الطاهر وطّار يتحدى دونكيشوت بقلم : مأمون شحادة
إن لم يكن هناك سمو عمودي على أفقية المسطح الفكري، فأتمنى أن أجد مساحة عقلية تقرأ المسافة ما بين الارتفاع العمودي ومحتواه الأفقي.
صحيح أن القناعة مفقودة وسط مثلث الرياء وأخوته، ولكن حينما يكون القلم نبراساً يكون العقل نوراً، عندها نستطيع أن نقول إن المستقبل له معنى، فعذراً فأنا لست مسؤولاً أو من ذوي النفوذ، أو أتربع على قاعدة المحسوبية عند فلان وعلان.
وعذراً أيضاً أنني لا أنتمي إلى أي حزب سياسي أو أتقلد منصباً مرموقاً في ذلك الحزب، فأنا هكذا أجيد حمل الأفكار العقلية والعقلانية والواقعية، أنتقد الذات والواقع والتاريخ ولا أحابي احداً للوصول إلى ما يرضاه لي ذلك الآخر، فأنا على قناعة أن عدد السنين أكبر من عدد صياغة الكلمات ورائحة التهميش والتنصيص وأقوال هوبز في تفسير معنى الحكم، فأنا إنسان ولي بوصلة تشير إلى العقل، وكذلك أعرف أن الحقيقة تائهة بين جدران الحاكم والتملق والانزواء، ما يعني ان المحاباة لجهة ما هي الدواء الشافي لكي نجد مساحة نستظل بظلها.
عذراً فالطاهر لا يستطيع أن يكون ميكافيلياً، لأن مساحة عقله لا تحتمل العيش في كينونة التملق الانزوائي، فقاعدة "المعرفة والحقيقة" )لماذا، ومتى، وكيف، وماذا، وأين( تعرف أن مساحة رأي المسؤول أكبر من مساحة التعبير والرأي الآخر، فعلى ما يبدو أن الميكافيلية الفكرية أصبحت مؤشراً لقول الرأي المحصور بين سياسات الحاكم، والنفاق الحزبي.
شكراً لك يا دونكيشوت على حرية المساحة الفكرية التي لا تتسع إلى أفكاري، وشكراً لك على حروبك الوهمية وردود أجوبتك الكهروسياسية، فاحتراف لغة حروب الطواحين مفيدة في قمع الرأي الآخر، فعلى ما يبدو أن الشهرة لا تحتمل إلا أن يكون الإنسان مقرباً من دونكيشوت، وهمياً في أفكاره، ويجيد لغة تفضيل الآخر على الذات.
دونكيشوت مصمم على التقرب مني لأكون بوقاً له، كمثل بقية الأبواق، أحلل له ما يشاء وأتلاعب بعقول الرعية بصياغة الكلمات، ولكن عذراً يا سيدي، فصوتي مبحوح ولا يجيد لغة الرياء والتطفل على الرعية، فلقد أصيبت أحبالي الصوتية بالتهاب حاد من كثرة المناداة باسمها، ولم اعد أملك إلا قلمي، ولقد وهبته إلى أصغر طفل يبحث عن فتات الخبز حول مخازنكم المليئة برائحة الشواء والبرفان، حتى أصبح هذا الطفل يانعاً يتخطى الحدود الفكرية الضائعة بين دهاليز الموت والتسويق السياسي.