شهر رمضان والازدواجية بقلم د. صلاح عودة الله
من المتعارف عليه أن صوم رمضان يعتبر ركنا من أركان الاسلام الخمسة, ومن المتعارف عليه أيضا أن يقوم المسلمون باحترام شعائر دينهم وتعاليمه طيلة أيام السنة, ولا يختزلوها في شهر رمضان فقط.
يختلف المسلمون فيما بينهم في أمور كثيرة حتى في تحديد اليوم الأول من شهر رمضان, فأصبح الأمر سياسيا بحتا, لقد علمونا في كتب الدين الاسلامي عندما كنا صغارا بأنه اذا ثبت رمضان في بلد مسلم فعلى جميع البلاد الاسلامية الأخرى اتباعه, ولكن ما يحصل على أرض الواقع هو مغاير لهذه الحقيقة, فعملية"تسييس" رمضان أصبحت كغيرها من الأمور السياسية التي تختلف عليها دولنا الاسلامية والعربية وهي لا تعد ولا تحصى.
انتهى شهر شعبان ليطل علينا شهر رمضان, هذا الشهر الذي يفرض هيبته على سلوكيات الناس بغض النظر ان كانوا صائمين أو لا, فعند الافطار ترى الشوارع شبه خالية, فالجميع في هذا الوقت يجلسون لالتهام ما طاب لهم من مأكولات ومشروبات تجدها مبعثرة على مائدة الافطار, وكأن رمضان وجد لهذا الغرض.
فئة من الناس لا تصلي طيلة أيام السنة وتجدها تعتكف في رمضان وتصلي الصلوات الخمس في المساجد وخاصة صلاة التراويح, هذه المساجد التي تكون شبه خالية قبل رمضان, الا في هذا الشهر فتراها مليئة عن بكرة أبيها, لتعود الى حالها الطبيعي بعد انتهاء صوم رمضان.
فئة ثانية من الناس تلتهم المشروبات الكحولية الا في رمضان, وكأن القران الكريم حرم تناولها في هذا الشهر فقط, لتعود لتناولها بعد ظهور هلال شهر شوال.
فنانة عربية مسلمة يظهر جسدها أكثر من ظهور صوتها في كليباتها الغنائية, ولما سألوها الصحافيين الملتفين حولها عن برنامج أعمالها وما ستقدمه من جديد في رمضان, أجابتهم:"سوري" فأنا سأقوم بتأدية العمرة ان شاء الله, وسنراها عارية من جديد بعد انتهاء رمضان.
في أحد المنتديات, له حضور فعال ومتواصل, ومعروف جدا بين أوساط المنتسبين لهذا المنتدى, تارة يغازل عبر الشات وتارة أخرى يكتب عن مدى عشقه للجنس الناعم، وعندما بدأ رمضان كان أول من اقترح كتابة موضوع عن فضائل وفوائد هذا الشهر الفضيل, وسيعود الى مغازلة البنات والكتابة عن جمالهن وكأنه نزار قباني أو قيس بن الملوح بعد غروب سمس يوم رمضان الأخير.
فتاة تأتي الى عملها في لباسها الفاضح, معطرة بأفخر العطور الباريسية, متبرجة وواضعة ما هب ودب من أنواع المكياج, ولكن سبحان الله, في رمضان تبدلت الأحوال..عباءة طويلة محجبة, ولكن سرعان ما تعود الى عادتها القديمة في أول أيام عيد الفطر, تماما كما "عادت حليمة الى عادتها القديمة".
مصلون يطلبون من الامام في صلاة التراويح أن يقوم بقراء جزء قصير من قصار السور حتى لا تفوتهم مشاهدة مسلسلهم المفضل والذي يتزامن وقته مع صلاة العشاء, والبعض يكتفي بصلاة العشاء وحدها, والبعض الاخر يكتفي بصلاة أربع ركعات تراويح.
يقولون ان الحرام بين والحلال بين, ومن شاء أن يؤمن فله ذلك ومن شاء أن"يكفر" فهذا رأيه, وانك لا تهدي من أحببت فان الله يهدي من يشاء..وأما رأيي الشخصي فيكمن بأن مشاكلنا كثيرة ولا تقتصر على نوعية اللباس ولا في تناول المشروبات الكحولية, ان مشكلتنا الحقيقية تكمن في الازدواجية التي تلاحقنا تماما كظلنا..مظاهر وسلوكيات تظهر في رمضان وتختفي باخر وجبة افطار فيه.
علينا أن نكون كما يجب أن نكون وليس كالغراب الذي فقد مشيته بتقليده الأعمى لمشية الحمامة فلا هو بالغراب ولا هو حمامة, ففقد هويته بالكامل, فنحن نقلد الغرب في كل تصرفاته السلبية, ولم نقلده في تقدمه وعلمه وأسلوب تفكيره وتدبيره الناجح لأمور حياته, نحن نهتم بأتفه الأمور ونتمسك بالقشرة ونترك اللب, وفي نفس الوقت يقوم الغرب بتطوير مناهج العلم والأبحاث وغزو الفضاء..نحن عباقرة في استهلاك الأمور ونتظاهر بما ليس فينا.
ان الناظر يرى بأم عينه ضياع الجمهور المسلم وتخبطه وتيهه، فحاله تماما كما وصف الشاعر إيليا أبو ماضي:جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت**ولقد أبصرتُ قدامي طريقاً فمشيت..وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبيت**كيف جئت؟, كيف أبصرت طريقي؟, لست أدري!..والى لقاء في رمضان اخر وكل عام وأنتم بخير.
جزاك الله خيرا و مقال جميل و يصيب كبد الحقيقة ويعرق الواقع الذي نعيشه في انفسنا