تحقيقات

قدره أن يكون التلفزيون العربي الملتزم، التلفزيون السوري انجازات مهمة خلال الخمسين عاماً مضت

المهندس معن حيدر مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري: ما يقود العمل التلفزيوني الشغف بغض النظر عن المردود المادي رسم الصورة المثالية لمستقبل التلفزيون لن يكون من خلال الحلم بل بالعمل والتخطيط المستقبلي لست سوبر مان ولكن ما يميزني ويعطيني
 ويعطيني نصف علامة إضافية أنني ابن هذا المبنى .

عندما سمع ورأى الموطن السوري لأول مرة التلفزيون العربي السوري لم يدرك أنه سيستمر معه صديقاً وجليساً طوال فترة خمسين سنة يحمل همومه وأحزانه، فرحه وشدوه، منيراً لياليه ومزيناً نهاره، ونقله إلى عوالم وأغوار عديدة لا يمكن وصفها بجملة أو حرف أو رسم أو إشارة حثت رنينها الخاص فيه دون استئذان لتوقظ تلك المشاعر والأفكار المختبئة في حدث استثنائي ليصنع الإنسان المعاصر وشغله في جلسة المتعة والإثارة والمعرفة في آن واحد ضمن إطار الجماعة يستقبلون كلماتها وهي ترحب بهم ضمن شروط وطقوس لحضورها بانطلاقة قوية رافقها التحدي والتصميم على النجاح والتفوق والابتكار في عناوين عريضة، أساس متين لنشأة مستدامة ليصبح التلفزيون العربي السوري رائد التلفزيونات العربية. واليوم وبعد خمسين عاماً من التحدي وفي قطاع شهد نمواً متسارعاً يفوق ما تشهده أيةّ قطاعات بفضل السهولة الأكبر في الاستفادة من التكنولوجيا وحجم المداخيل المتوافرة للاستعمالات الثانوية وتعاظم طلب المستهلكين على الأخبار والترفيه، يظل وليد الأمس صامداً يحاول التجدد وسط تلك الزحمة المثيرة للتساؤل والإعجاب وتطرح أسئلة حول الماهية لتطويره مع تسليمنا بأن المضمون يمتاز على كثير من التلفزيونات العربية الأخرى التي تبهر المتلقي بالصورة على حساب الشكل، بل يمكن تجيير السؤال على النحو التالي: بما أننا نمتلك الجوهر فلماذا لا نحسن الشكل أو المظهر؟.
بعد خمسين عاماً من انطلاقته كيف يقيم المدير العام الحالي للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري المهندس معن حيدر التلفزيون العربي السوري، المشاكل والأفاق هنئنا التلفزيون السوري وكان اللقاء التالي :
– ماذا تحدثنا عن الاحتفالية بالعيد الخمسين للتلفزيون السوري؟
العيد الخمسون للتلفزيون السوري يعني رحلة عمر شيقة استمرت على مدى خمسين عاماًَ، يعني جهداً بذل للوصول إلى هذا اليوم، يعني معاناة لإيصال الإعلام المرئي إلى الجمهور والتواصل معه، حيث انطلق البث التلفزيوني عام 1960 وكانت تلك الفترة أسهل من الآن وكانت في نفس الوقت صعبة من الناحية التقنية والتجهيزات والإرسال ورغم هذه الصعوبة كان الموضوع التنافسي غير مطروح في ظل تشوق الناس للبث المحلي الوحيد المتوافر الذي كان يتابع بغض النظر عن المحتوى، وأنا أذكر تلك المرحلة صغيراً حيث كنا نتابع الأعمال والمسلسلات بشوق زائد. والآن أصبح الجهد والمعاناة أكبر بالنسبة للقائمين على الإعلام المرئي بسبب وجود تنافس شديد سواء من الفضائيات أو من مواقع الانترنيت التي بدأت تزاحم بقوة التلفزيون.

– في ظل هذه التنافسية التي تتحدث عنها كيف للتلفزيون السوري أن يتطور في ظل الاقتصاديات المتسارعة في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً لاسيما أنه تلفزيون حكومي؟
المنافسة مفروضة عليه سواء يستطيع أم لا سواء من الناحية التقنية أو الإعلامية أو تطوير أدواته أو التجهيزات والكادر البشري الذي عليه أن يواكب ما يحدث من قفزات في مجال البرامج والتطوير التقني بشكل دائم وبالتالي يشكل عبءً علينا، والتلفزيون الحكومي له سمة خاصة في كل دول العالم ومسؤوليات خاصة ومطلوب منه أكثر من إمكانيته ويغلب عليه الطابع الرسمي ولذلك لا يجب مقارنته بالإعلام الخاص، ونحن ننتقل إلى عالم المعرفة والسيد الرئيس تحدث أن مجتمعنا سيتحول إلى مجتمع معرفة ومن يمتلك المعرفة أكثر سيتقدم أكثر، وهنا يكمن دور الإعلام في تقديم المعرفة وتهذيبها ويشكل مسؤولية أخرى علينا لمواكبة هذه المقولة والعمل بها وإعلام المعرفة مهم جداً لإيصال المعلومة إلى الجمهور بشكل مبسط وسهل بكافة شرائحها وهذه أحد مهمات التلفزيون العربي السوري الذي وضع على عاتقه أن يقوم بها رغم كل الظروف وهذا يتطلب إعادة الهيكلية وزيادة الموارد والنظر إلى المحتوى مع الإبقاء على المضمون الجيد وتدريب كوادر شابة قادرة على التأقلم مع ظروف التطوير.

– عبر خمسين عاماً أين وصل التلفزيون السوري وإلى أين يجب أن يصل؟
إذا نظرنا نظرة تشاؤمية ربما يقول أحد لم يقدم شيء ولكني متفائل ليس كمدير عام بل كمشاهد سوري أجد أن التلفزيون السوري حقق الكثير في مرحلة الخمسين عاماً الماضية، وقدره أن يكون التلفزيون العربي الملتزم وإلى الآن يحافظ على السمعة الطيبة وهو يشاهد مئة بالمائة في الضفة وفي فلسطين المحتلة ويشاهد في لبنان بشكل كبير جداً وفي المغرب العربي أيضاً ونحن نراقب ذلك من خلال ردود فعل السفراء فدائماً يجدون في التلفزيون السوري النكهة القومية الملتزمة ويحبون هذا التوجه.

– الإعلام عبر التاريخ لعب دوراً رقابياً ، فأين دوركم اليوم كسلطة رابعة وهل ستفعّلونه أكثر في ظل أسس موضوعية جديدة؟
أجد أننا نواكب هذا الدور وبشكل مقبول ويجب ألا نذهب بعيداً في ماهية هذا الدور وألا نتعثر فيه فالصحافة والإعلام لهما دور رقابي، بما معناه أنت تسلط الضوء على حالة ما فيجب أن تسلط الضوء على جميع جوانبها سواء الجيدة أو الناصعة أوالسلبية، أما أن نفكر بجلد الذات ونكرس السلبيات فهذا دور سيء برأيي، ويقوم التلفزيون ببرامج عديدة بدوره الرقابي منها "معكم على الهواء" في القناة الأولى وفي نشرة الأخبار المحلية في الخامسة والنصف حيث يتم استضافة المسؤولين وسؤالهم عن أمور تتعلق بحياة المواطنين ويتابع الموضوع بكل أبعاده وأرى أن هذا الدور مقبول نسبياً.

– ألا تظن أن إعلامنا مازالت تحكمه أطر وقواعد تمنعه من التقدم في هذا الدور الرقابي؟
لا نستطيع أن نقول أن هناك حواجز ولكن يوجد مفهوم ألا نهاجم أنفسنا مباشرة ونحمل الأمور كثيراً لمجرد النقد وأنا أراها تنطلق من النقد البناء.

– إحداث هيئة للإنتاج التلفزيوني والدرامي ماذا سيغير في خارطة الدراما والقيمة المضافة التي ستقدمها؟
ستقوم الهيئة بإنتاج أعمال درامية محافظة على دورها الرقابي على المسلسلات ومضامينها، وهي قادرة على المنافسة إذا توافرت الإمكانيات، والرؤية تدل على أنها ستتوافر لها بشكل أكيد ونحن ننتظر، فالهيئة ما تزال حديثة العهد ولا نستطيع الحكم عليها سلفاً.

– كنا نتحدث عن المحتوى، ولكن ماذا عن مُصّنع المحتوى في ظل ترهل الكوادر البشرية في التلفزيون السوري؟
أوافقك على هذه الفكرة فالكوادر البشرية في هذا الجانب لديها خلل في ظل ضخامة أعداد العاملين، والإدارات السابقة والحالية تحرص على التدريب بشكل مستمر وبخاصة بموضوع الإعداد والتحرير وصولاً إلى المحتوى والدورات لم تنقطع وأذكر منذ كنت مديراً في المرة السابقة ومن أتى قبلي وبعدي لم يتوقفوا عن تطوير هذه الدورات سواء الداخلية أم الخارجية ونسج علاقات تدريب مشترك بين تلفزيونات ومراكز التدريب العالمية منها الألماني والفرنسي والانكليزي حيث نسعى إلى فتح مجالات أخرى مع تركيا.

– الإعلام يتجه إلى تكامل بين القطاعين العام والخاص وتنافس بين السوق الواحدة، سمعنا عن تعاقد بين القناة الثانية وإحدى الشركات الإعلانية الخاصة لاستثمار الإعلانات فيها وإدخال برامج ومسلسلات جديدة؟
لا يوجد عقد لحد الآن بل كان هناك فكرة قديمة قدمتها إحدى شركات القطاع الخاص على أساس تشغيل للقناة الثانية بشروط معينة سيتم الاتفاق عليها، ولا يزال هذا الموضوع موضع الدراسة ويوجد موافقة أولية بين وزارة الإعلام والموضوع يدرس ولأول مرة يشارك قطاع عام مع خاص بمجال الإعلام.

– لاحظنا أن حيز الشباب في التلفزيون السوري ما زال ضيقاً ودون الطموح هل تعملون على توسيع هذه المساحة؟
دائماً نحرص على موضوع البرامج الشبابية ونتعاون مع اتحاد شبيبة الثورة في هذا المجال ولكنها خطوات خجولة ولابد أن تأخذ حجم أكبر وهناك دراسات لبرامج شبابية تفاعلية جديدة يجري العمل عليها ولكنها تحتاج إلى وقت.

– المال والشغف أساس للعمل الإعلامي ولكن أيهما أهم بالنسبة للعاملين في الوسط الإعلامي ؟
معظم العاملين بالتلفزيون السوري كما أراهم ومن تجربتي الشخصية منذ عام 1979 ما يقود العمل التلفزيوني "الشغف" لدى كافة سويات الكادر التلفزيوني بغض النظر عن المردود المادي الذي يكون أحياناً أقل من المطلوب ولكن الشغف دافع مهم، وهناك رؤية جديدة في التلفزيون السوري لدعم أكبر على الصعيد المادي ولكن يعيق ذلك التطور الترهل الإداري ولكن توجد ورشة عمل لإعادة النظر بالحوافز البرامجية والإنتاجية وهذه الورشة تجري بين القائمين على البرامج والماليين للنظر بموضوع المردود المادي لجميع المستويات لتقيمها بحيث نفرز الكادر إلى مميز وجيد ووسط وعلى هذا الأساس سيتم تحديد الكتل المادية والحاجات.

– كيف استفدت من تواجدك الإداري في مفاصل العمل في التلفزيوني لمعالجة الفساد أو الخلل الإداري؟
من خلال عملي في التلفزيون دخلت كمهندس عام 1979 وخرجت منه عام 2006 مارست عدة مهام إدارية ومشاريع مهمة مما أعطاني خبرة في المجال الإداري والإعلامي والتقني وكنت أذكر للجميع أنني لست "سوبر مان" ولكن ما يميزني ويعطيني نصف علامة إضافية عن غيري أنني ابن هذا المبنى وبفضل هذه الخبرة والمعرفة أضع يدي على مكامن الخلل في بعض المفاصل التي يوجد بها ترهل وتحتاج إلى إعادة ضبط وشد للبراغي وكلنا في هذا المبنى ورشة عمل واحدة.

– هل تفكرون من خلال علاقاتكم أن يكون هناك شركات اقتصادية راعية على مدار العام ؟
نعم هناك علاقات سيتم استثمارها لصالح العمل العام كما أن المؤسسة العربية للإعلان لا تقصر في هذا المجال وحالياً استطعنا التعاون مع شركة "سيريتل" التي ستدعم بعض البرامج الرمضانية وساهمت معنا في احتفالية الذكرى الخمسين لتأسيس التلفزيون ونحاول في التلفزيون السوري أن نتعامل بالأمور بكل ديناميكية ولا نضع عراقيل إدارية أو روتينية.

– كمتابعين للتلفزيون نرى نفس الاختصاصين ونفس الدكاترة بأغلب البرامج لماذا لا يتم تجديد هذه الآليات؟
راقبنا هذه البرامج ولحظنا الروتين وعملنا على وضع برنامج الكتروني مبسط لعدم تكرار الأسماء وضيوف الحلقات وبفضل ذلك سيصبح هناك تنوع ونرتقي بصناعة البرامج التلفزيونية ونعتمد خارطة على أساس علمي يواكب متطلبات العصر.

– هل أنت متفائل؟
إذا فقدت التفاؤل ففي اليوم الثاني سأجمع أغراضي وأرحل عن التلفزيون ومتى فقد الإنسان التفاؤل فيجب أن يدفن نفسه بالتراب.

– أنت هادئ جداً إلى أي مدى ينعكس هذا الهدوء على عملك؟
ينعكس بشكل كبير وراحة نفسية على العاملين ولكني نادراً ما أكون عصبياً وأعتذر فيما بعد والهدوء ينعكس سلاماً وانسيابية بالعمل.

– ماذا غير القلم الأخضر في شخصيتك؟
لم أوقع في القلم الأخضر لحد الآن ولم يتغير علّي شيء وأستخدم القلم الأزرق لعدة أسباب أهمها أن القلم الأخضر لا يعني شيء بالنسبة لي – مع احترامي لمن يوقعون بالأخضر- وهناك أمر تقني هو أن القلم الأخضر لا يصور ولا تظهر الحواشي بالتصوير.
ختاماً:
الإعلام بالنسبة لي هو الخبز والماء والهواء ولا يمكن الاستغناء عنه، وسواءاً كنت مديراً عاماً أو إعلامياً عادياً أستيقظ صباحاً وأفتح المذياع على محطة الأخبار ثم أتفرج على التلفاز ولدي العديد من البرامج الحوارية المفضلة وأنصح الشباب بالمتابعة والارتقاء بالمهارات وتحصيلهم العلمي والاستماع إلى الآخرين والإصغاء بشكل جيد فرسم الصورة الذهنية المثالية والفريدة لمستقبلك ولمستقبل مؤسستك لن يكون من خلال الحلم بل من خلال العمل والتخطيط المستقبلي, وما يواكبه من تمتعك بروح المنافسة وتقبل الآخر وتشجيع المواهب واستثمار الأفكار وهذا ما يجب علينا فعله لتطوير العمل في التلفزيون لسوري الشاشة الغالية على قلوبنا جميعاً التي تشعرنا بانتمائنا إلى سورية الغالية.

حوار- عماد الطواشي- محمد فراس منصور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى