التقليد وهلاك الجسم دون بلوغه بقلم : مأمون شحادة
استوقفتني مقولتان لأرسطو: ان غريزة التقليد أصيلة وذات جذور راسخة في أعماق النفس البشرية”، و اذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغه”، فتلك المقولتان
تحملان مؤشرات بشرية تستوحي الـ”شعور”، واللا “شعور”، وتوظفهما في كافة المجالات الحياتية وعلى قاعدة “التجاذب والتنافر” في تحقيق المصالح الشكلية والجوهرية.
يتضح من ذلك ان النفس البشرية في اضطراب دائم، وتتربع على قاعدة ثلاثية متشعبة ما بين تبرير العمل، والاقصاء (الغاء الآخر)، والاحتواء، ولكن ارسطو في حينه عنون جميع كتاباته بمقولة ضمنية “ان العقل اعلى ما في الانسان”، في اشارة منه الى ان قاعدة العقل سابقة على القاعدة الثلاثية اعلاه.
فالتقليد متجذر في المجالات الحياتية، وعلى كافة طبقات المجتمع (العليا والوسطى والدنيا)، فصدام حسين كان مغرماً بتقليد شخصية ستالين، والرئيس القذافي مغرم بعباءة وشخصية عمر المختار. اما الرئيس التركي اردوغان فيحاول تقليد جده السلطان عبدالحميد الثاني بعيداً عن طربوش السلطنة، كذلك الرئيس الفنزويلي شافيز يقلد شخصية كاسترو في القاء الخطابات، وجيفارا في الطابع الاممي، هذا على الطابع الرسمي، فما مدى تأثير تلك الظاهرة على الوسط الراديكالي؟
في الاونة الاخيرة شاهدنا ان تلك الظاهرة تستفحل كثيراً في فلك الحركات الراديكالية، وخصوصاً تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فثمة اسئلة تجول في مربع فلكهم الراديكالي، وهي: ما مدى انتشار تلك الظاهرة من الناحية النظرية والتطبيقية؟ وهل هي مؤشر لسلب السلطة من رأس الهرم، ام انها حركات استعراضية من ضمن ما سمّي بالـ “نجوم” الفضائية؟
اسئلة كثيرة، عددها اكثر من اجوبتها، تضعنا امام شواهد حقيقية تثبت ذلك الصراع النجومي، وكأنه “نيوهوليوود” بطريقة سلفية، كل يريد ان يتقمص دور الآخر، وبنفس الطريقة التي يتبعها سيده، حتى اصبحت هذه النجومية وسيلة تجاذب وتنافر فيما بينهم.
ان نجوم هذا الفلك الراديكالي، هم ابومصعب الزرقاوي، وحكيم الله محسود، وابوعمر البغدادي وابو ايوب المصري، الذين استطاعوا ان يلمعوا في الفضاء الاعلامي (تقليداً)، وبنفس الطريقة التي يقوم بها اسامة بن لادن، والملا محمد عمر، والظواهري، ولكن كيف كانت مجريات تلك النجومية؟ وما مصيرها في الفلك الامريكي؟ هنا يجب ان نتوقف عند كل شخصية من تلك الشخصيات، لنتناول مجريات العمل التقليدي الذي اتبعه كل منهم.
ابومصعب الزرقاوي، الذي كان ضحية لاشرطته النجومية الديماغوجية، مقلداً فيها شخصية قائده اسامة بن لادن، من خلال الاستعراضات العسكرية المصورة، وكأنها نسخة طبق الاصل، فعلى ما يبدو ان ذلك الشخص كان مغرماً بشخصية سيده، رغم التنافر الجزئي الذي حصل بينهما، الا ان الزرقاوي احب ان يلمع اكثر من رأس الهرم، غير مدرك ان تلك النجومية كانت ترسم معالم حتفه، ما يعني انه كان استعراضياً يعيش لحظة الحدث اكثر من كونه واقعياً.
اما حكيم الله محسود، فلا يختلف كثيراً عما كان يفعله الزرقاوي، فقد اتقن هو الاخر نفس الدور، حيث استطاع ان يكون مقلداً بارعاً لسيده الملا محمد عمر، ونحن نستذكر الشريط الاخير له مع همام البلوي، فمن اللافت للنظر انه وبعد خروجه من المكان الذي صور به ذلك الشريط، كان يرتدي عباءة و يركب جيباً عسكرياً يحيط به مجموعة من المقاتلين، وهذا نفس الشيء الذي كان يفعله الملا عمر، حينما كان يأتي الى قريته “سنغار” راكباً سيارة من نوع “لاند كروزر تويوتا” ويجوب بها قريته (حسب رواية اهل قرية سنغار)، ولكن الفارق بينهما عامل السرية واللعب من خلف الستار، فعلى ما يبدو ان محسود يحب تقليد شخصية سيده، دون اتقان لعامل السرية واللعب من خلف هذا الستار.
ثمة سؤال يقف امام هذه الثنائية، هو: هل ابوعمر البغدادي وابوايوب المصري كانا يسيران على نفس الفضاء التقليدي، ام ان لهما وجهة اخرى مغايرة لهذا الاتجاه؟
فعلى ما يبدو ان لهما وجهة اخرى مختلفة، فهما متأثران بشخصية ايمن الظواهري، لما يعرف عنهما بتبني افكاره الجهادية المنتمية الى ايديولوجيا تنظيم الجهاد الاسلامي المصري، فشخصية الظواهري محببة لدى الاثنين، فلو قارنا بين خطابات الاخير وخطاباتهما لوجدناها متطابقة مع اسلوبه الفلسفي وعباراته النظرية في طرح معنى الندية، كذلك لم يعرف عنهما بالـ”عروضات” العسكرية المصورة، وهو نفس الشيء الذي كان يتبعه الظواهري، ما يعني انهما استطاعا تقليد الاسلوب الفلسفي النظري بصورة نجومية.
يتبين من ذلك ان تنظيم القاعدة وحركة طالبان ومن خلال اتباعهم الطريقة الـ”نيوهوليوودية” وصبغها بالسلفية، يتصفون بثلاث صفات، وهي: الخطاب الديماغوجي، والاحترافية النجومية، وحب الصراع على السلطة، حيث ان تلك الصفات الثلاث تجتمع في قالب واحد، وهو “الاستعراض التقليدي”، فالمرؤوس يقلد رئيسه وفقاً لهذا القالب.