تراجع تجارة السلاح الإسرائيلية…حصاد السياسة والوضع الدولي بقلم هشام منور
إذا كانت حادثة الاعتداء على أسطول الحرية وما اقترفته الآلة العسكرية الصهيونية من جريمة قتل العديد من النشطاء السياسيين المتضامنين مع أهل غزة في حصارهم قد أدت إلى تراجع مكانة ( إسرائيل )على الساحة الدولية ..
كما يقول المحللون الصهاينة، وهي المكانة الموسومة بالارتزاق والعنف ونزوات الحرب والهيمنة والتوسع أصلاً، فإن ما اقترفته الحكومة الإسرائيلية من جرائم لم يلبث أن طال صناعاتها العسكرية والتكنولوجية التي تفاخر بتصديرها وبيعها إلى جميع أنحاء العالم، للترويج لنهج الحرب والتوتر في كل مكان.
وزارة الحرب الإسرائيلية كانت قد شرعت في تشكيل شبكة دولية لتسويق السلاح المصنع إسرائيلياً على مستوى عالمي، وأطلقت على تلك الشبكة اسم "رأس الرمح" وتضم في عناصرها جنرالات في الجيش والمخابرات ورجال دين وسماسرة ومقاولون، واستقطبت وزارة الحرب الإسرائيلية خبراء وفنيين من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية لتطوير صناعة السلاح ومنظومات الأمن والتجسس الخاصة بها.
شبكة "رأس الرمح" كانت قد فتحت أمام الصناعات العسكرية الإسرائيلية سوقا واسعة تشمل دولاً وبلداناً عديدة في مناطق النزاعات والتوتر العالمي، وشملت قائمة الأسلحة والمعدات الإسرائيلية المصدرة أكثر من (500) نوع سلاح يتم صناعتها في حوالي 220 شركة إسرائيلية، ووفقاً لتصريحات الضابط الاسرائيلي (ايليا شوحال)، فإن جهاز الموساد الإسرائيلي استطاع إقامة مجموعة من الشبكات السرية تتولى تسويق السلاح الاسرائيلي إلى أكثر من (50 دولة)، على رأسها وفي مقدمتها، الولايات المتحدة الأمريكية التي تشتري عدة أنواع من السلاح الاسرائيلي.
واستناداً إلى الاتفاق الاستراتيجي المعقود بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، فإن "إسرائيل" تقوم بصياغة قطع تبديل لأنواع معينة من المقاتلات الأمريكية، بالإضافة إلى أنظمة تدريع من طراز "بلايزر" وألغاماً مضادة للدروع والأفراد، وأجهزة لكسح الألغام، ومعدات اتصال وإشارة ميدانية، ورشاشات وطائرات من دون طيار طراز (سكوت وماستيف)، وتطوير الصواريخ المضادة للصواريخ، والصواريخ المضادة للطائرات، بالتعاون مع شركات أمريكية، كما أن "إسرائيل" تزود الولايات المتحدة الأمريكية بنظم رادار وطائرات استطلاع من نوع (هارون) التي يمكن استخدامها في جميع الأحوال الجوية.
وتعتبر "إسرائيل" من الدول المتقدمة تكنولوجياً على صعيد صناعة طائرات التجسس والنظم الالكترونية المختلفة، وصناعة الصواريخ، وبناء الطائرات الحربية أو المساهمة في تأهيلها وتزويدها بالأجهزة المتقدمة، كما أن "إسرائيل" أصبحت الدولة الأولى في العالم القادرة على إعادة تأهيل الأسلحة الروسية الصنع وتحويلها وتزويدها بأجهزة الكترونية متقدمة، وتعتبر شركتا "البيت" وشركة تصنيع الطائرات الحربية "أي. إيه. أي" من أهم الشركات المتخصصة في هذا المجال، فضلاً عن قيام هاتين الشركتين بتطوير وتجهيز طائرات "اف -5" الأمريكية الصنع.
وقد امتدت شبكة تسويق السلاح الاسرائيلي لتضم تركيا، واستراليا، والأرجنتين، والتشيلي، وكولومبيا، وجنوب إفريقيا، والأكوادور، والمكسيك، وبنما، وسويسرا، وألمانيا، وتايوان، سلوفينيا، كرواتيا، والفلبين، والهند، والصين، واريتريا، ونيجيريا، وإثيوبيا، ودول حوض النيل كينيا، وزائير، وأوغندا، بالإضافة إلى عدد من الدول الإفريقية كليبيريا، وزيمبابوي، وانغولا.
ويعمل عدد كبير من العلماء والخبراء والفنيين في ورش وحظائر ومصانع وزارة الحرب الإسرائيلية على أساس أن الصناعات العسكرية جزء من قطاع الدولة، وهؤلاء العلماء يعملون في مختبرات سرية وعلنية تختزن أنواعاً غريبة من الفيروسات الكيمياوية والبيولوجية، إضافة إلى التقنيات البالستية في حيفا ورمفوت، ونيس سسيونا، والنقب، وتل أبيب وجامعات بار أيلان وتل أبيب وبن غوريون، ومعهد وايزمان والتخنيون، وكلها تردف مؤسسات صناعية وعسكرية ضخمة، مثل الصناعات العسكرية والجوية وهيئة تطوير وسائل القتال "رفائيل" وتاديران، وكل واحدة منهما تضم عشرات الشركات المتخصصة، إلى جانب عدد من الشركات الصغيرة التي يتركز إنتاجها في الأجهزة الالكترونية والهندسية مثل شركة "البيت" التي تصنع حواسيب معدلة التصويب والرمي الخاصة بالطائرات والدبابات، على غرار جهاز التصويب في دبابة "ميركافا – 2"، وكذلك شركة "الوب" العاملة في حقل الملاحة والتهديف، بالإضافة إلى إنتاج أجهزة لطائرات "كفير"، وأخرى لقياس المدى الليزري، وكل هذه الشبكة مرتبطة بوحدة الأبحاث والتطوير في وزارة الرحب الإسرائيلية.
إلا أن صناعة السلاح الإسرائيلية عرفت تراجعاً ملحوظاً منذ أن تسلمت حكومة (بنيامين نتنياهو) زمام الأمور، فخسرت تجارة السلاح الإسرائيلية المليارات بسبب تعنت اليمين الإسرائيلي وعرقلته لعملية السلام في الشرق الأوسط، وانخراطه في سياسات متناقضة مع المجتمع الدولي، فبعد تراجع تجارة السلاح مع الهند، خسرت "إسرائيل" عقودها العسكرية مع تركيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية، وكانت حكومة نتنياهو الأولى (1996) قد ألحقت خسائر فادحة بشركات السلاح الإسرائيلية بسبب السياسات المتطرفة نفسها، فقد سبق أن سجلت آنذاك شركات رفائيل وتأس و أي.إيه.أي خسائر بمقدار يزيد عن مليار ونصف المليار دولار على الرغم من الدعم الحكومي، كما قامت شركة "تأس" بتسريح (5 آلاف عامل) واضطرت الشركة التي تصنع رشاشات "عوزي" إلى إغلاق بعض منشآتها العسكرية.
أما في عهد الحكومة الحالية لرئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) فإن خسارة صناعة السلاح الاسرائيلي ستصل إلى عشرات المليارات سيما بعد نزع الشرعية والغطاء عنها في أعقاب مهاجمتها لأسطول الحرية، وإصرارها على الاستمرار في حصار قطاع غزة ومعاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي، وعرقلتها للمصالحة الوطنية الفلسطينية.