الشروط الموضوعية لنجاح أية مفاوضات بقلم العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
عرف كل من يتهافت على المفاوضات مع إسرائيل أن ما يفعله يصب في مصلحة إسرائيل بامتياز. فالتهافت السياسي ومسلسل التنازلات المستمر, تستغله إسرائيل بعمليات اغتيالات في كل وقت من الليل أو النهار. ويعرف عمرو موسى أن منحه الغطاء للمفاوضات يصلب الصلف الإسرائيلي
ويطيل أمد الاحتلال, ويعرقل قيام مصلحة وطنية فلسطينية ,بل إنه يزيد من نار الخلاف والتشرذم والانقسام. فنتنياهو ومن سبقوه قالوا أنهم يهدفون من خلال المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى تحقيق أمور عدة تتلخص بهذه النقاط:
• إطالة أمد المفاوضات ريثما تتحقق ظروف مناسبة لشن حرب جديدة تعيد من خلالها خلط الأوراق.
• دفع من يفاوضهم على اليأس والملل حتى يرضخ لشروطهم التعجيزية ويوقع معهم صك الاستسلام.
• الحصول على مكاسب تضمن لهم إقرار من يفاوضهم بأمن إسرائيل بدون أن يقدموا أية تنازلات.
• تبديد الغضب العالمي الذي راح يتصاعد ضد إسرائيل من خلال خداع الرأي العام بهذه المفاوضات.
• ضمان تهرب أية حكومة إسرائيلية من تقديم أية تنازلات تقيد بها من سوف يليها من حكومات.
• إعطاء الرموز المتصهيينة في البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس الأميركي ذريعة تحميل المسؤولية بفشل المفاوضات إلى الجانب الفلسطيني أو العربي كي تتهرب الإدارة الأميركية من الضغط على إسرائيل.
وإثباتاً على صحة ما أقول أذكر القراء باتفاقيات أوسلو التي بقيت حبر على ورق. وبخارطة الطريق التي أستعيض بها عن أوسلو والتي لم يعد لها من أثر. وبطوابير الوسطاء الذين تعاقبوا خلال سنوات طويلة, وكل منهم يعدنا بأنه سيخرج من الجب الزير,وفجأة يستقيل أو يقال أو يستبدل دون أن نرى لجهوده من أثر. وبجهود كلينتون حين كان رئيس الولايات المتحدة الأميركية والذي حين أستطاع أن يفتح ثغرة في النفق المظلم الذي تدور فيه المفاوضات, دبر له مكيدة فضيحة مونيكا كي يضعف موقفه ويتوقف عن السير بالمفاوضات. وكذلك بالوساطة التركية التي حين استطاعت أن تندفع بالمفاوضات شوطاً لا بأس به لتحقيق السلام, نفذت إسرائيل مجزرة أسطول الحرية, وراحت إسرائيل تناصب تركيا وقيادتها ورجب طيب أردوغان الكره والعداء.
ما من دولة قامت على السلب والاغتصاب والإرهاب والإجرام وتشريد السكان الأصليين يمكن لها أن تقبل بالسلام أو أن تنتهجه كطريق قويم.فالسلام معناه إعادة الحقوق المغتصبة إلى أهلها, وهذا يتعارض مع منطق مثل هذه الدول التي على شاكلة إسرائيل.ومن يصدق أن عصابات من هذه النماذج والأشكال يمكن أن تقر بالسلام أو تحب السلام أو يؤمن أو تقتنع فيه!!!! ولماذا لا يلجأ من يعتبر أن المفاوضات مع عصابة تحكم إسرائيل طريقاً لتحقيق السلام أن يتفاوض مع العصابات الإجرامية في بلاده بدل أن يعاملهم بمنطق الحديد والنار ويزجهم في المعتقلات والمعتقلات ليقتص منهم القضاء على ما أجرموا فيه!!!!! وهل ينسى أنه حين يلهث وراء المفاوضات مع عصابات إجرامية تحكم إسرائيل بأنه يناقض ذاته ويمارس ازدواجية فحواها المكر والكذب والتضليل والنفاق والخداع !!!! أم أنه خائن وعميل, أم أنه لا يملك زمام أمره,وأنه ليس سوى عبد مأمور من قبل القوى الصهيونية والإرهابية والاستعمارية جند ليكون عدواً لشعبه ودينه ولله رب العالمين !!!!
القاصي والداني يعلم علم اليقين أن أية مفاوضات كي تكون منتجة وجدية, وتحقق المراد منها, ولا تكون مضيعة للوقت وتفاقم الشقاق والخلاف,وتؤتي أكلها يجب أن يتوافر لها جملة من الشروط والأجواء من أهمها:
1. محاسبة كل طرف لذاته وإجرائه نقد ذاتي وموضوعي لتصرفاته ليتبين له الخطأ من الصواب.وإسرائيل لا يمكن لها أن تقر بهذا الأسلوب ولا تريده ولا ترغب فيه ولن تنتهجه على الإطلاق في أية حال.
2. والوسيط يجب أن يكون نزيه ومحايد وحياده إيجابي. والوسيط الأميركي دومًا في قضية الصراع العربي الصهيوني ممالئ لإسرائيل وعديم الشرف وغير نزيه وفاضي الوفاض من العدالة والشرف والأخلاق.
3. والمفاوضات يجب أن تكون بلا ضجيج وصخب وضوضاء . وحتى أن رافقها جعجعة فيجب أن تنتج الطحين. والمفاوضات التي تريدها إسرائيل إنما هي جاروشة تطحن الهواء وجعجعة بلا طحين لخداع الشعوب إلى حين تتوفر لها الظروف المناسبة لخلط الأوراق, أو فرض واقع جديد بطرق العدوان والإجرام والإرهاب,لتتهرب من استحقاقات السلام وتبعاته بإعادة للحقوق لأصحابها الفلسطينيين.
4. والمفاوضات هدفها نزع فتيل الحروب,أو إيجاد الحلول للنزاعات المستعصية التي قد تجر إلى حروب جديدة تهدر فيها الكثير من الأرواح والدماء. وإسرائيل تريد المفاوضات مسكنات لمشاكلها ومعاناتها ريثما تبرأ لتكون قادرة على شن الحروب من جديد ومتابعة طرق الإرهاب والتدمير والإجرام.
5. والمفاوضات يجب أن يكون لها في كل يوم أو فصل أو عام براعم وأوراق أو زهر أو ثمار. وإسرائيل تريد المفاوضات مضيعة للوقت أو لكسب الوقت لخداع وتضليل الشعوب والرأي العام العالمي.
6. والقبول بالمفاوضات تعني قناعة الوسطاء وباقي الإطراف لحل مشكل أو معضلة أو إشكال. وإسرائيل والإدارة الأمريكية يظهرون القناعة بالكلام كرياء, ويبطنون المكر والتضليل والنفاق والخداع.
7. والمفاوضات يجب أن يكون لها زمن وسقف محدد كي يسود السلام والوئام. وإسرائيل والإدارة الأمريكية يريدانها أن تعمر إلى أبد الآبدين ,أو أن تكون على شاكلة مسرحية ليالي أحاديث شهرزاد. لعل صاحب الحق يمل أو ييأس وينسحب من المفاوضات. وحينها يحملونه مسؤولية فشل المفاوضات.
8. والأطراف التي تشارك وتدير المفاوضات يجب أن تسعى لنجاحها بأسرع وقت.وإسرائيل والإدارة الأمريكية تريدان أن يعد المتفاوضون الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد لمتابعة هذه المفاوضات.
9. والمفاوضات جولات مثمرة ومنتجة. وإسرائيل والإدارة الأمريكية تريدانها متاهة في صحراء قاحلة .
10. ولكي تنجح المفاوضات يتوجب على الإطراف عدم إثارة نزاعات جديدة,أو إفشالها وإحباطها بخلق نزاعات وصراعات جديدة. وإسرائيل والإدارة الأمريكية يثقلان المفاوضات على مدار اليوم بأكثر من نزاع وحرب وعدوان واعتداء,أو ينصبان فيها المصائد أو يُطعمانها بالتهديدات.
11. والمفاوضات يجب أن يرافقها كثير من الإجراءات التي تعزز الثقة بين الأطراف ,كأنسحاب من بعض الأراضي والمواقع التي يحتلها الطرف المعتدي ,وإطلاق سراح المعتقلون والأسرى والمخطوفين من قبل الأطراف,وتوطيد خطوط فك الاشتباك.وإسرائيل وبعض الإدارات الأمريكية تستغل أجواء المفاوضات لمضاعفة جهودهما بالعدوان وقصف القرى والمدن والحياء والتدمير والخطف والاعتقال وقتل المدنيين بطائرات مسيرة بدون طيار أو بصواريخ وقنابل المدفعية والسفن والطائرات.
12. والإطراف المتفاوضة يجب أن تقر بالتعهدات التي قطعتها على نفسها.وإسرائيل والوسيط الأمريكي على الدوام ينقضا التعهدات وينكرا كل تعهد ويخفيا كل وديعة كوديعة إسحاق رابين.
13. والمفاوضات يحكمها العقل والمنطق والشرعية الدولية والقانون الدولي والخرائط والمستندات والوقائع الملموسة عند قيام الإشكال أو النزاع.وإسرائيل والإدارة الأميركية تدخلانها بمنطق التجار.
14. والمفاوضات يجب أن يقودها أطراف ووسطاء وشخصيات من رجال القانون أو الساسة الشرفاء أو الحكماء. وإسرائيل والإدارة الأمريكية لا تستسيغا الشرفاء ويسعيان لأن يكون شخصياتها خونة وعملاء ومجرمون وجواسيس,أو مع سلطة تفتقد الشرعية والمصداقية وغارقة بالفساد والإفساد.
ولهذه الأسباب يمكن القول أن من يتهافت على المفاوضات أشبه بمدمن على الخمر أو الأفيون والمخدرات. وإسرائيل والإدارة الأمريكية تلحا وتشترطا على الطرفين العربي والفلسطيني إسقاط خيار المقاومة الوطنية, والقبول بالأمر الواقع وتقديم الكثير من التنازلات والتنازل عن حق العود, والإقرار ببناء المستوطنات لقبولهما الانخراط معهم في مهزلة سمياها هما زورا وبهتاناً بالمفاوضات. والأجدى لمن هو مدمن أو متهافت على المفاوضات مع إسرائيل أو الإدارة الأميركية أن يتعلم من سوريا وقيادتها أسلوب وفن وإدارة وقيادة التفاوض والمفاوضات.ولذلك نرى أن إسرائيل هي من تتهرب وتتهيب من المفاوضات مع الجانب السوري.لأنها تعلم علم اليقين أن الموقف السوري الذي يتبنى خيار المقاومة والداعي إلى قيام سلام عادل وحقيقي ستتحطم على صخرة ثباته وقوته وصلابته وموضوعيته غطرسة وعنجهية وعهر إسرائيل ورؤوس قادتها الإرهابيين والأشرار.