرالات ترتيب أوراقهم الداخلية وفق تسويات متنوعة، لمجابهة الضغوطات الخارجية.
في مقال قرأته – منذ مدة طويلة – والذي وضع فيه أن سورية تفكر (آنذاك) بمخرجين، الامتناع عن القيام بأي شيء، والتمسك بالأوضاع الراهنة مع البحث عن ضمانة خارجية.
بعد ذلك بسنوات ثلاثة، بدأت بوادر السياسة السورية تحصد النتائج الايجابية بعد دراسة المخرج الثالث والذي تتم ممارسته حاليا ، وهو خلق وحدة وطنية (وهذا ما قرأته في بيان فرنسي حول أن سورية تعيش لحمة وطنية متينة) ، هذه الوحدة تأتت من عدة أسباب منها (بكثير من التبسيط) ، خروج القوات السورية من لبنان ، مما جعل الكثير من قطاعات الشعب اللبناني ، والتي تود أن تعبر عن كراهيتها للذين قاموا بممارسات خاطئة ، جعلت من اللبنانيين يتصورون أنهم ضد كل السوريين ، وهو بالمقابل جعل قطاعات كبيرة من الشعب السوري ، يرسمون لأنفسهم عدوا وهميا، ويلتحمون مع رئيسهم.
ومنها ايضا الوضع الفلسطيني، والمفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين من جهة والاسرائيليين في الجهة الاخرى، مع تهميش الدور السوري الذي كان لفترة وجيزة ، مؤثرا وفاعلا ، فأصبح مهمشا، وهذا أيضا جعل الشعب السوري يلتف حول رئيسه.
لقد أعادت سورية التأكيد للجميع، أنها مفتاح حلٍ كما هي صمام أمام، وأكدت بما لا يقبل القول، التفاف الشعب حول رئيسه، لم أقل أن الشعـب السوري يلتف حول نظام سياسي، أو قيادي، بل قلت أن الشعـب التـف حول رئيسه ، لقناعته الراسخة أن التغيير سيأتي من الرئيس، وأنا لن اُدهش لوجود الكثر من الذين يحاولون جر سورية ورئيسها الى مواقف تخلق لهم حالة من الوحدة الوطنية يتم من خلالها تأجيل أي تغيير قد يطالهم ، وهم بهذا يحاولون ادراج حالة ركود، عساهم يرتبوا أوراقهم وتحالفاتهم من خلالها، وإلا فهم سيتمسكون بقول شمشون "علي وعلى أعدائي" وخدام نموذجا .
اللهم اشهد اني بلغت